استطاع تنظيم "داعش" الإرهابي حيازة موطئ قدم في الأراضي الليبية مستفيداً من الفوضى السياسية والأمنية التي أعقبت ثورة 17 فيفري 2011 في البلد الغني والذي يحوز أكبر احتياطات للنفط في القارة الإفريقية. وتستعرض هذه المادة أبرز المحطات في نشأة الفرع الليبي للتنظيم الإرهابي وتكشف عن حدود قوته. أول إعلان عن وجود تنظيم "داعش" في ليبيا كان عبر شريط فيديو نشر على الانترنت في 3 أكتوبر 2014 وأظهر حشداً من المسلحين التابعين لما يسمى "مجلس شورى شباب الإسلام" في مدينة درنة الساحلية يبايعون التنظيم وزعيمه أبا بكر البغدادي. ويتحدّر مقاتلو "المجلس" من مسلحين قاتلوا نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا فيما كان يعرف ب"كتيبة البتار" عام 2012، والتي تكونت في أغلبها من ليبيين، عادوا فيما بعد واستقروا في درنة وخاضوا معارك شرسة مع إحدى الكتائب المقاتلة ضد نظام القذافي في المدينة ("كتيبة شهداء أبو سليم") قبل إعلانها الرسمي الخضوع لسلطة البغدادي. أعلن البغدادي فيما بعد قبول ليبيا كجزء من "دولة الخلافة" وقسمها إلى ثلاث "ولايات" شملت برقة (شرق) وطرابلس (غرب) وفزان (جنوب)، فيما تناقلت تقارير أمنية أسماء مؤسسي الفرع الليبي وهم العراقي أبو نبيل الأنباري (يعتقد أنه قتل في غارة أمريكية على درنة في نوفمبر 2014) والسعودي أبو حبيب الجزراوي واليمني أبو البراء الأزدي. مطلع عام 2015 أعلن التنظيم الإرهابي عن وجوده في مدينة سرت، مسقط رأس القذافي وأحد المعاقل القوية للنظام السابق والتي عانت من أضرار فادحة نتيجة القصف والمعارك خلال الانتفاضة الليبية. وبدأت جموع من المقاتلين "الأجانب" التوافد إلى المدينة الأمر الذي تسبب في نزاعات لا تزال قائمة مع جماعة "أنصار الشريعة" المسيطرة في سرت. يقدر عدد مقاتلي التنظيم في سرت ب1500 معظمهم من غير الليبيين (من مصر وتونس والجزائر وسوريا وغيرها). في فيفري 2015 انطلق مقاتلو "داعش" إلى بلدة النوفلية القريبة من سرت بقيادة المدعو علي القرقاع وسيطروا عليها بعد معارك مع ميليشيات تابعة ل"فجر ليبيا" (الذراع العسكرية للمؤتمر الوطني العام الجديد وحكومة طرابلس). وبعد 4 أشهر كان التنظيم الإرهابي قد أكمل سيطرته على مطار القرضابية الدولي القريب وبلدة هراوة. ورغم نجاح ميليشيا "مجلس شورى مجاهدي درنة" في طرد عناصر التنظيم الإرهابي من أولى قواعده في مدينة درنة بعد اشتباكات عنيفة في جويلية 2015 وما تبعها من انتفاضة قبلية ضده في سرت، إلا أن تنظيم "داعش" احتفظ بمواقعه القوية خارج درنة كما تمكن بسهولة من هزيمة انتفاضة سرت أتبعها بالانتقام من العشرات من السكان. يقدر عدد مقاتلي تنظيم "داعش" في "ولاية برقة" ب800 مقاتل ويمتلك عشرات المعسكرات خارج درنة وخاصة في الجبل الأخضر كما أن له فروعاً في مدن البيضاء وبنغازي والخمس بالإضافة إلى العاصمة طرابلس. ويعقد التنظيم المتطرف "تحالفات" مع مجموعات جهادية أخرى في ليبيا أبرزها فرع بنغازي ل"أنصار الشريعة" (التي انشق أحد قياداتها المدعو أبو عبد الله الليبي مع مجموعة من المقاتلين وبايع البغدادي) و"القاعدة في المغرب الإسلامي". وتقول المخابرات الليبية أن تنظيم داعش الإرهابي يقوم بتجنيد مقاتلين من دول أفريقيا الفقيرة كتشاد ومالي والسودان، وتقدم رواتب سخية مستغلة طريق الهجرة التي يسلكها المهاجرون الأفارقة إلى أوروبا في محاولة إغرائهم بالانضمام إليه. يشن مقاتلو "داعش" هجمات عدوانية على نحو متزايد في عموم الأراضي الليبية وخاصة ضد المنشآت النفطية والفنادق العالمية، كما يقوم بعمليات إعدام جماعية كان أبرزها شريط فيديو لذبح 21 مصرياً قبطياًَ أواسط فيفري 2015 وكذلك عن طريق العمليات الانتحارية والتفجيرات المتواترة في محاولة لبث الرعب وتثبيت مواقع نفوذه في هذه المناطق. المصدر: مونت كارلو الدولية