لم يستطع هول الجائحة ايقاف الحروب في المواطن السخنة في منطقتنا العربية، بل ربما حرصت بعض الأطراف على تحريك خطوط الصراع لتحقيق مكاسب مستفيدة من تركيز الأنظار على الخطر الأكبر . موقفنا التونسي يجب أن تحكمه محددات أساسية انطلاقا من روابط وجدانية وتاريخية واجتماعية و مبدئية و مصلحية، و هذه هي المحددات التي كان يفترض أن تحكم موقفنا منذ الثورة،ولكن لئن أفلح الموقف الرسمي في اجتناب الاخطاء إلا أنه كان مترددا و فوت فرص التأثير من موقع الناصح و من موقع الشريك . يجب الإقرار أن أداءنا كيلة العهدة السابقة كان يمكن ان يكون أفضل ،وان دبلوماسيتنا كان يمكن ان تكون اكثر جرأة ،وكنا نتوقع تداركا بعد الانتخابات الاخيرة ،ولكن شيئا من ذلك لم يحصل .اننا نبدو كمتفرجين في حين تندلع المعركة على حدودنا ،وفي حين تتدخل دول تفصلها عن ليبيا الاف الكيلومترات . لا احد بالطبع يتحدث عن تدخل عسكري ،ولكن يجب ان نخرج من حالة الجمود و الانتظار . فالمناطق الغربية في ليبيا هي المناطق الشرقية في تونس والنسيج السكاني لا يعرف و لا يعترف بالحدود التي تضبطها كتب الجغرافيا .قد يختصم بورقيبة والهادي نويرة مع القذافي و لكن العائلات على الجانبين لا يمكن ان تختصم لان ما يربطها اعمق من كل الاتفاقات و اقوى من كل الخصومات . لقد حدد الليبيون شرعيتهم و لقد حددت الاممالمتحدة ايضا هذه الشرعية و تونس يجب ان تتعامل مع هذه الشرعية . ان الشعب الذي اشعل فتيل ثورات التحرر من الاستبداد و رسم طريقه لتحقيق أهدافها لا يمكنه الا ان يكون بجانب كل شعب يبني مستقبله بعد ظلام الاستبداد . ان ليبيا المستقرة و الموحدة و الديموقراطية هي طموح الليبيين و هي ايضا مصلحة تونسية يجب ان تهدي بوصلتنا . يرجح ان تنجلي الجائحة على عالم يعيد ترتيب علاقاته و يعود الى البديهيات من مثل التعويل على الذات و توثيق علاقات الجوار الطبيعي وهذه قد تكون لنا فرصة للتخفيف من تبعيتنا لشمال المتوسط . في العالم الجديد لن نجد الا بعضنا واشقاءنا في الغرب و الجنوب . و كما دعونا اكثر من مرة بالحذر من ان تستغرقنا لحظة ادارة الازمة و اكراهاتها عن مد النظر الى ما ابعد من الشهر و الشهرين، فاننا ندعو ايضا ان ينفسح نظرنا ليتجاوز مساحة ال 164000كلم مربع التي هي مساحة بلادنا ؟و ان أقررنا ذلك فان الغد يصنع اليوم . و في سبيل ذلك لا يجب ان تنتقل صراعات الاطراف المتدخلة الى ساحتنا الوطنية ،فكل طرف يبحث عن مصالح شعبه ،ولا يجب ان يحكمنا ،نحن ايضا ،سوى مبادئنا و مصالحنا و امننا القومي اليوم و غدا . *عبد الحميد الجلاصي: ناشط سياسي