عامر بحبّة يحذّر: أمطار قياسية ومنخفضات جديدة في الأفق    قضية التآمر على أمن الدولة 1 .. أحكام بين 10 و45 سنة وخطايا مالية    إعداد تشريعات لفائدة الشباب    انقطاع حركة المرور بين وادي مليز و عدد من مناطقها    تطوير الابتكار    مع الشروق : هل تستطيع باريس طيّ صفحة الماضي مع الجزائر؟    محمد العياري مدربا جديدا لمستقبل سليمان    في مباراة ودية.. الإفريقي يفوز على منتخب نجوم القدس الفلسطيني    رئيس مجلس نواب الشعب : "نمارس سيادتنا كاملة ولا نسمح لأي طرف بالتدخّل في شؤوننا الداخلية"    طقس الليلة.. امطار غزيرة بعدد من المناطق    بعد سلسلة إيقافات سابقة .. الحرس الوطني بالمحرس يضرب بقوة وإيقاف 5 عناصر محلّ تتبعات    الكرواسان تحت المجهر: ما الذي يفعله بجسمك فعلاً؟    استثمار إيطالي في هذه الولاية لتطوير صناعة المحولات الكهربائية..#خبر_عاجل    دراسة حديثة للمعهد الفرنسي للرأي العام: الدين عند المسلمين في البلاد يتفوق على القانون    تأجيل ملف التسفير 2 ورفض جميع مطالب الافراج    رسميا: الإعلان عن موعد الدورة 40 لمعرض الكتاب..#خبر_عاجل    كان في طريق العودة من المدرسة: شاحنة تُنهي حياة طفل ال7 سنوات..#خبر_عاجل    في بالك... كان تاكل وحدك، شنوا الخطر اللي يهدّدك؟    فلاحة صفاقس : اليد العاملة غالية وسعر الزيتون في ارتفاع    صدمة في سيدي بوزيد: وفاة شابين خلال تركيب الطاقة الشمسيّة    استعدادات استثنائية لموجة البرد في سوسة    غلق 4 معاصر في باجة ...شنية الحكاية ؟    فضيحة في إنجلترا: لاعبة ''تخنق'' منافستها في ماتش ''الكاس!''    علامات تعني انّك مصاب بالكوفيد مش بنزلة برد    عاجل/ مؤسسة صينية مختصة في هذه الصناعات تعتزم الاستثمار في تونس    النيران تلتهم موقع تصوير هذا المسلسل الرمضاني..#خبر_عاجل    حادثة تكسير وتخريب المترو رقم 5: نقل تونس تكشف عن تطورات جديدة..#خبر_عاجل    الغرفة القطاعية للطاقة الفولطاضوئية و"كوناكت" ترفضان إسقاط الفصل 47 من مشروع قانون المالية 2026    عاجل/ جامعة البنوك تلوّح باضراب عام ثان    بينها متحوّر من كورونا: هذه الفيروسات المنتشرة في تونس حاليا..#خبر_عاجل    عاجل: ديسمبر متقلب..موجات باردة وأمطار متفاوتة على المغرب العربي    عاجل: القنوات الناقلة مجانًا لكأس العرب وهذه الترددات    كفاش تربح برشا فلوس من التيك توك ؟    صدمة ولحظة رُعب: امرأة تتحرك داخل تابوتها قبل الحرق    منتخب إيران يقاطع قرعة كأس العالم 2026    هام: كل ما يجب معرفته عن رُزنامة التقوم الفلاحي التونسي    أيام قرطاج المسرحية 2025: المخرج العراقي سنان العزاوي يكسر "جدار" العنف المسكوت عنه ويكشف حكايات نساء خلف الأبواب الموصدة    معرض تشكيلي في مقر المنظمة العالمية للتجارة بجنيف دعما للفنانين التونسيين وللمنتوجات الفنية الإبداعية    جندوبة: استعدادات للتوقي من مخاطر التغييرات المناخية وتاثيرات موجة البرد    مدنين: امضاء 27 اتفاقية تكوين لتوفير يد عاملة مختصة في الصناعات الحرفية    بطولة الرابطة الثانية: تعيينات حكّام مباريات الجولة الحادية عشرة    الدورة الثانية من تظاهرة "هيا نحكيو ماكلة...