قالتها مدوية و مجلجلة في الحملة الإنتخابية بمدينة سوسة 2014 .. وصفته "بحكيم الأمة " .. كان وقتها لديها مأرب قد قضي ، أي الترشيح بغير المعايير الإجرائية المتفق عليها داخل النهضة .. و مأرب آخر ينتظر ، وهو تسليم مفاتيح الحكم لزوجها .. المأرب الأول مر و لم يسبب لغطا أو إزعاجا ، بسبب تواطئ جزء من الشورى و المكتب الجهوي بسوسة . المأرب الثاني ، أكدت الأيام أنه صعب المنال ، و بدأ يبتعد شيئا فشيئا مع اقتراب الموتمر . و بدأ معه التوتر يظهر على مادام " منية ابراهيم " ، فلم تعد الشخصية القوية و الكاريزماتية وكمية الرصانة بقادرة أن تسعفها . فانخرطت في الدعاية لزوجها عبر القنوات المسموعة و مختلف وسائل الاعلام الأخرى ، من خلال قصة " اليد الصغيرة لا تكذب " .. ومن حيث كان الإتفاق حاصلا في النهضة أن " اليد الصغيرة - فعلا - لا تكذب " ، و أن المحنة كانت بامتياز " محنة الأجيال الصغيرة " من أبناء النهضة و نسلها من الدرجة الأولى و الثانية ( الشباب و الأطفال و الرضع الذين سيفتحون أعينهم على عشريتين من أحلك ما يكون ) .. ولكن الإختلاف حاصل حول " اليد الكبيرة " و حجم أدوارها و مسووليتها في ما آلت اليه الأمور و في ما حدث لجيل المحرقة - كما يسمونه - و لحركة المناضلين و الرجال .. البعض ممن اكتشف - من جديد - منية ابراهيم بعيد الثورة ، كان يعتقد أن الأجندا - على افتراض وجودها - كانت مرتبطة بتعزيز مكانة زوجها الذي يمسك بآلة الحركة و ماكينتها التنظيمية ( رجالا وحتى نساءا من خلالها هي ) ، .. ولم يكن الأمر يتعدى ذلك ، خاصة من الذين لاحظوا عليها مزاج السطوة و الغطرسة و الإقصاء لأبرز الكفاءات النسوية التي لا تنسجم مع هذا المزاج .. ثم جاءت مرحلة التصعيد إلى البرلمان و حصر قائمات النهضة ، و ترشيح " زوجة الجلاصي " في غير السياقات المتفق عليها تنظيميا .. و إلى حدود هذه المرحلة - أيضا - لم ينتبه أبناء النهضة الى طبيعة حضور " منية ابراهيم " داخل أطر النهضة إلا بكونها " مناضلة " ، زوجة " مناضل " و قيادي ، تتوفر على قوة الشخصية و قدر كبير من الرصانة .. أحيانا تهزها الحمية لأجل زوجها ، و لكن - الى هنا أيضا – تبقى الأمور داخل أطر النهضة المغلقة أو المنفتحة بأقدار معقولة ( الشورى ) .. و حتى قضية الترشيح وقع التغاضي عنها في سياق اندفاعة جماعية لعناصر قيادية تعيش حالة من التضامن عنوانها المحافظة على المواقع المنقدمة سياسيا و تنظيميا و في أجهزة الحكم .. بالإضافة إلى أنه لم يعرف في ثقافة النهضة و النهضويين أن يكون للمرأة أو الزوجة دور في تصعيد او صناعة نجومية الرجل .. بعد ذلك ، و مع بداية تداول موضوع المؤتمر و احتدام التدافع و ارتفاع السخونة ، و بعد إعلان النوايا من هذه الجهة أو تلك .. إنطلقت خطة الدعاية المرسومة من طرف الجلاصي و زوجته و " اليد الصغيرة " عبر الإذاعات المسموعة و الجرائد و المواقع الالكترونية .. و شيئا فشيئا ، طرحت آخر الأوراق ، علانية ، الأسبوع الأخير قبل الموتمر ( بتاريخ 15 جانفي تحديدا ) ، ثم