اعتبر الدكتور والباحث في الأنثروبولوجيا يوسف الصديق ان انضمام الشباب التونسي إلى صفوف داعش هو نتيجة لوهم ولنظام مبيناً ان الوهم يتمثل في الاعتقاد ان الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة حلّ جميع مشاكل الحداثة، وموضحاً ان بورقيبة زعيم ومصلح كبير ولكنه فشل في إصلاح المنظومة المرتبطة بالإسلام. وقال الصديق، في حوار مع حقائق أون لاين اليوم الثلاثاء على هامش حلقة نقاش بعنوان "الخلافة الجديدة: عودة المكبوت"، نظمها المعهد الفرنسي بتونس، ان بورقيبة كان يرسل وزراء للحديث عن الهندام الرث والأسماء الركيكة لكنه لم يرسل أحداً للحديث عن تعدد الزوجات الذي حرّمه قانونياً أو الحجاب الذي أزاله على الطريق. وأضاف انه بعد ما ذهب بورقيبة وجاءت الدكتاتورية كان من السهل جداً ان ترجع المرأة للقمع الذي كان مسلطاً عليها وتقبل الحجاب وتوافق ان يأتي زوجها بامرأة أخرى قائلاً ان هذا ما تعيشه تونس حالياً وهو ما يدل على أن الإصلاح كان جذرياً، علاوة عن ان التعليم انهار تماماً في فترة بن علي. وأبرز انه لم يعد هناك طريقة لنقل القيم سواء من أب لابنه أو من أستاذ لتلميذه مشيراً إلى انه نتيجة لذلك أصبح اليأس الحل الوحيد لشاب عاطل عن العمل، ما يجعله يتوجه، بسبب الظلم والقمع، إلى القيام بعملية انتحارية قد يكون الهدف منها رمزياً فقط، كما هو الحال لمحمد البوعزيزي، أو يهدف إلى ان يقتل معه 15 أو 20 شخصاً يعتبرهم كفرة بسبب جهله. وأكد الصديق ان من الشخص الذي يعتقد ان من يرتدي لباساً أوروبياً كافراً ينمّ عن جهله لأن هناك أناس تقيين ومصلون أكثر من جده نفسه وهم من روسيا مثلاً مضيفاً أنه لو كان يدرك ذلك من خلال التعليم لكان قام بالتمييز ولما قتل أناساً على أساس لباسهم غير الأفغاني وعدم انتمائهم لداعش وابتاعهم الايديولوجيا الخاصة به. وأوضح انه يمكن تلخيص توجه الشباب إلى التطرف وداعش بثلاثة أمور، أولاً بورقيبة لم يذهب إلى العمق في إصلاحه، ثانياً ديكتاتورية ربع قرن وثالثاً انهيار التعليم في فترة كلّ من بن علي وبورقيبة باعتبار أن هذا الأخير تقدم به السن منذ بداية الثمانينات فانهار التعليم تماماً ولم يعد له أي معنى ولم يعد هناك كذلك نقل للمعلومة بطريقة "سقراطية لذيذة"، حسب تعبيره. وبيّن محدثنا انه لم يقع الانتباه للحياة اليومية لتاريخ الإسلام إلى درجة وصلت بنا حدّ دخول 4 جمال في "بلاتو" تلفزي وأناس تبكي وتصرخ و"تزغرد" فرحاً لما قيل انها شعرة الرسول في حين ان صاحب القناة التلفزية المذكورة حظي بإشهار واسع وتحصل على أموال كثيرة معتبراً ان هذا الأمر هو الجهل الأكبر. وأردف بالقول انه من جهة أخرى، "لم نقرأ القرآن بعد"، مضيفاً " كيف يمكن قراءة نص لا تنقيط فيه، لا تعرف فيه أين نقطة الاستفهام ونقطة التعجب ونقاط التتابع، ومتى يقول نعم ومتى يقول لا، وهل هناك أحياناً تهكم، ولا نعرف كذلك متى يتحدث على مسألة حلّت حينها أو مسألة كونية لن تحلّ إلى يوم يبعثون، كيف يمكن قراءة هكذا نص؟". وشدد على ضرورة الاهتمام بهذا الأمر لا من طرف شخص أو مفكر واحد بل جميع المدارس والجامعات يجب ان تفكر في هذا الكتاب الذي "نتلوه دون فهم" ويتم تعلمه هكذا مشيراً إلى انه لو تم استدعاء أساتذة العربية لتفسير مفردات موجودة في القرآن لعجزوا عن ذلك، علاوة عن أن بعض المفردات غير موجودة في قاموس اللغة العربية وإن وجدت فتفسيرها خاطئ على غرار كلمة "جبت". وتساءل عن سبب هذه الصعوبة في تفسير المفردات في حين أن الرسول كان يخاطب أناساً طيبين وبسطاء عن الدين وكانوا يفهمونه. على صعيد آخر، قال يوسف الصديق انه يجب التخلص من الأئمة لأن الإمام هو في الأصل الذي يتقدم جمعاً ما أما الإمام في الدين فهو الذي يقف أمام الناس لأنه يحفظ القرآن على عكس البقية ولذا هو يتكلم ويمكن تغييره من صلاة إلى أخرى، وفق تأكيده. وأضاف الصديق أن "الشيوخ" ليست مهنة مبرزاً ان الخطأ في تونس والجزائر والمغرب يتمثل في تخصيص راتب شهري لهم في حين ان الواعظ والمرشد كان سابقاً يقدم النصح "لله في سبيل الله" دون مقابل. وأشار إلى ان الواعظ عندما يتقاضى أجراً يقوده ذلك إلى تكريس إيديولوجيا معينة متسائلاً عن ضرورة 26 ألف واعظ ومرشد بتونس يثقلون على الوظيفة العمومية وعلى ميزانية الدولة وعن ضرورة وجود وزارة شؤون دينية. وأردف حديثه موضحاً انه تم إزالة وزارة الإعلام لعدم الحاجة إليها وكذلك فإن وزارة الشؤون الدينية أسوأ منها قائلاً "ما معنى ان تضع ربي في رأسي بوزارة وان تدفع لموظفين فيها وتثقل الميزانية"، ومبرزاً ان الإمام يمكن أن يكون معلماً وان يتطوع للإمامة. ولاحظ انه في الإسلام لا يوجد كهنوت وكنيسة وان السياسة المتبعة حالياً هي التي تزيد الأمور استفحالاً كونها خلقت كنيسة رسمية في حين الإسلام يتميز بإلغاء الوساطة بين الله والمؤمن إلا أنه تمّ إرجاع هذه الوساطة منذ مدة طويلة، على حدّ قوله. ولفت النظر إلى ان المذاهب الأربعة في السنة لم تعترف بالخليفة، كما لم يكن للحاكم الحق في التدخل بالدين ولا حتى تعيين مفتي حيث كان يقع تعيينه من قبل مجموعة من الناس مضيفاً ان رجل الدين هو من يعرف الدين ومن يعرف القرآن أما نيته وما إذا كان مؤمناً أو غير مؤمن ويقوم بأعمال مخالفة فذلك أمر لا علاقة له لأن قادر على التحدث عن الدين لمعرفته فيه، وانه في ما يتعلق بالنيات يجب استباق الخير. وختم الصديق بالتأكيد على ان الله محبة وان الحياة والتمتع بالحياة بصدق دون سرقة وخطف وظلم هو عبادة لأنك تفرح بما خلقه الله من جمال.