باحث تونسي يتصدر قراءات العالم الأكاديمية ويحصد جائزة «Cairn / الفكر 2025»    عاجل: أطباء صفاقس ينقذوا طفل بعد ما وقف قلبه فجأة...تفاصيل مؤثرة    الإعلان عن مبادرة سياسية جديدة تحت عنوان "التزام وطني"    عاجل/ يهم التصاريح الجبائية: وزارة المالية تعتمد هذا الاجراء الجديد بداية من نوفمبر..    قابس: نشطاء في المجتمع المدني يجددون المطالبة بتفكيك الوحدات الصناعية الملوثة    عاجل:هذا ما تقرّر في قضية العملية الإرهابية بأكودة    مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026..الفرضيات والتوجهات الكبرى    بإشراف وزير الفلاحة ووالي جندوبة: خبراء يبحثون آفاق زراعة اللفت السكري    عاجل/ الجيش اكد انها ليست لرهائنه: ما قصة الجثة التي حيرت إسرائيل..؟    لأول مرة في التاريخ.. 7 منتخبات عربية في نهائيات كأس العالم    البرتغالي كريستيانو رونالدو يصبح الهداف التاريخي لتصفيات كأس العالم    الإتحاد المنستيري: الإدارة تفرض الويكلو على التمارين.. وتخصيص حافلات للأحباء    عاجل/ نشرة متابعة للوضع الجوي لبقية اليوم..أمطار رعدية بهذه المناطق..    في ذكرى الجلاء .. مجلس نواب الشعب يحث على "الاقتداء بنضالات وتضحيات شهداء تونس"..    تنبيه/ هذا آخر أجل لإيداع التصريح الشهري و التصريح الثلاثي..    مستشفى الرابطة: يوم مفتوح لتقصي هشاشة العظام في هذا الموعد    عاجل: محرز الغنوشي يُبشّر بالأمطار اليوم    مرصد الطقس والمناخ يُحذّر: المنخفض الجوي يقترب من الأجواء التونسية!    عاجل ولأوّل مرة في تونس: مشروع وطني لإنتاج أمهات الدواجن    نسور قرطاج في مواجهة قوية قبل كأس العرب: البرازيل والأردن في الطريق!    شنوّا صار في تونس نهار 15 أكتوبر 1963؟    الدكتور ذاكر لهيذب يحذّر: فيروسات الشتاء قد تُفجّر أزمات قلبية قاتلة!    رياض دغفوس: تسجيل حالات كوفيد-19 محدودة ولا تهدد النظام الصحي    حالة الطقس: خلايا رعدية وأمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    بين الأسطورة والذكاء الاصطناعي: قصة جواز سفر من دولة لا وجود لها تهزّ الإنترنت    الزهروني : الاطاحة بعصابة السطو على المنازل    بداية من اليوم..انطلاق حملة التلقيح ضد "القريب"..    توزر على إيقاع مهرجان "مسرح الجنوب": عروض في المعتمديات.. قطار المسرح ..وندوة مع بيت الحكمة    عاجل : أمريكا تلغي تأشيرات دخول ل6 أجانب من هذه الجنسيات    وزارة الفلاحة:جلسة عمل حول مقاومة الحشرة القرمزية في ولاية القصرين    خلف القضبان.. ماذا ينتظر الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي؟    تصفيات إفريقيا لمونديال 2026: السنغال وكوت ديفوار وجنوب إفريقيا تكمل عقد المنتخبات المتأهلة إلى النهائيات    الهند: حريق في حافلة يودي ب20 شخصا على الأقل    ترامب: تحدثت إلى حركة حماس وطالبتها بالتخلي عن سلاحها ووافقوا وإذا لم يلتزموا سنتكفل بذلك    فرنسا.. الاشتراكيون يرفضون سحب الثقة من الحكومة الجديدة    من الإبادة الصاخبة المكثفة إلى الإبادة الباردة عبر ومضات تدميرية    ترامب: بوتين لا يريد إنهاء حرب أوكرانيا    صندوق النقد الدولي يتوقع ان تبلغ نسبة النمو في تونس 2،5 بالمائة سنة 2025    منتجو التفاح بفوسانة يعبّرون عن استيائهم من مداهمات المراقبة