في الوقت الذي كان فيه العالم بشرقه وغربه يهنئ التونسيين جميعا بنجاح تجربتهم الديمقراطية بعد أن أفلحوا في تنظيم انتخابات نزيهة خالية من العنف رغم الإرهاب المتوثب والمتمترس في الجبال وبعض المدن،انكفأ رئيس الجهورية المؤقت السيد "المنصف المرزوقي" إلى صمته واختفى بعد ظهور خافت في مركز اقتراع لم يكن مرحّبا به فيه.لم يظهر المؤتمن على مؤسسات الجمهورية ليهنئ شعبه بنجاح التجربة وميلاد الجمهورية الثانية الحقيقية لا المزيّفة. و لم يعمد ،وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة،إلى تثمين جهود الجيش الوطني الذي قدّم شهداء أبطال من أجل الوصول بسلام إلى هذا الاستحقاق الانتخابي.إذ ما كان لهذه الانتخابات التونسية أن تنجح لو لم تتضافر جهود الأمنيين وقوات الجيش الوطني لحماية مراكز الاقتراع،ولتأمين إجراء العملية الانتخابية في كنف الهدوء والأمن.وقد شهدت بذلك الأحزاب والهيئة العليا المستقلّة للانتخابات. ويبدو أن السيّد "المنصف المرزوقي" الرئيس الشرفي لحزب "المؤتمر من أجل الجمهوريّة" الذي اختار "النظارة" شعارا لحزبه، يرى دائما ما لا يراه غيره ،ويتصرّف وفق تصوّر حزبي ضيّق صغّره ،وجعله بعيدا عن صورة الرئيس الجامع والمؤلّف بين الفرقاء.لقد نسي السيد الرئيس المؤقت أنّه رئيس للجمهورية. وانخرط منذ إعلان النتائج في لعبة المحافظة على الكرسيّ عبر المناورة،ومحاولة جمع المرشحين للرئاسة كي يختاروا من بينهم من يمكن أن ينافس رئيس حزب نداء تونس"الباجي قائد السبسي".السيد المنصف المرزوقي استشعر خطر تخلّي حزب حركة النهضة عنه. وهو ينظر بريْبة إلى أي تقارب بين الحزبين القويين في تونس إذ في حال اتفاقهما سيكون بالضرورة خارج اللعبة مهما استأسدت حركة النهضة في الدفاع عنه.على أنّ حركة النهضة أتت من المواقف والأفعال في الفترة الأخيرة، ما يفيد أنّها لا تدافع بجدية عن بقاء "المنصف المرزوقي" في الرئاسة. وفي المقابل ،بدا واضحا للعيان أنْ لا همّ لحزب "نداء تونس"الفائز في الانتخابات الأخيرة، إلا القضاء على بقايا منظومة 23أكتوبر2011 التي نصّبت -وفق توافقات ظرفيّة- "مصطفى بن جعفر" رئيسا للبرلمان و"محمد المنصف المرزوقي" رئيسا للجمهورية رغم أن عدد الأصوات التي حصل عليها أقل بكثير من تلك التي حصل عليها نواب من حركة النهضة. وكم حاول السيد الرئيس المؤقت ،في عملية تجنّ على الحقيقة مكشوفة، أن بسوّق للعالم أنّه أوّل رئيس تونسي منتخب !! والحال أنّ النهضة هي من أرادت أن يكون "المرزوقي" رئيسا فكان وأرادت أن يجلس "بن جعفر" على كرسي رئاسة البرلمان حرصا على تسويق التوافق والتعايش لكن الجميع كان يعلم أن الرئيسين كان مكبليْن بهيمنة حركة النهضة على المجلس التأسيسي جامع السلط. مرّة أخرى يفشل السيد الرئيس المؤقت في أن يكون رئيسا لكلّ التونسيين ويأبى-عنادا- أن يختم فترته الرئاسيّة بما يمكن أن يصنفه في مرتبة رجل الدولة الذي يخلع العباءة الحزبيّة ليغلّب مصلحة البلاد العليا حتى وإن فشل حزبه في تجاوز نسبة (صفر فاصل) التي كثيرا ما استعملها بعض أعضاء حزبه للسخرية من خصومهم عندما أكرمت انتخابات2011 حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة.