رغم أنّ ثلاثة ليس لها وجود - الغول والعنقاء والخلّ الودود - إلاّ أنّ بعضا ممّن سقط في امتحان البرلمان ما فتئ يصغي إلى عزيف الجنان ويحذّرنا من تغوّل الغيلان. وكان من الغريب أنّ أغلب من يحذّر من «الغول» الفائز في الانتخابات التشريعيّة هو ممّن كان ينكر وجود الغيلان بالقدر نفسه الذي ينكر وجود العنقاء والخلّ الودود. والعجيب أنّ أغلب هذه «النبوءات» تأتي ممّن كان ينفي - في العلن - تغوّل حركة النهضة بالسلطة حين كان يقاسمها الفُتات في ائتلاف مجازيّ يسمّونه "ترويكا". لم يكن من المسموح به التنبيه إلى أنّ حركة النهضة انتهجت في فترة الزهو ب «الشرعيّة» و«التمكين» سياسة هيمنة مطلقة على خصومها في المعارضة الديمقراطيّة بل وعلى حلفائها داخل الترويكا. ب 41 في المائة من مقاعد المجلس التأسيسيّ وسيطرة شبه مطلقة على اللّجان وتحكّم في دواليب المجلس لم يكن هناك تغوّل. بتصعيد رئيس للجمهوريّة محدود الصلاحيّات وفق محاصصة حزبيّة لم يكن هناك تغوّل. ب 89 نائبا مزيدا إليهم توابع وزوابعُ تمّ - على القياس - تسطير قانون منظّم للسلط العموميّة لم يكن، حينها، تغوّل. ببسط اليد والالتفاف على الأجهزة الإداريّة العليا من الوزارات الحكوميّة إلى الولايات إلى المعتمديات إلى النيابات الخصوصيّة إلى العُمد لم يكن هناك تغوّل. بإغراق المؤسّسات والإدارات بآلاف الانتدابات حسب الولاءات والانتماءات من أعضاء الدواوين إلى حرّاس الغابات لم يكن هناك تغوّل. الغريب والعجيب أنّ أصوات التحذير من التغوّل لا تأتي من حركة النهضة بقدر ما تأتي من شريكيْها السابقيْن حزب التكتّل وحزب المؤتمر وقد كانا في عيون الكثيرين واجهة للتغطية على تغوّل حركة النهضة وتبييض هيمنتها على الحكم. ولعلّ قرار مجلس شورى الحركة أخيرا بتحرير إرادة القواعد النهضويّة وعدم إلزامهم التصويتَ لمرشّح مخصوص كما حلم السيّدان مصطفى بن جعفر ومحمّد المنصف المرزوقي يعني ضمنيّا أنّ الحركة لا تخشى تغوّلا محقّقا من حركة نداء تونس وإلاّ لكانت سارعت، بكلّ قواها، إلى مساندة من تراه كفيلا بردّ هذا الخطر المحدق. لم يكن هناك تغوّل، من قبل، مع أنّ الفارق بين الحزب الفائز في انتخابات المجلس التأسيسي يوم 23 - 11 - 2011 والحزب الذي يليه كان نحو 60 مقعدا. والآن، صار يتهدّدنا التغوّل رغم أنّ نحو 17 مقعدا فقط هو ما يفصل الحزب الأوّل عن الثاني، ورغم أنّ البلاد صار لها دستور وقوانين ومؤسّسات توزّع السلطات وتحمي التوازنات وتضمن الموازين والصلاحيات. عن الجاحظ هذا الخبر.. «وكان أبو إسحاق يقول في الذي تذكر الأعراب من عزيف الجنان، وتغوّل الغيلان: ... إذا استوحش الإنسان تمثّل له الشّيء الصغير في صورة الكبير، وارتاب، وتفرّق ذهنه، وانتفضت أخلاطه، فرأى ما لا يرى، وسمع ما لا يسمع، وتوهّم على الشيء اليسير الحقير أنّه عظيم جليل (..) فعند ذلك يقول: رأيت الغيلان! وكلّمت السّعلاة !» وفي خُطب الحملات الانتخابيّة عن عزيف الجنان وتغوّل الغيلان ما قد يغنيك عن حديث أبي إسحاق ! المصدر: (الشروق 11/11/2014 )