الاقتصادية المتكرّرة لمخازن التبريد وحجز محاصيلهم    الفنان الملتزم سمير ادريس ل«الشروق» فلسطين هي محور الكون والقضايا    سوسة: وكر دعارة داخل مركز تدليك    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يجدد فوزه على نظيره العراقي وديا 3-0    لقاء إعلامي للتعريف ببرنامج "أوروبا المبدعة"    تكريم الدكتور عبد الجليل التميمي في نوفمبر المقبل خلال حفل تسليم جائزة العويس للثقافة    غيابات عديدة في صفوف الترجي قبل مواجهة رحيمو البوركيني في رابطة ابطال افريقيا    غرفة التجارة والصناعة لصفاقس تستعد لإطلاق المنصّة الرقمية لإصدار شهادات المنشأ    معز الشرقي يودع بطولة أولبيا الإيطالية من الدور الأول    باجة: رئيس اتحاد الفلاحة يدعو الى توفير الاسمدة مع تقدم عمليات تحضير الارض بنسبة 85 بالمائة    الكاف: يوم تنشيطي بدار الثقافة بالقصور بمناسبة الاحتفال بالذكرى 62 لعيد الجلاء    عاجل/ بشرى سارة بخصوص صابة زيت الزيتون لهذا العام..    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة وأمطار غزيرة بالشمال والوسط ورياح قوية    وزارة التربية تصدر روزنامة المراقبة المستمرة للسنة الدراسية 2025-2026    بنزرت.. في الذكرى 62 لعيد الجلاء .. خفايا معركة الجلاء محور لقاءات فكرية    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كورونا: حدود الدولة الليبرالية والنيوليبرالية في تدبير الشأن الصحي
نشر في حقائق أون لاين يوم 16 - 03 - 2020

قد يكون من السابق لأوانه، تقصي الدروس واستخلاص العبر من وباء كورونا العابر للقارات والجنسيات والأديان والأعراق، سيما وأن مدى تطوره غير معروف ونطاق عدواه مجهول وإجماليّ عدد ضحاياه من المصابين والقتلى غير واضح بعد.
وعلى الرغم من هذا، فإن قراءة في الخيارات الكبرى للدول التي استطاعت أن تحدّ من خطورة الوباء، والتي تمكنت من تجاوزه جزئيا، أو تلك التي وجه لها الفيروس ضربات صحية موجعة، من شأنها – أي القراءة- أن تساعد على استشراف القضايا الأساسية لأية دولة وعلى تحديد جديد لمفهوم الأمن القومي.
بمنأى عن منطق المؤامرة الأمريكية ضدّ الصين وإيران، وبعيدا أيضا عن مقولات الحروب البيولوجية، والتي لا تصمد كثيرا حاليا في ظلّ اختراق الفيروس للداخل الأمريكي، وإجباره واشنطن على إعلان حالة الطوارئ العامة وتعليق السفر لمجمل عواصم العالم، فإنّ التحليل العميق يفرض علينا بحثا في نموذج الدولة المؤهلة على مواجهة الفيروسات الخطيرة على غرار فيروس كورونا.
من الواضح، أن كورونا ستفرض على قادة الدول والرأي في العالم، مُراجعة الصبغة الليبرالية والنيوليبرالية للدولة ولإدارتها للشؤون الصحية، بعد أن كشفت محنة كورونا أن الدولة الراعية والضامنة للمرافق العمومية الصحية هي الأسرع في مستوى التحرك واستباق العدوى وفرض الإجراءات والسياسات العمومية اللازمة.
فالفرق بين دولة مثل الصين نجحت في عزل منطقة برمتها مثل يوهان وتمكنت من إنشاء فنادق استشفائية كبرى وتوظيف خزانها الطبي والصحي الكبير، وبين دول أوروبية أخرى على غرار إسبانيا وإيطاليا وحتى فرنسا وهي دول باتت تعتمد سياسة التمييز الإيجابي بين المصابين بوباء كورونا وفق السن والحالة، كامن في تلك العلاقة التلازمية بين الدولة والشأن الصحي في البلاد.
