ما أن أَوْعَزَتْ الدّوائرُ الصهيوأمريكيّة إلى أتباعِها في المنطقةِ مِن سلاجِقَةِ تركيا وأعْرابِ الخليجِ بأنْ يُمَوِّلوا ويُسَلِّحوا إفرازاتِ الجماعاتِ الإسلاميّة المتطرّفة كتنظيم "القاعدة" وفرْعِه السوري "جبهة النصرة" وكتنظيمِ "داعش" وأذْرُعِهِ في المنطقة مَشْرِقاً وَمَغْرباً وغير ذلك من الجماعاتِ الإخوانية الوهابيّة الإرهابيّة، ويُطلِقَوهُم كي يستبيحوا مُدُناً وقُرىً عِراقيّة وسوريّة وليبيّة ليسَ فقط سَلْباً ونَهْباً ًوتعذيباً وتَعْزيراً وحرابة وجَلْدَاً وتشريداً، بل كذلك تكفيراً وخَطْفاً وَسَبْياً وتقتيلاً بالرصاصِ والرَّجْمِ والذَّبْحِ والسَّحْلِ والصَّلْبِ، وتَدْمِيراً لِمَقاماتِ وأضرحَةِ ونُصُبِ الأنبياء والأولياء والصحابة والعلماء والشُّعَراء وللَّوحاتِ والمنحوتات الفنّية وللكنائسِ والآثار والشواهدِ والأوابدِ الحضاريّة، ولم يتحرّكْ ساكِنٌ عندَ حكوماتِ العربان وجامعة دُوَلهِم الدائلة، على الرغم مِن أنّ هذه القطعان الإرهابيّة المسعورة السنية الوهابيّة / التكفيريّة المتوحّشة تدفَّقَتْ مِن الحدودِ التركيّة خاصّةً إلى العراقوسوريا قادِمَةً مِن كُلِّ بقاعِ الأرض... إذن ما أن أوعزتْ تلك الدوائر الصهيوأمريكية المركزية إلى أدواتها الإرهابية، حتى نَفَّذَ أتباعُها في المنطقة والعالم إملاءا ت أسيادِهم بتَفَهُّمٍ وصَمْت، إلا أنّهُ ما أنْ تَمَكَّنَ اليمنيون "الحوثيّون" المتَّهَمُون بعلاقاتٍ تربطهم بطهران مِن السيطرة على الأرض ومقاليد السلطة في بلادهم بَعْدَ صِراعٍ داخلي بينهم وبين أطراف يمنية ذات ارتباطات وثيقة مع الخارج السعودي والأمريكي، حتى تألّبَتْْ حُكُوماتِ العرْبان في تكالُبٍ مَسْعُور تَملأ أجواءَ المنطِقة عُواءً ونُباحاً، زاعِمَةً أنَّ انتصار اليمنيين الحوثيين في الصراعِ الداخلي اليمني يُشكِّلُ خَطَراً إيرانياً (؟!) يهدِّد المنطقة بينما التحالف والتنسيق المُعْلَن بين إرهابيي "جبهة النصرة" و"الجيش الحر" وبين العدوّ الصهيونيّ الذي يحتل الأراضي العربية بما في ذلك أولى القبلتين وثالث الحرمين وجُزُراً "سعودية" لايُمَثِّل أيّ تهديد على "العروبة" و"الأمن القومي العربي" أكبر أكذوبتين دَفَعَتْ شُعُوب المنطقة أثماناً باهِظة لتَوَهُّمِها أنّهما حقيقتان يُمكِن المُراهَنَة على وُجُودِهما المَزعوم!. وفي مَسْعىً أحْمَقَ لذرّ رمال الربع الخالي في عيون الوعي العربي الجَّمْعي القطيعيّ الأعشى أصْلاً، وبضغْطٍ أمريكيّ صهيونيّ (ألم يُصَرِّحْ نتنياهو حادياً إِبِلَ شرمَ الشيخ: إنّ سيطرة اليمنيين الحوثيين على دفة الحكم في صنعاء عدوانٌ إيراني؟ ويجب أن تُعاقَبُ عليه طهران في لوزان؟!) وبوعْدٍ ووَعِيدٍ بترودولاريٍّ خليجيّ (فالمملوك سلمان بن عبد العزيز الذي وَعَدَ رعاياه في المملكة بال"إستخراء" بماذا يُمكِن أن يكونَ قد وَعَدَ بقيّة شعوب المنطقة؟) تَتعالى الصَّيْحاتُ في قمَّةِ شَرَمِ الشيخ الأعرابيّةِ إلى تشكيلِ "جيشٍ عربيّ " يرفَعُ رايات "مُواجَهَة داعش" غِطاءً شَفُوفاً وَسُلُوكَ نَعامَةٍ لإخفاء الوظيفة الحقيقيّة لِهذا "الجيش" العتيد: