ماذا بقي من الاستقلال؟ أي علاقة بين الأجيال المتعاقبة بعد الاستقلال؟ هل ما تزال هذه الذكرى الوطنية ذات معنى وذات تأثير لدى الجيل الحاضر؟ هي أسئلة وغيرها كثير تم طرحها من طرف المشاركين في فعاليات الندوة الفكرية التي نظمتها صباح اليوم جمعية علوم وتراث بالقلعة الكبرى بمقر بلدية المكان بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والستين لعيد الاستقلال. في مستهل حديثه عن هذه الذكرى التي أصبح الاحتفال بها يكاد يكون منعدما، أكد الدكتور توفيق بن عامر أستاذ الحضارة العربية والمحاضر ببيت الحكمة أن بناء مفهوم للوطن اقترن أساسا بالحركة الوطنية التي أفضت في النهاية الى نيل الاستقلال في 20 مارس 1956.
وأضاف رئيس هذه الندوة التي شارك فيها جمع من مثقفي الجهة وسياسييها على غرار النائب حافظ الزواري ورئيس بلدية القلعة الكبرى سالم الاوراجيني، أن مسار الحركة الوطنية مر بست مراحل مفصلية في تاريخ تونس تمتد على فترات زمنية مختلفة انطلقت مع بداية الاحتلال إلى حدود اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم خلال العشرينات والثلاثينات ثم وصولا الى منتصف الأربعينات مع نهاية الحرب العالمية الثانية، تتلوها فترة ما بعد نهاية الحرب وصولا الى مرحلة المعركة الحاسمة وهي مرحلة الخمسينات التي شهدت تتويج هذه النضالات بالحصول على الاستقلال الذاتي ثم الاستقلال التام.
وتساءل رئيس الجمعية الدولية لتجديد الفكر الإسلامي عن المكانة الحقيقية التي تبوؤها هذا الحدث المفصلي لدى التونسيين طيلة العشر سنوات التي خلت في ظل "ديمقراطية هوجاء" لا شرط فيها وديمقراطية تفتح الباب أمام الجميع بمن في ذلك أولئك الذين لا يؤمنون بالمدنية الدولة والحال أن الديمقراطية لا تنشأ ولا تترعرع الا في مناخ مدني.
تساؤل لم تكن الإجابة عنه من الصعوبة بمكان حيث أجمع عدد هام من الحاضرين على أنه بالإضافة الى تقصير الأنظمة المتعاقبة في احياء هذه التقاليد الاحتفالية المهمة فان الجيل الجديد من التونسيين في قطيعة تامة مع ماضيه الوطني.
وفي هذا السياق عبر الأستاذ لطفي الشوري عن أسفه الشديد مما يحدث في صلب المنظومات التربوية المتعاقبة التي خلقت تصحرا فكريا وثقافيا لدى الجيل الجديد وجعلت منه جيلا فاقدا لكل إحساس بالانتماء الى هذا الوطن عكس الجيل البورقيبي المتشبع بالروح الوطنية وبقيم الاستقلال التي كرسها الزعيم بورقيبة منذ أن كان على رأس الحزب الدستوري الجديد.
وفي علاقة بالدستوريين تساءل الشاعر محمد علي بن عامر عن سبب هجرة الدستوريين ممن شارك في بناء الدولة الوطنية للشأن العام وللساحة السياسية في السنوات الأخيرة.
تساؤل حوّل هذا القاء الذي أراد منظموه أن يكون منبر حوار "علاقة الأجيال بالإرث الوطني وعيد الاستقلال" الى شبه محاكمة للدستوريين. حيث كشف الوالي السابق محمد بن سعد والذي شغل مناصب قيادية في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، أن العديد من المحسوبين على الدستوريين ومنهم من كان في الصف الأول هم في الأصل أبناء الاتجاه الإسلامي الذين التحقوا بالحزب بطلب من زعيمهم راشد الغنوشي قصد الاندساس في هياكله.
وأضاف القيادي الدستوري الى أنه وبعد الثورة عاد هؤلاء ليلتحقوا بصفوف حزبهم من جديد. كما دعا بن سعد القوى المدنية والسياسية الحداثية الى التفكير في تكوين أجيال جديدة وتربيتهم على منظومة قيمية وطنية حداثية من أجل توحيد صفوف التونسيين، خصوصا في ظل هذا الانقسام الذي يعيشه التونسيين بفعل ترهّل المشهد السياسي في ظل حكم الذين وصفهم بن سعد "بالوافدين على الوطن والمكلفين بمهمة اسقاط الدولة المدنية والحداثية والنظام الجمهوري والذين يتصرفون فيها وفق رؤى وتصورات لا علاقة له بواقع المجتمع وبتطلعات أبنائه".
من جانبه طالب عادل شواري ابن القلعة الكبرى ومدير عام السجل الوطني للمؤسسات بالتوقف عن جلد الذات معتبرا أن فقدان هذا الجيل لروح الانتماء والرغبة الملحة في قطع صلته بهذا الوطن ومغادرته في أقرب وقت ممكن هي النتيجة الطبيعية والحتمية لنموذج التنشئة الاجتماعية "العشوائية" التي يتلقاها هذا الجيل. وانتقد شواري المد الشعبوي السياسي الذي أدى حتى الى انتقاء الانتماء السياسي معتبرا أن الجميع بصدد مراكمة أخطاء الماضي دون الاستعداد للاعتراف بها مما ساهم في تفاقمها.
وأشار المتدخل الى أن ما بلغناه اليوم من قطيعة بين هذا الجيل وماضيه الوطني النضالي هو بفعل الفوضى الخلاقة التي وجدت صداها من خلال تراكم المعلومات وسهولة بلوغها الى المتلقي مما يدعوا الى إعادة التفكير في العديد من المفاهيم والممارسات في علاقة الحرية وبممارسة العمل الحزبي مثلا. ودعا شواري الى إعادة تثمين قيمتي العمل والمواطنة حتى نعيد لهذا الوطن مكانته التي يستحق.