في ما مضى كان للديكتاتورية لونها المفضل: البنفسجي. أصبحنا فيما بعد، بوعي منا أو في لاوعينا، نتجنبه. اليوم في عهد الحريات أصبحنا ننظر بعين الريبة الى الوان الاحزاب وتشتد ريبتنا من الحاكمة منها. الازرق، لون النهضة المفضل. أصبح هذا اللون بعد عامين من الثورة أكثر الالوان ريبة و سخونة. "الازرق لون ساخن" هو عنوان كتاب كارتوني للكاتبة الفرنسية جيلي ميراه. الكتاب استوحى منه عبد اللطيف كشيش لاخراج فيلمه "حياة اديل" حول المثلية الجنسية الذي نال به سعفة مهرجان كان. فيلم أخجل بعض النخب الأخلاقوية التونسية. بعيدا عن العلاقة المثلية في كتاب جيلي ميراه الكارتوني، البعض يرى ان هناك علاقة مثلية بين الازرق والبنفسجي. طواحين الهواء الزرقاء تدفع بالرياح في الاتجاه نفسه الذي دفعت به طواحين الهواء البنفسجية طوال ثلاثة و عشرين عاما. بالتأكيد ان حركة النهضة ليست التجمع الدستوري الديمقراطي،و الشيخ راشد الغنوشي ليس هو الرئيس بن علي غير ان اليات تسيير طواحين الرياح هي نفسها. القضية ثقافية بالاساس. عاش الملك مات الملك. القربى و المرتبة العليا لمن يحسن التزلف عند اعتاب السلطان. هذه سنة عربية و اسلامية لا يمكن ان تمسحها الثورات بجرة قلم. من سمع منكم بشهادة اللواء الازرق؟ هذه شهادة جديدة تمنحها الوكالة الوطنية لحماية و تهيئة الشريط الساحلي للشواطئ الاكثر نظافة! قبلها اختارت بلدية القصرين طلي رصيف المدينة بالازرق. بمناسبة انتصار النهضة في الانتخابات اختير لمعلوم الجولان لسنة 2012 اللون الازرق ! لبس اللون الازرق و اظهاره من علامات الاخلاص و الوفاء في اجتماعات الحزب الحاكم. من اختار الازرق لونا رسميا للنهضة لا ينقصه حسن الذوق: في غابة اللحى السوداء يظهر الازرق جذابا يثير المشاعر والاحاسيس ويحرك شياطين الاجساد. صدقت جيلي ميراه، الازرق فعلا لون ساخن.. بل ساخن جدا ! في كل الديمقراطيات، لكل الاحزاب في العالم الحر ألوانها المفضلة. الاحمر للحزب الاشتراكي الفرنسي و البرتقالي لحزب فرنسوا بيرو و الاخضر لحزب الخضر.. من حق النهضة وأي حزب تونسي ان يختار لونه دون ان يتحول اللون الى اداة سياسية تذكرنا بزمن ماض. اولى الخطوات لتجنب الخلط بين خيارات الحزب و بين خيارات الدولة هو فصل اختيارات الادارات العمومية في الرموز و الالوان عن خيارات الاحزاب الحاكمة. هذه ملاحظة عابرة رغبة منا في ان نحد من دوران طواحين الرياح العاتية. ليس من السهل ايقاف منظومة كاملة من شحن الطواحين و دهنها و تزويقها و ضرب الدفوف لدورانها و لكن همنا في هذه المرحلة على الاقل التقليل من سرعتها.. حتى يكون نتاج طحين القمح الصلب أكثر جودة و أقل تكلفة. والله المستعان !