بعد الثورة عمد بارونات الفساد إلى الاختباء والابتعاد عن الأنظار خوفا من المحاسبة، كما اختفت خلال الأشهر الأولى للثورة العديد من مظاهر الانحراف مثل البراكاجات وتوزيع المخدرات والرشوة وغيرها، وبعد أشهر معدودة عاد "القطط السمان" في عالم الفساد إلى ترتيب أوراقهم من جديد، فكثرت عمليات التهريب، والصفقات المشبوهة، وامتد الأخطبوط الى مختلف القطاع الحساسة في الاقتصاد والسياة والأعمال، وعادت مظاهر العنف الأعمى حتى وصلت جرائم القتل إلى نسب مرتفعة وكذلك جرائم الاغتصاب وقطع الطريق وآخرها اغتصاب المرأة الحامل في حمام الشط، كما انتشرت ظاهرة الزطلة في الأحياء والمدن وحتى في المعاهد والمدارس وتفشت من جديد مظاهر الرشوة وفي عدد كبير من الإدارات. لقد تنفس "القطط السمان" في عالم الفساد الصعداء ظنا منهم أن ضعف الدولة وارتخائها بسبب المرحلة الانقتالية التي نمر بها، فرصة سانحة لمزيد الكسب السريع، فشهدت البلاد عمليات تهريب كبيرة شملت مختلف المواد والأسلحة والمخدرات والذهب وحتى الأموال، وتعززت هذه الشبكات بسبب حدة التجاذب السياسي الذي شغل الناس في الأشهر الأخيرة. من آخر مظاهر هذه الانتعاشة في عالم السرقة والفساد، استهداف المئات من مربي الماشية في أريافنا، فتمت سرقة الآلاف من رؤوس الماشية والأبقار وخاصة في الجنوب والشمال الغربي، حتى أصبح الكثير من الفلاحين في حالة رعب متواصل، مما اضطر بعضهم الى التفريط في قطيعه بالبيع، مما يؤثر حتما على أمننا الغذائي ويزيد في أزمة اللحوم والحليب التي تعيشها البلاد. ولم يسلم من عمليات السرقة أجهزة الريّ وصابة الزيتون، ورغم القبض على بعض هذه العصابات فمازالت صيحات فزع الفلاحين في عدة مناطق تنذر بالخطر. إن الحكومة الجديدة التي جعلت في سلم أولوياتها توفير الأمن ومحاربة مظاهر الفساد مطالبة اليوم بانهاء فترة الهدنة التي تمتع بها هؤلاء، والضرب على أيدي كل الفاسدين وخاصة تلك "القطط السمان" التي نهبت في السابق وتريد مواصلة النهب في المستقبل، وعدم التسامح مع هؤلاء، تحت أي ذريعة كانت، وتقديمهم للعدالة والكشف عن شبكاتهم الأخطبوطية، وبالتالي يتم إيقاف نزيف كبير أضر بسمعة تونس وباقتصادها طيلة أشهر. ومن المؤكد أن حملة متواصلة على المجرمين والفاسدين ستكون مفيدة لبلادنا في مرحلة حساسة يحتاج فيها مناخنا السياسي والاقتصادي إلى دولة قوية تحارب كل مظاهر الانحراف وبدون رحمة. __________________________________________________________________________ **محمد الفوراتي : رئيس تحرير جريدة الفجر الناطقة باسم حركة النهضة