حدد تاريخ 23 جوان المقبل مبدئيا كتاريخ لتلقي المحامين الإيطاليين الموكلين في قضية سقوط الطائرة التونسية عرض سواحل صقلية في أوت 2005 أجوبة عن الاستفسارات التي وجهتها شركة تونانتار حول الأحكام المجحفة الصادرة عن محكمة بلارمو الإيطالية في مارس الفارط وهي الاحكام القاضية بالسجن لمدة 10 سنوات لقائد الطائرة ومساعده و9 سنوات للمدير العام للشركة و8 سنوات لموظفين فيها ومن المنتظر أن يتولى المحامون على ضوء هذه المعطيات القيام باستئناف الاحكام المذكورة سيما وأنها أحكام تعد سابقة في تاريخ حوادث الطيران بشهادة الجمعية العالمية للطيارين مساعي حثيثة تقوم بها السلطات التونسية حاليا على كل المستويات لتبرئة ساحة طاقم الطائرة من مسؤولية الحادث خاصة وأن جملة الأدلة تدين مصنع الطائرة وهو إيطالي فرنسي وقد كانت أثيرت قضية الطائرة التونسية مؤخرا في التظاهرة التي نظمتها الجمعية العالمية للطيارين في الدارالبيضاء حول حوادث الطائرات التحليل والوقاية بحضور مختصين في مجال الطيران من 60 دولة من مختلف أنحاء العالم وأكد الجميع مساندتهم الكلية لموقف قائد الطائرة ومساعده وتأييدهم لقرار الهبوط الاضطراري في البحر وعلى رأسهم السيد كارلوس ليمون رئيس الفيدرالية الدولية لخطوط الطيران وكان هذا الأخير أكد خلال زيارته إلى تونس استنكاره للحكم الصادر عن المحكمة الإيطالية . وأعرب عن نفس الموقف في لقائه بوزير النقل والوزير الاول. أحكام قاسية الأحكام التي اطمن لها وجدان «العدالة الإيطالية» إبتعدت عن الموضوعية والنزاهة المحمولة على الجهاز القضائي وتغذت بروح الانتقام فجاءت أحكامها كأقسى مايكون كما لو تعلق الأمر بالقتل العمدي ومن المفارقات أن تعبر جمعية الطيارين الأيطاليين عن تفهمها واقتناعها بقرار قائد الطائرة في الهبوط الاضطراري إذ لا سبيل لانقاذ حياة الركاب حسب سيناريو الحادثة الأليمة سوى خيار الهبوط في البحر وبالرغم من ذلك فالمحكمة الأيطالية نظرت للأمور من زاويتها الخاصة وحملت المسؤولية كاملة لقائد الطائرة ومساعده وبقية الموظفين في الشركة لينال كل منهم أحكما بالسجن ترواحت مدتها بين 8 و10 سنوات . ضجة إعلامية الحادثة التي جدت أطوارها في أوت 2005 تزامنت مع حوادث كثيرة أدت إلى اعتبار شهر أوت أنذاك شهر «أوت الأسود» فسقوط 11 طائرة في ذلك الشهر شكّل محور أنظار العالم واهتمام وسائل الاعلام والطائرات المذكورة ترجع إلى شركات معروفة مثل «آر فرونس»و «إليوس» ولكن ورغم وفاة عدد كبير من الضحايا فيها وثبوت الخطأ والمسؤولية على طاقم الطائرة فإن الأحكام الصادرة فيها لم تكن مُجحفة فحوادث الطيران عموما غالبا ما تكون بسبب خطأ غير مقصود أو أسباب قاهرة كما أن الهدف في مثل هذه الحوادث ليس تجريم الطيار أو الطاقم بل أخذ العبرة من الحادثة حتى لا تتكرر ثانية وفي نهاية الأمر فإن حياة الطيار والطاقم والمسافرين على حد السواء هي على المحك .