زيتنا في دقيقنا " من 28 الى 30 نوفمبر 2025 بدار الاصرم بمدينة تونس    بطولة إفريقيا للكرة الحديدية الحرة موريتانيا: المنتخب الوطني التونسي ثلاثي يحقق هذه النتائج    المجموعة الموسيقية لجمعية مالوف تونس باريس صفاقس ...في انتظار المنستير وباريس    الخارجية السورية: الهجوم الإسرائيلي على بيت جن "جريمة حرب"    كأس العرب (قطر 2025): بعثة المنتخب التونسي تحطّ الرحال في الدوحة    تعرضت للابتزاز والتهديد ثم عثر عليها ميتة: الكشف عن تفاصيل جديد حول وفاة اعلامية معروفة..#خبر_عاجل    الأجندة الجبائية لشهر ديسمبر 2025: خمسة مواعيد أساسية لخلاص الالتزامات الضريبية    الغاز اللي يقتل في صمت في دارك وما تحسّش بيه....شوف التفاصيل    ترامب يكشف عن خطط لطرد الصوماليين ويسخر من إلهان عمر    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون    خطبة الجمعة .. إنما المؤمنون إخوة ...    القيروان إفتتاح الدورة 5 الصالون الجهوي لنوادي الفنون التشكيلية و البصرية بدور الثقافة    الجمهور يتأثر: الإعلامية المصرية هبة الزياد رحلت عن عالمنا    تهديد إعلامية مصرية قبل وفاتها.. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياتها    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كورونا: حدود الدولة الليبرالية والنيوليبرالية في تدبير الشأن الصحي
نشر في حقائق أون لاين يوم 16 - 03 - 2020

قد يكون من السابق لأوانه، تقصي الدروس واستخلاص العبر من وباء كورونا العابر للقارات والجنسيات والأديان والأعراق، سيما وأن مدى تطوره غير معروف ونطاق عدواه مجهول وإجماليّ عدد ضحاياه من المصابين والقتلى غير واضح بعد.
وعلى الرغم من هذا، فإن قراءة في الخيارات الكبرى للدول التي استطاعت أن تحدّ من خطورة الوباء، والتي تمكنت من تجاوزه جزئيا، أو تلك التي وجه لها الفيروس ضربات صحية موجعة، من شأنها – أي القراءة- أن تساعد على استشراف القضايا الأساسية لأية دولة وعلى تحديد جديد لمفهوم الأمن القومي.
بمنأى عن منطق المؤامرة الأمريكية ضدّ الصين وإيران، وبعيدا أيضا عن مقولات الحروب البيولوجية، والتي لا تصمد كثيرا حاليا في ظلّ اختراق الفيروس للداخل الأمريكي، وإجباره واشنطن على إعلان حالة الطوارئ العامة وتعليق السفر لمجمل عواصم العالم، فإنّ التحليل العميق يفرض علينا بحثا في نموذج الدولة المؤهلة على مواجهة الفيروسات الخطيرة على غرار فيروس كورونا.
من الواضح، أن كورونا ستفرض على قادة الدول والرأي في العالم، مُراجعة الصبغة الليبرالية والنيوليبرالية للدولة ولإدارتها للشؤون الصحية، بعد أن كشفت محنة كورونا أن الدولة الراعية والضامنة للمرافق العمومية الصحية هي الأسرع في مستوى التحرك واستباق العدوى وفرض الإجراءات والسياسات العمومية اللازمة.
فالفرق بين دولة مثل الصين نجحت في عزل منطقة برمتها مثل يوهان وتمكنت من إنشاء فنادق استشفائية كبرى وتوظيف خزانها الطبي والصحي الكبير، وبين دول أوروبية أخرى على غرار إسبانيا وإيطاليا وحتى فرنسا وهي دول باتت تعتمد سياسة التمييز الإيجابي بين المصابين بوباء كورونا وفق السن والحالة، كامن في تلك العلاقة التلازمية بين الدولة والشأن الصحي في البلاد.
