"صالح بن يوسف، خطب ووثائق أخرى 1955-1956"، كتاب صادر عن منشورات المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر للدكتور و أستاذ التاريخ في الجامعة التونسية محمد ضيف الله،غاص فيه الباحث في شخصية صالح بن يوسف من خلال الخطب والوثائق والنصوص التي ألقاها الرجل في الفترة الفاصلة بين حدثي الحصول على الحكم الذاتي والاستقلال التام من المستعمر الفرنسي ، والتي ساهمت نوعا ما في الكشف عن الوجه الاخر لصالح بن يوسف. وقال محمد ضيف الله في تصريح لحقائق أون لاين اليوم الخميس 10 سبتمبر 2015، في علاقة بمؤلفه الجديد ، أن الكثير من قيادات الحركة الوطنية تركوا كتابات على غرار علي البلهوان وفرحات حشاد ، أما صالح بن يوسف فلم يكتب ولم يترك كتبا لكنه كان خطيبا كبيرا وجاء هذا الكتاب ليجمع المادة ويوفرها لمن يريد أن يدرس شخصية صالح بن يوسف من خلال الخطب والوثائق التي اصدرها في تلك الفترة التي جمعها المؤلف فضلا عن النصوص المتفرقة من خلال تصريحاته للصحفيين والندوات الصحفية التي كان يقوم بها وبعض النصوص القصيرة التي كان قد القاها بمناسبة ذكرى اغتيال فرحات حشاد . ويضيف المؤرخ محمد ضيف الله ان هذا الكتاب يوفر مادة للباحثين والمهتمين بالتاريخ وعلم الاجتماع وبالعلاقات بين الشرق والغرب لما فيه من وثائق مختلفة ونصوص.
الصراع اليوسفي- البورقيبي يقول محمد ضيف الله إن الصراع اليوسفي- البورقيبي سمي وقتها ب"الفتنة اليوسفية" بمعنى أن صالح بن يوسف هو المتسبب فيها، مضيفا أن تلك الفترة شهدت صراعا عنيفا وحادا بين الرجلين وهو أمر طبيعي ويحدث في الفترات الانتقالية الكبرى. وكانت هناك صورة عن صالح بن يوسف أراد بورقيبة حينها أن يبرزها عنه وهي كون بن يوسف رجلا عميلا لمصر ومثيرا للفتنة، و في المقابل هناك من روّج لصورة صالح بن يوسف الزعيم القومي العربي أي الوجه الاخر لما رسمه بورقيبة. الحقيقة المغيبّة وأوضح محدثنا، أنه من خلال النصوص التي وجدها والوثائق التي اطلع عليها تبين أن هناك خطأ و"مبالغة" في الصورة التي وقع ترويجها لصالح بن يوسف، مفيدا بأن الرجل أعاد تاسيس الحزب الحر الدستوري التونسي عندما تركه بورقيبة في حالة رثة مؤكدا أن صالح بن يوسف احاط الحزب الدستوري بحزام من المنظمات التي دعمته وساندته على غرار اتحادات الشغل والصناعة والفلاحة والطلبة. واعتبر أنه عندما حاول المستعمر الفرنسي ضرب الحزب لم يفلح في القضاء عليه حيث استطاعت المنظمات الوطنية الدائرة حوله مواصلة النضال بدليل ما قام به الاتحاد العام التونسي للشغل وزعيمه فرحات حشاد، وبالتالي فلصالح بن يوسف فضل كبير في إعادة تأسيس الحزب الحر الدستوري التونسي حيث كان يعرف بالزعيم الكبير في مقابل بورقيبة المجاهد الاكبر. واستنتج محدثنا ان الصورة التي اعطيت من قبل المؤرخين عن صالح بن يوسف كانت خاطئة وسلبت من الرجل هذا التاريخ المهم، مفسرا أنه كان أكثر تفتحا مع المعارضة وكان يقبل الاراء المختلفة بدليل أنه كان مفاوضا مع العمال وجلبهم للحزب وكانت له الحنكة لجلب الباي ايضا للحزب وافتكه من دوائر الاقامة العامة، معتبرا أن صالح بن يوسف كان أكثر انفتاحا من بورقيبة إزاء الاخرين. مغالطة تاريخيّة؟! تزعم الاطراف القومية في تونس أن صالح بن يوسف كان قومي الهوى والخلفية الايديولوجية، وفي هذا الإطار افاد الأستاذ محمد ضيف الله أنه من خلال اطلاعه وبحثه في الوثائق والنصوص وخطابات صالح بن يوسف لم يجد أي إشارة إلى أن بن يوسف يتبنى الطرح القومي الوحدوي ولم يتكلم مطلقا عن الوحدة العربية .فقط تكلم في بعض النصوص القصيرة عن وحدة المغرب العربي، موضحا أنه تحدّث في مختلف نصوصه التي أصدرها عن الامة التونسية والامة المصرية ولم يذكر مطلقا الامة العربية. وأضاف المؤرخ ضيف الله، أن صالح بن يوسف كان يترك مسافة في كلامه مع جمال عبد الناصر حيث قال له مرة " اشكرك واشكر الامة المصرية.." متسائلا: كيف لقومي أن يقول الأمة المصرية؟ فالحقيقة يقول محدثنا حسب قراءته الموضوعية لمختلف الوثائق والنصوص التي جمعها فإن صالح بن يوسف لم يكن قوميا. وختم حديثه بأن صالح بن يوسف مجاز في الحقوق من السربون عام 1963، في حين كان عبد الناصر عسكريا وفي هذه المسألة هما لا يلتقيان أيضا.