ولاشك أن الضجة الإعلامية الكبيرة التي أحدثتها وسائل الاعلام الايطالية في هذه الحادثة صورت الأمور بقدر كبير من المأساوية ووضعت عائلات الضحايا في الواجهة للتعبير عن رحلة تحولت إلى رحلة موت وُجهت أصابع الاتهام فيها إلى طاقم طائرة لم يدّخر جهدا في انقاذ الموقف في اللحظات الاخيرة كما تعمّد الإعلام الايطالي عدم إظهار محاميي الطاقم في الصورة حتى تظل الحقيقة عارية من كل صحة . ونحن بدورنا نناشد السلط المختصة تكثيف المجهود للدفاع عن طاقم الطائرة وإنصافه من الاحكام الجائرة. أكثر من مليار لكل عائلة وماغاب على أذهان الإيطاليين أن القضاء والقدر أقوى من الطيارين وأقوى من الضحايا أنفسهم وعسى أن يكون موتهم هنيئا في طائرة ذُكرت فيها أدعية النجاة في لحظات الموت .ومن المؤكد أن التغطية الاعلامية الكبيرة حادت بالحكم الصادر عن ميزان العدالة وحوّلت الجهاز القضائي إلى أداة انتقام طالت أثارها مدير الشركة وبعض الموظفين فيها بأحكام ثقيلة ويبدو ان القضية قد اتخذت ابعادا اخرى لا يخفى فيها انحياز المحكمة الايطالية إلى الضحايا والدليل أن نائب الحق العام الايطالي عيّن3 خبراء لإعداد تقرير حول خفايا الحادث إثنين منهم ليست لهما الخبرة الكافية في مجال الطيران وقد تبنّى النائب العام في النهاية التقرير الأكثر تشددا مع طاقم الطائرة.الإستياء الكبير والاستغراب الذي أبداه الرأي العام في تونس والمختصون في مجال الطيران في ايطاليا ممن لهم دراية بدوافع الهبوط الاضطراري ترجمها السيد شفيق الغربي قائد الطائرة المنكوبة ومساعده علي الكبيّر برفض التعليق فهما وحدهما يدركان حجم المعاناة والكارثة التي كانت ستقع لو لم يتخذا قرار الهبوط الاضطراري في البحر وهذا الهبوط كان ناجحا إلى حد كبير والدليل هو نجاة ثلثي الركاب أي 23 راكبا مقابل وفاة 16 شخصا بعضهم لقي حتفه لعدم احترامه لقواعد السلامة وقد حصلت عائلات الضحايا على تعويضات في وقت قياسي فاقت المليار لكل عائلة . قائد الطائرة ومساعده لم يتوقعا أن تصدر مثل هذه العقوبة فالمختصون والخبراء اعتبروهما أبطالا لنجاحهما في ادراك الموقف بعد 50 دقيقة من الرعب ومن محاولات إعادة تشغيل المحرك خاصة أن عداد قيس الوقود وإلى آخر لحظة كان يشير إلى وجود الكمية الكافية للهبوط في المطار وهو ما إستحال معه معرفة السبب الرئيسي لتعطّل المحرك وفي غمرة الصراع بين الحياة والموت والبحث عن توفير سلامة المسافرين أولا لم يجد طاقم الطائرة الوقت لارتداء بدلة الانقاذ.قائد الطائرة أكد لنا بأنه لم يفكر في الموت بقدر ما فكر في طريقة لانقاذ الطائرة أما مساعده فقد سبح يومها رغم الكسور التي طالت ساقيه وكتفه وأنفه. صورة الحادثة سؤال لا يمكن أن نغفل عن طرحه في هذا الصدد هو مدى اختصاص المحكمة للنظر في القضية فالثابت أن الطائرة سقطت في المياه الدولية 2 وهي منطقة تعطي الأحقية للمحاكم التونسية للنظر في هذه القضية فكيف تُنصّب المحكمة الايطالية نفسها وتُصدر أحكاما من هذا القبيل؟. قائد الطائرة عادت به الذاكرة إلى الأطوار الرهيبة لهذه الحادثة يقول: «لم أستوعب عدم وجود وقود في خزّان الطائرة إلا بعد أيام وذلك بسبب إشارة عداد القيس التي تؤكد عكس ذلك كما أنني قمت بإعلام فنّيي الصيانة بضرورة تغيير العدّاد قبل أيام من الرحلة وقد قاموا بذلك ولكن وضعوا محركا يصلح لطائرة من نوع «آتي آر 42» وليس محركا ملائما لطائرة مثل طائرتنا «آتي أر 72»ونتيجة لسلسلة من الاخطاء توقف المحرك وكانت الكارثة وقد صارعنا الموت مدة 50 دقيقة وكان الطقس يومها متقلّبا جدا ولم يكن هناك حل سوى الهبوط الاضطراري في البحر لتنقسم الطائرة إلى 3 أجزاء وتسقط في سواحل صقلية.