التدخُّل في الشأن اليَمَنيّ ضدَّ حركة "الحوثيين" بذريعة أنهم اعتدوا على "الشرعيّة"، وكأن "عبد ربه منصور هادي" أكثر "شرعيّة " مِن الرئيسين الشهيدين ياسر عرفات وصدام حسين اللذين اغتالتهما أيدي الإحتلالين الغاشمين الإسرائيلي والأمريكي أو مِن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي أوالرئيس المصري محمد حسني مبارك اللذين أودت مؤامرةُ الربيع العربي بأولهما إلى المنفى السعودي "الاستخرائي" عينه إيّاه، وبثانيهما إلى السجن فسرير المَرَض، أو كأنّ "عبد ربه" هذا أكثر شرعية مِمَّن كان عميدَ "القادة" العرب، معمّر القذافي، شهيد العدوان الأطلسي والزحف التكفيري، ناهيكَ عن شرعيّة الرئيس السوري بشار الأسد الذي مافتئ الصهاينة ومَن يدورون في فلَكِهِم مِن أمريكيين وأوربيين وأتراك وأعرابٍ يشنّون على شعبهِ ودولته وجيشه وشرعيّته عدواناً وحشياً شرساً لم يشهد له التاريخ مثيلاً منذ أربع سنوات ونيّف، بينما كانت "الجامعة العربية" شريكا في العدوان على "الشرعية" في جميع الحالات التي ذكرناها آنفاً، فكيف "انْتَخَتْ " لنصرة "عبدربه" هذا ولشرعيّته المزعومة؟. لاشكّ عندي في أنّ وراء الأكمة هَدَفاً كان تصريح نتنياهو الذي أشرنا إليه أعلاه بليغاً في الإفصاح عنه، وهذا الهدَف هو: تحويل الأنظار عن خَطَرِ العدوّ الإسرائيليّ الذي يحتلّ الأراضي العربيّة ويُجرِّد الشعبَ الفلسطينيّ مِن حقوقِهِ المَشروعة منذ سبعةِ عُقُودٍ ونَيّف، إلى خَطَرٍ إيرانيٍّ مَزعوم دون أن نَغْفَلَ حقيقةَ أنّ تصريحات مسؤولين إيرانيين أقرب إلى خطّ خاتمي "الإصلاحي بالمعنى الغربي" قد غذّتْ توهُّمَ الخطر الإيراني وأمَّنَت لُباناً - ولكن رائحته كريهة - يعلكه مَن له مَصْلَحَة في نَزْعِ صِفَة العدوّ عن الكيانِ الصهيوني وإلصاق هذه الصّفة بإيران في الزمنِ "الدّاعِشِيّ" كما أُلْصِقَتْ بالاتحاد السوفياتي في الزمَنِ "القاعِدي" وهما زمنان وهابيان أعرابيان سعوديان بامتياز، ومِن "اللُّبانِ" الذي يُعلَكُ لِشَيْطَنةِ طَهران وتصويرها أكثر خطراً على المنطقة مِن "إسرائيل" تصريحات رفسنجاني غير الوديّة تجاه الدولة السورية أوتصريحات مستشار روحاني بشأنِ إمبراطورية إيرانية عاصمتها بغداد!. بَل إنّنا نذهبُ إلى أبْعَد مِن ذلكَ في تَطَيُّرِنا، غير مُستبعِدِين أن يكونَ الهَدَف الرئيس لتشكيلِ هذا "الجيش الأعرابي" إنجاز ما لم يستطِعْ تنظيما "القاعدة" و"داعش" وغيرهما مِن التنظيمات التكفيريّة إنجازه: إسْقاط الدولة السوريّة والمقاومة اللبنانيّة (حزب الله)، وتأكيد تقسيم العراق ومُحاصَرَة إيران وإضعافها. فَمِن أجْلِ الوصُولِ إلى الهدف الأوّل في سوريا ولبنان تقوم الولاياتُالمتحدة وأتباعُها في الغرب والمنطقة، كما أعلنت واشنطن نفسها، بتجهيز خمسة عشر ألف مقاتل تمويلاً وتسليحاً خلال ثلاث سنوات تحت عنوان "المعارضة السورية المعتدلة!"