بعد سنوات من الهدنة عادت الحرب من جديد في العراق وعاد شبح الحرب الطائفية ليلقي بظلاله على المشهد المتفجر في هذا البلد الذي تمزقه الصراعات منذ سنين طوال. مشاهد صارت مالوفة للعراقيين ولكن ايضا لمن يهتمون بشؤون الشرق الاوسط. حرب فنزوح مكثف ومخيمات لاجئين ثم استهداف للطوائف الاقل تمثيلية في المجتمع العراقي كالمسيحيين والايزيديين والتركمان. ولان مصائب قوم عند قوم فوائد فهناك مشهد آخر يتكرر وهو هجوم قوافل الصحفيين الاجانب الذين تمتلئ بهم الفنادق و" لوبيات" الاوتيلات. حيث ترى في كل طاولة تقريبا في "الريسبشان" مجموعة من الصحفيين الاروبييين و معهم صحفي او سائق او مترجم عراقي او الكل معا. قدوم الصحفيين الاجانب يفتح باب الرزق امام العراقيين حيث تتراوح اجرة اليوم الواحد" للفيكسر" (الصحفي المحلي الذي يسهل عملهم داخل العراق) ما بين 300 و 350 دولار. وهو اجر قليل مقابل ما يتكبدونه من مشاق لان كل العمل الصحفي الى جانب الترجمة ملقى على عاتقهم. فالصحفي الاجنبي يعتمد كليا على علاقاتهم و معارفهم و على ما يزودونه به من معلومات. وهؤلاء الذين نراهم يملؤون شاشات التلفزيون ويتشدقون بانهم مراسلو حرب و انهم موجودون على الار ض للحصول على المعلومة، لا يفعلون سوى استغلال ما يعطيه لهم الصحفيبون المحلييون من مادة و معظمهم لا يغادرون الفندق و يقومون بمقابلاتهم عبر الهاتف. هناك ايضا من يصلون للبلد بدون اي معلومات عن الوضع و ينتظرون ان يمدهم الصحفي المحلي لا فقط بالمعلومات و انما ايضا بافكار للمواضيع التي بجب ان يكتبوا حولها. اتذكر صحفيا امريكيا يعمل في احد التلفزيونات جاء الى اربيل للقيام بتغطية للاحداث فيالعراق. تركنا ننتظر ساعة مع مساعدته قبل ان ياتي على اساس انه كان عنده شغل كثير. و لكن اكتشفنا فيما بعد انه كان يتناول العشاء. اخبرنا بما يريد القيام به و الاماكن التي يريد زيارتها، علما و ان وقته ضيق و ان عمل التلفزيون يتطلب جهدا كبيرا و كل هذا بغرور و اعتداد كبير بالنفس. و عندما سالناه عن القصة التي يريد ان يشتغل عليها قال انه لا يعرف. طلبنا منه ايضا ان يعطينا لمحة عن برنامج اليوم الموالي فقال انه ليس لديه فكرة واضحة و انه سيتحرك حسب الاحداث. فهمنا من كلامه انه ليس صحفيا مهنيا و لا جديا في شغله و انما كل ما يريده هو التفاخر بنفسه و التشدق بقدرته الصحفية التي لا يملكها. في الاخير بدا مصرا كل الاصرار على ان يذهب الى كركوك و قد كانت المعارك طاحنة آنذاك بين قوات البشمركة و الإرهابيين حتى يسجل تقريره الاخباري من هناك و يتفاخر امام الجميع في بلده بانه ذهب الى تلك المنطقة الخطرة و صور فيها. صحفية اخرى التقيناها، امريكية هي ايضا، سألتها ذات مرة ان كانت لديها معلومات حول تطور الاوضاع في منطقة بيجي التي يسيطر عليها المسلحون فاجابتني انها تنتظر ان ياتي "الفيكسر" حتى يجري اتصالاته و ينقل لها آخر الاخبار لتستطيع بعد ذلك ان تعد تقريرها الصحفي و ترسله للبث في الاذاعة باسمها طبعا و كأنها هي التي تنقلت على عين المكان و حاورت الناس و اتصلت بالمصادر. هي وغيرها من الصحفيين الاجانب لا يجدون حرجا في الاتصال "بالفيكسر" في اي وقت و اي مكان لاخذ المعلومات دون مراعاة لاي اعتبارات. ثم يجرؤون بعد ذلك على النقاش معه لتحديد اجره و تخفيضه بالقدر الممكن حتى يرضوا رؤسائهم في العمل. و الادهى من كل هذا انهم لا ينفكون يتشدقون امامك بالقصص الصحفية التي قاموا بها و الاحداث الخطيرة التي غطوها و الكتب التي كتبوها عن العراق و عن الشرق الأوسط و كأن المنطقة منطقتهم يعرفون عنها ادق التفاصيل.