عزيزي القارئ، إذا اطلعت على مقال أو استمعت إلى خبر بلغك من من احدى وسائل الاعلام المحلية وكان مطلعه مثلا: "علمنا من مصدر مطلع"، فيجب عليك أن تحتاط ألف مرة من فحوى المعلومات التي ستبلغك حينها؛ فهي معطيات مفخخة. لماذا؟ لكل مواكب ومهتم بما تنشره عدد من وسائل الاعلام التونسية يلحظ تلك النزعة الخطيرة التي انساقت إليها بخصوص المادة الاعلامية التي تسوقها. إنها مقالات اخبارية وتحقيقات يمهر الصحفيون بتوقيعها، تحتوي على أنباء أو معلومات يقول كتّابها أنها تتصف بالسرية أو بالفرادة أو هي غير معلومة لدى العموم. وتجد في معظم تلك المقالات كما هائلا من الأخبار التي يرى الصحفي الذي دوّنها أنها تستحق النشر لكي يطّلع عليها الرأي العام. وبمجرد التمعّن قليلا بدقة في تلك النصوص، تتوقف على الحجم الضخم من الأحداث وأسماء الشخصيات التي استطاع ذلك الصحفي التوصل لمعرفتها، دون بذل مجهود يذكر للتقصي حولها أو للتثبت فيها، إذ أن تلك المعلومات الواردة في معظم تلك المقالات ليست في حقيقة الأمر سوى عملية سرد انشائي لمعطيات همس بها "مصدر مطلع" في أذن كاتب المقال "المجهول". وحول "المصادر المطلعة" تلك، كتبت الصحفية الأمريكية المخصتة في التحقيقات Lucinda S.Flesson "إن المصادر الخفية يجب تفاديها، والالتجاء إليها بشكل دائم يمكن أن يؤثر سلبا على مصداقية الصحيفة لأنه سيدفع القراء في آخر المطاف إلى التشكيك في وجود تلك المصادر أصلا". وتضيف "بهدف مزيد من الدقة، ترفض عدد من الصحف نشر معلومات من شأنها أن تثير جدلا إذا لم تكن تلك المعلومات مؤكدة من جانب مصدريْن آخريْن مستقلين على الأقل. وهي الطريقة الوحيدة للسماح بنشر مقالات في صورة طلب المصدر الأول عدم ذكر اسمه". ورغم ذلك، نجد أن معظم الصحفيين التونسيين يستسهلون مثل هذه الأعمال، ولا يجدون أي حرج في نشر مقالات برمتها يكون المصدر الوحيد للمعلومات فيها شخصا مجهول الهوية. وبحكم التجربة البسيطة في العمل الصحفي يمكن تصنيف تلك المصادر كالآتي: هم موظفون وقع عزلهم من مكان عملهم، أو نُزعت عنهم الامتيازات التي كانوا يحظون بها ويريدون تصفية حسابهم مع الذي كان سببا في ذلك. هم في أحيان أخرى شخصيات رسمية أو شبه رسمية تبحث عن اثارة الأزمات أو صرف نظر الرأي العام عن موضوع قد يكون شغلهم الشاغل حينها. هم في وضعيات أخرى أناس يريدون جرّ الناس للحديث عن انجازاتهم أو مكاسبهم دون السقوط في فخ البروبغاندا المباشرة. وهم أيضا ناس طيبون يفرض عليهم موقعهم الحساس الحفاظ على سرية هويتهم. وفي جميع تلك الحالات، تغري المعلومات التي تكون عادة غير متداولة بكثافة الصحفي الذي يسرع بالاعلام عنها، بينما يستوجب عليه دوره بذل طاقة كبرى من أجل التحري فيها والاشتغال عليها، من أجل تحقيق هدفين أساسيين؛ أولهما هو حتى لا يكون مجرد أداة أو وسيلة يوظفها مسدي تلك المعلومة في خدمة أهدافه الذاتية التي قد لا تتناسب مع المهمة السامية للعمل الاعلامي بشكل عام. وثانيهما هو لكي لا يجد ذلك الصحفي أنه سقط في فخ أو ارتكب حماقة فظيعة في صورة التأكد لاحقا من عدم صحة تلك المعلومات. وأتذكر هنا على سبيل المثال أن صحيفة أسبوعية تونسية تحدثت منذ عدة أشهر عن خبر مستقى من ذات "المصدر المطلع" تحدث فيه عن القاء القبض على زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" المكنى أبو عياض، ثم كتبت ذات تلك الصحيفة مؤخرا في عدد آخر أن نفس الشخص ، الذي من المفروض أنه مقبوض عليه، بصدد الاعداد لإدماج منظمته في صلب تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) بغاية القيام بعمليات في تونس، وطبعا هذه المعلومات وفّرها نفس "المصدر المطلع"! لقد اعتاد عدد من الصحفيين على عدم الاجتهاد أثناء انجاز مهامهم. فيكفي أن يشرب صحفي قهوة مع هذا، أو يصادق -بطريقة أو بأخرى- ذاك حتى تُفتح أمامه حنفية معلومات، لا يسعى الصحفي للتثبت في درجة مصداقيتها. وهكذا سقطت عدة وسائل اعلام في دوامة نشر "السكوبات" التي تزعم انها تُمكن القارئ التونسي من التعرف على أخبار مخفية، ولكن في جل الحالات ليست سوى معطيات قد لا تكون سليمة مائة بالمائة. إن الصحفي ليس كاتبا عموميا عند أي شخص ينقل بشكل أعمى ما يصل إليه، بل هو ناقل أخبار للرأي العام. دوره الأساس هو التحري والتثبت حتى تكون مادته الاعلامية مفيدة للناس، وقادرة على احداث تغيير ايجابي في حياتهم. وما نجده اليوم من طوفان لمقالات "المصادر المطلعة" لا يؤدي، أبدا، إلى انجاز تلك الغاية.