ففي الوقت الذي تعتبر فيه الكثير من الدول ان نموذج الدولة الراعية لمسائل التعليم والصحة والسكن والغذاء، بات خارج سياق العولمة القائمة، وأن الدولة فقط هي جهاز إداري مسؤول عن قضايا الدفاع والأمن وبعض الأوراق الإدارية، أبرزت محنة الكورونا لا فقط هوان هذه المقولة، بل خطورة نموذج الدولة المستقيلة على صحة المواطن الذي يدفع للدولة ضرائب لا تحصى ولا تعد.
لذا فليس من الغريب أن تجد الدول التي تخلت عن واجباتها الصحية حيال مواطنيها، لفائدة رؤوس الأموال المستثمرين في صحة المواطن، ولصالح منظومات مالية همّها الوحيد مراكمة المال من جيب المريض أو أنصاف الموتى، أن تجد نفسها عاجزة عن التعبئة الصحية والتجنيد الاستشفائيّ عندما تمر بها أزمة كبرى على غرار كورونا.
الإشكال العميق، في تقديرنا الشخصي، والذي تعرفه الكثير من العواصم الأوروبية والعربية أيضا، كامن في واجبها على التدخل السريع والاستباقي والجذري في قطاع سبق وأن أعلنت تخليها عنه جزئيا أو كليا، فالصحة العمومية والجيدة لم تعد من مشمولات الدولة الليبرالية والنيوليبرالية كما أن التعليم العمومي والمجاني لم يعد من أولوياتها.
تضعنا أزمة الكورونا ضمن إشكالية كبرى مدارها استحقاقات الدولة الراهنة حيال مواطنيها، ومكانة الصحة ضمن مشمولاتها، والأهم من كل ذلك حدود نموذج الدولة الليبرالية والنيوليبرالية في تدبير الشأن الصحيّ، وعجزه عن تقديم إجابات حقيقية حول المساواة والعدالة بين أبناء الوطن الواحد.
فأن تضطر دولة على نزع جهاز التنفس الاصطناعي لمواطن وتقديمه لمواطن ثان، يدل على أن المساواة بين المواطنين وهي اللبنة الاساسية لنموذج الدولة الليبيرالية تم ضربه في الأساس، وأن حقوق الحياة باتت حقوقا نسبية بين الأجدر والأقدر على الاستمرار في الحياة من غيره.
هكذا تُثبت الدولة المستقيلة عجزها وحدودها عن تأمين الحقوق الدنيا للمواطنين، بل هي تؤكد أنها صارت تُروج لأفكار ومقولات خارج النطاق الإنساني.
اليوم، إن كان علينا في تونس من واجب أساسي، فهو أولا مجابهة الكورونا بكافة السبل، ولكن أيضا مكافحة الأسباب العميقة التي أوصلت الشأن الطبي والصحي في تونس إلى حالة كارثية جنائزية يُخشى عليه من مواجهة الأزمات الصحية ناهيك عن الأوبئة على غرار كورونا.
في تقديري، ان الخيارات السياسية الكبرى التي اعتمدتها البلاد على مدى نحو عقدين، تبين عجزها التام عن تطوير القطاع الطبي، بل هي حولته إلى قطاع مهمش مهجور لصالح القطاع الخاص.
ما بين الدولة الراعية لكافة القطاعات الحيوية في البلاد، والدولة الليبيرالية المتوحشة، هُناك خيارات مهمة بالإمكان اعتمادها في تونس على غرار الدولة الديمقراطية الاجتماعية الكامنة في المزاوجة ما بين الخيارات الرأسمالية ولكن مع الإبقاء على الأدوار الاجتماعية الكبرى للدولة وعلى رأسها حماية القطاعات الحيوية على غرار التعليم والصحة والسكن والغذاء...
الكورونا وهي تضرب وتفتك بالآلاف، تضرب في العمق النموذج الاقتصادي التعيس للخيارات الليبيرالية، والأولى ان نستلهم من تفشي كورونا أكثر الدروس الرمزية والفكرية أهمية وعمقا، فكم من موت وهب الحياة لأمم وكم من حياة صدّرت الموت والفناء لدول وشعوب وأمم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.