الكاف: أضرار فلاحية هامة بسبب تساقط كميات من البرد    154 مهاجراً إيفوارياً يغادرون تونس في إطار العودة الطوعية    أريانة: الكشف عن مستودع عشوائي لتخزين الكراس المدرسي المدعم والرفيع    السنة الدراسية 2026-2025: إعادة فتح باب التسجيل عن بعد لأقسام السنة التحضيرية    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان التشكيلي والفوتوغرافي وديع المهيري    عاجل: وزارة الصحة: منع تصنيع أو توريد أو ترويج كل منتج ثبت احتواؤه على مادة TPO -    عاجل/ فرنسا تقرّر نشر مقاتلات فوق أجواء بولندا    حالة الطقس هذه الليلة..    عاجل/ مصرع شخص وإصابة آخرين في اصطدام "لواج" بسيارتين    بنزرت: استقبال شعبي لأسطول الصمود لكسر الحصار عن غزة (فيديو)    عاجل/ تونس ومصر توقعان هذه الاتفاقيات..    عاجل/ إسناد رُخص "تاكسي" فردي بكافّة معتمديات هذه الولاية..    كندار: حالة وفاة وإصابات خطيرة في حادث مرور بين سيارتين    حماس: الاحتلال يسعى لإفشال مساعي إنهاء حرب غزة    الدورة الأولى من "سينما جات" بطبرقة من 12 إلى 14 سبتمبر 2025    فتح باب التسجيل لقسم سينما العالم ضمن أيام قرطاج السينمائية    كرة اليد: منتخب الوسطيات يبلغ نصف نهائي بطولة افريقيا ويتأهل للمونديال    مشروع توسعة مصنع إلكترونيات فرنسي سيوفر 600 موطن شغل إضافي    القيروان: الدورة 3 للمهرجان الجهوي لنوادي المسرح بدور الثقافة ودور الشباب والمؤسسات الجامعية    هذا هو عدد ضحايا الهجوم الإس..رائيلي بالدوحة.. تميم بن حمد يشارك في جنازتهم    عاجل: نشر قائمة المترشحين لمناظرة كتبة المحاكم 2025...هل أنت منهم؟    لجنة اعتصام الصمود أمام السفارة الأمريكية تدعو التونسيين إلى دعم أسطول فك الحصار على غزة    وزير الخارجية يستقبل السفير الجديد لطاجيكستان بتونس    تنظيف الأذن بالأعواد القطنية = ألم ومشاكل السمع...كيفاش؟    فريق قانوني يضم 45 محاميا ومحامية من تونس للقيام بالإجراءات القانونية قبل إبحار أسطول الصمود نحو غزة    مهرجان المناطيد الدولي يرجع لتونس في التاريخ هذا...وهذه تفاصيله والأماكن المخصصة    البنك المركزي: إرتفاع الاحتياطي الصافي من العملة الصعبة إلى 110 يوم توريد    تصفيات مونديال 2026: تأهل 18 منتخبا من أصل 48 إلى العرس العالمي    وزارة العدل تقرّر عقد جلسات القضايا ذات الصّبغة الإرهابيّة عن بعد    المركز القطاعي للباردو يفتح أبوابه: تكوين مجاني في الخياطة والتصميم!    مواطنة أمريكية لاتينية تُعلن إسلامها في مكتب مفتي الجمهورية    وزير الشّؤون الدّينية يلتقى رئيس مجلس شركة مطوّفي الحجيج    استئناف دروس تعليم اللغة العربية لابناء الجالية التونسية ببمرسيليا في هذا الموعد    فيفا تنصف الجامعة التونسية لكرة القدم في قضية رفض لاعبين الالتحاق بالمنتخب    الداخلية: حجز 22392 كراسا بين مدعم ونصف مدعم    إحالة سهام بن سدرين ومبروك كورشيد على أنظار القضاء في قضايا فساد مالي    انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة..#خبر_عاجل    تونس تشارك في البطولة العربية للمنتخبات في كرة الطاولة بالمغرب من 11 الى 18 سبتمبر الجاري    افتتاح مرحلة ما قبل البيع لتذاكر مونديال 2026 (فيفا)    عاجل/ مقتل تشارلي كيرك الناشط الداعم لترامب واسرائيل برصاصة في الرقبة..