ففي الوقت الذي تعتبر فيه الكثير من الدول ان نموذج الدولة الراعية لمسائل التعليم والصحة والسكن والغذاء، بات خارج سياق العولمة القائمة، وأن الدولة فقط هي جهاز إداري مسؤول عن قضايا الدفاع والأمن وبعض الأوراق الإدارية، أبرزت محنة الكورونا لا فقط هوان هذه المقولة، بل خطورة نموذج الدولة المستقيلة على صحة المواطن الذي يدفع للدولة ضرائب لا تحصى ولا تعد.
لذا فليس من الغريب أن تجد الدول التي تخلت عن واجباتها الصحية حيال مواطنيها، لفائدة رؤوس الأموال المستثمرين في صحة المواطن، ولصالح منظومات مالية همّها الوحيد مراكمة المال من جيب المريض أو أنصاف الموتى، أن تجد نفسها عاجزة عن التعبئة الصحية والتجنيد الاستشفائيّ عندما تمر بها أزمة كبرى على غرار كورونا.
الإشكال العميق، في تقديرنا الشخصي، والذي تعرفه الكثير من العواصم الأوروبية والعربية أيضا، كامن في واجبها على التدخل السريع والاستباقي والجذري في قطاع سبق وأن أعلنت تخليها عنه جزئيا أو كليا، فالصحة العمومية والجيدة لم تعد من مشمولات الدولة الليبرالية والنيوليبرالية كما أن التعليم العمومي والمجاني لم يعد من أولوياتها.
تضعنا أزمة الكورونا ضمن إشكالية كبرى مدارها استحقاقات الدولة الراهنة حيال مواطنيها، ومكانة الصحة ضمن مشمولاتها، والأهم من كل ذلك حدود نموذج الدولة الليبرالية والنيوليبرالية في تدبير الشأن الصحيّ، وعجزه عن تقديم إجابات حقيقية حول المساواة والعدالة بين أبناء الوطن الواحد.
فأن تضطر دولة على نزع جهاز التنفس الاصطناعي لمواطن وتقديمه لمواطن ثان، يدل على أن المساواة بين المواطنين وهي اللبنة الاساسية لنموذج الدولة الليبيرالية تم ضربه في الأساس، وأن حقوق الحياة باتت حقوقا نسبية بين الأجدر والأقدر على الاستمرار في الحياة من غيره.
هكذا تُثبت الدولة المستقيلة عجزها وحدودها عن تأمين الحقوق الدنيا للمواطنين، بل هي تؤكد أنها صارت تُروج لأفكار ومقولات خارج النطاق الإنساني.
اليوم، إن كان علينا في تونس من واجب أساسي، فهو أولا مجابهة الكورونا بكافة السبل، ولكن أيضا مكافحة الأسباب العميقة التي أوصلت الشأن الطبي والصحي في تونس إلى حالة كارثية جنائزية يُخشى عليه من مواجهة الأزمات الصحية ناهيك عن الأوبئة على غرار كورونا.
في تقديري، ان الخيارات السياسية الكبرى التي اعتمدتها البلاد على مدى نحو عقدين، تبين عجزها التام عن تطوير القطاع الطبي، بل هي حولته إلى قطاع مهمش مهجور لصالح القطاع الخاص.
ما بين الدولة الراعية لكافة القطاعات الحيوية في البلاد، والدولة الليبيرالية المتوحشة، هُناك خيارات مهمة بالإمكان اعتمادها في تونس على غرار الدولة الديمقراطية الاجتماعية الكامنة في المزاوجة ما بين الخيارات الرأسمالية ولكن مع الإبقاء على الأدوار الاجتماعية الكبرى للدولة وعلى رأسها حماية القطاعات الحيوية على غرار التعليم والصحة والسكن والغذاء...
الكورونا وهي تضرب وتفتك بالآلاف، تضرب في العمق النموذج الاقتصادي التعيس للخيارات الليبيرالية، والأولى ان نستلهم من تفشي كورونا أكثر الدروس الرمزية والفكرية أهمية وعمقا، فكم من موت وهب الحياة لأمم وكم من حياة صدّرت الموت والفناء لدول وشعوب وأمم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.