مرة أخرى بعد أن وضعت الحرب أوزارها .. و ظهور توازنات جديدة وواضحة لأول مرة منذ خمس سنوات .. تأكدت الخفايا و النوايا ، من خلال إعادة نشر رسم كاريكاتوري جريء جدا .. غير عناوين المعركة ( من حكيم الأمة إلى تشكيك في القدرة على صنع الوطن و المستقبل ) ، و غير مساحاتها من كواليس النوايا ، إلى ساحات الإعلام التقليدي و غير التقليدي .. الملاحظة التي تسترعي الانتباه ، أن التحولات الحقيقية في جسم النهضة بدأت تعلن عن نفسها ، و بدأت تخرج النهضة من ملامحها التقليدية المحافظة التي تقوم على ثقافة الإحترام للأشخاص و المقامات و التجرد أمام مصلحة المجموعة .. إلى بروز ثقافة السجال العلني و التقريع و ربما السخرية و فرض التجاذبات و الاصطفافات كأمر واقع ( من ليس معي فهو ضدي ) .. ومن حركة لا وجود فيها لثقافة الإسناد العائلي المفضوح ، إلى حركة تصطف فيها الزوجة الى جانب زوجها وربما تأخذ عنه المبادرة عندما يعجز و يتقهقر الى الوراء .. الجميع لاحظ خلال أشغال الموتمر ان السيدة منية ابراهيم لم تستطع التماسك هذه المرة و أعلنت عن نفسها بكل وضوح كمحرك فاعل للأحداث و متحكم في حركة المد و الجزر داخل أطر النهضة ( وهي تشتغل في البرلمان + و الفضاء النسوي داخل النهضة + الفضاء الرجالي من خلال زوجها + مضامين الموتمر + + .. ) .. لقد تغيرت المعادلات فعلا داخل النهضة ، و الأرقام التي رافقت اشغال الموتمر مدا و جزرا تثبت بما لا يدع مجالا للشك ، أن الذي لا ماكنية له داخل النهضة ، أو من لم يقتنع بعد بأهمية أن تكون إلى جانبه ماكينة شغالة في التعبئة و كسب الأفراد و المجموعات و المواقع بين المركزي و الجهات و القطاعات ، من لم يكن كذلك فهو ليس له مكان في الصفوف القيادية ، ولو كان " حمادي الجبالي " ( الذي أتى تاسعا في الموتمر التاسع ، وهي الإشارة التي قرأ من ورائها أنه لم يعد له مكان يسعه في حركة النهضة التي عرفها ، و التي بناها بعصارة جهده و عرقه و ابداعه و نضاليته ) .. و أيضا ، ولو كان " نور الدين البحيري " ، الذي تحركت الأرض من تحت أقدامه ، و شك في لحظة ما أن الأصوات التي سيتحصل عليها ستمكنه فعلا من الصعود الى قائمة المائة الأوائل .. إن الذي أتته " الشيخة منية " أثناء الموتمر ( من خلال حماسها المفرط ) و قبله و أيضا بعده ( من خلال نشر الكاريكاتور على حسابها الشخصي و اعادة نشره ) .. جعل فئة محترمة جدا من رجال النهضة مصدومة فعلا - هذه المرة - من حجم الانقلابات التي عرفتها النهضة على مستوى القيم و السلوكات و روح الطهرية التي ضربت في مقتل .. ونبه المتابعين إلى أن الصراع و التجاذب لم يكن بين رأيين و جيلين أو بين قيادتين ، و لكنه صراع بين مشيختين ، واحدة قديمة و معلومة يمثلها " الشيخ راشد " ، و الأخرى بصدد الإعلان عن نفسها لأول مرة بشكل واضح و تمثلها " الشيخة منية ".
*مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن الخط التحريري لموقع حقائق أون لاين. *الصورة المصاحبة للمقال هي صورة كاريكاتورية من إعداد صاحب النص