، وذلك يعني أنّه خلال هذه السنوات الثلاث لا يُوجَدُ أيُّ قرار أو إرادة سياسية حقيقيّة عند واشنطن وأتباعها أوعند "التحالُف" الذي شكّلوه مِن أجْلِ شَنِّ حَرْبٍ على تنظيم "داعش" كما يزعمون، لاتُوجَدُ إرادة أو قرار حقيقيان للتخلُّصِ نهائيّاً مِن داعش، فهذا "التحالف" يرمي إلى استخدام "داعش" حصان طروادة يُحقق مِن خلالِهِ أهدافاً آخرها القضاء على "داعش" والخطر الذي يشكله على شعوب ودُوَلِ المنطقة. وَلَو كانت واشنطن عازِمَةً حَقَّاً على دَحْرِ تنظيم "داعش" والقضاء عليه في العِراق لَمَا أقْدَمَ مجلسُ الشيوخ الأمريكي سنة 2014 على إلغاء اتفاقٍ تجاريٍّ مع العِراق كانَ على واشنطن بموجبهِ أن تُزَوِّدَ العِراقَ طائرات "أباتشي" المروحيّة وطائرات إف16المُقاتِلة. بينما بالمُقابل تقوم شركاتُ صناعةِ أسلحة أمريكيّة (هِي في الظاهر خاصّة لكنّها في حقيقةِ الأمْر تحْت سيطرة السي .آي.إيه) تُقدِّمُ دَعْماً غير رسميّ لوجستيَّاً عسكريَّاً يشمل تزويد تنظيم "داعش" بالمَزيدِ مِن الأسلحة. وفي الوقت نفسه قررت واشنطن رَفْع الحظر عن تزويد الجيش المصري بالمساعدات والأسلحة الأمريكية كطائرات إف16، هذا الحظر الذي كان فُرِضَ احتجاجا على إزاحة الإخواني محمد مرسي، ورَفْع الحظر يهدفُ بلا شكٍّ إلى تشجيع القاهرة على توريط الجيش المصري في الحرب التي يقودها الكيانُ السعوديّ حالياً في اليمن وتحجيم دور نظام عبد الفتاح السيسي الإقليمي الذي تفتح علاقاته المتطورة مع موسكو آفاقا له تتطيّر منها تل أبيب وواشنطن وأنقرة والدوحة والرياض وغيرها مِن عَواصِمِ مِحْوَر الشرّ الصهيوأمريكي. إنَّ الجيشين السوري والعراقي قادِران على التصدّي لِتَنْظيمِ "داعش" وإلحاقِ الهزيمةِ النّكراء به خِلال ثلاثة أو أربعة أشهُر لَوْ تَلَقَّيا مُساندَةً حقيقيّة مِن السلاحِ الجويّ الأمريكيّ والعربيّ الذي تَمَّ وَضْعُهُ تحتَ أُمْرَةِ "التحالُفِ الدّوليّ" المَزْعُوم ضدَّ "داعِش"، إلا أنّ "الغَربَ المسيحي" الذي اختارَ أن يبقى "مُتَفَرِّجاً " إزاء طَرْد المسيحيين العِراقِيّين مِن المُوصِل وتشريدِهِم وسَبْيِ نِسائهِم مُكْتَفِياً باستِعدادِ بَعْض هذا الغرْب (فرنسا) بإعلانِ الاستِعداد لاستِقبال مسيحييّ العراق وتوطينِهِم في فرنسا، وهذا يعني أولا أنّ الغربَ ليس منحازا عقائديا أو إنسانيا إلى المذهب السني الوهابي الذي يعتنقه حلفاؤه وأدواته من الأنظمة والتنظيمات، كما يعني أن خلفية الصراع ليست طائفية بحتة دائما، وكما قال الكاتب والمهندس المدني السوري "أيهم محمود" بصفحته على الفاسبوك: "اليمن مجتمع زراعي مستقرّ وقديم... ليس غريبا أن يُهاجِمَهُ بَدْوُ الصحراء"، وهو يعني كذلك التِزام التحالُف الصهيو أمريكي -التركي- الأعرابي بتنفيذ مشروع إقامة "الشرق الأوسط الكبير" الذي لا تتضمَّن خرائطه التقسيميّة الجديدة إقامة دولة مسيحيّة في العِراق مثلا، هذا المشروع الذي تُشكِّل فيه بقايا تنظيم "القاعدة" كجبهةِ النصرة وتنظيم داعش والتنظيمات التكفيريّة الأخرى مُجَرَّد أدوات وظيفتُها إشاعة "الفوضى الخلاقة" التي مِن رحمِها السامّ يأمَلونَ أن يُولَدَ ذلك "الشرق الأوسط الكبير" الذي يُراد مِن خِلالِهِ تصفية القضيّة الفلسطينية وإقامة دولة إسرائيل اليهوديّة الكبرى حلم الصهيونيّة العالميّة القديم والمستمرّ.