وفيديو مقتله يتصدر وسائل التواصل الاجتماعي..    الأمريكيون يحيون ذكرى هجمات 11 سبتمبر    وزير التربية يتابع بأريانة استعدادات المؤسسات التربوية للعودة المدرسية    بعد منعها من الغناء في مصر.. هيفاء وهبي تواجه النقابة قضائياً    أضواء على الجهات :ميناء الصيد البحري بغار الملح يحتاج الى رافعة والى عملية توسعة لتعزيز دوره الاقتصادي    تأجيل رحلة السفينة قرطاج على خطّ تونس - جنوة - تونس: التفاصيل    الرابطة الأولى: برنامج النقل التلفزي لمباريات الجولة الخامسة ذهابا    أمطار متفاوتة في ولايات الجمهورية: أعلى كمية في قلعة سنان بالكاف    تطوير جراحة الصدر واستعمال أحدث التقنيات محور لقاء بوزارة الصحة    عاجل: هشاشة العظام أولوية وطنية: نحو القيام بإجراءات جديدة    اريانة:جلسة عمل لمتابعة أشغال تهيئة فضاء سوق مُفترق الإسكال    كتاب «المعارك الأدبية في تونس بين التكفير والتخوين» وثيقة تاريخية عن انتكاسات المشهد الثقافي التونسي    التظاهرات العربية ودورها في إثراء المشهد الثقافي العربي    من الخميس للأحد: جدول كامل للمباريات والفرق اللي باش تتواجه مع الأربعة متع العشية    المركز الوطني لفن العرائس يستقبل تلاميذ المدارس الخاصة والعمومية في اطار "مدارس وعرائس"    ديوان التجارة: توفير كميات من مادة القهوة الخضراء لفائدة المهنيين    بالفيديو: شاهد كيف سيبدو كسوف الشمس الكلي في تونس سنة 2027    مدرستنا بين آفة الدروس الخصوصية وضياع البوصلة الأخلاقية والمجتمعية...مقارنات دولية من أجل إصلاح جذري    ''الخسوف الدموي'' للقمر يعود بعد سنوات...شوف شنيا أصلو في مخيلة التونسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خوصصة الضمائر
نشر في حقائق أون لاين يوم 11 - 07 - 2016

لعل من أهم ما أنتجت ثورة 2011 ما يمكن تسميته بتحرير المبادرة الفردية بقطع النظر عن نتائج المبادرات وتمكينها. المهم أنّ المبادرة أصبحت ممكنة وقد رأينا أمثلة عديدة على ذلك مسّت جميع جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية. بل لعل تحرر المبادرة هذا يعد أحد أمراض المشهد الحالي إذا ما نظرنا إليه من زاوية مساهمته في تشظي المشهد وصعوبة التجميع التي تبقى التحدي الأهم في أي مسار يصبو إلى التأثير والبقاء. والواقع أنّ تفسير ظاهرة الخوصصة ليس عسيرا. فالركيزة الأساسية له تكمن في المرور من مرحلة الغياب التام لإمكانية الفعل الفردي واحتكار القرار والوسائل من طرف رأس السلطة أو القلة المتنفذة إلى تحلّل هذا الاحتكار تماما في مرحلة أولى والتعدّد المفرط في مرحلة ثانية.ّ بل لعلّ مقولة الخوصصة تفسر عمق التغيير من عدمه. فالثورة حافظت على كلّ ما كان خاصا قبلها، إذ لم يقع أي تغيير في الإقتصاد مثلا، ودعّمت كلّ ما هو خاص وذلك بإنهاك المرفق العمومي والمؤسسات العمومية ، ولعلّ في الصعود المكّوكي للتعليم الخاص في جميع المراحل منذ 2011 مثال واضح على ذلك.
ففي المجال السياسي، نجد في المشهد الحزبي التونسي خير مثال على ما أقول. ولعل ما يسمى بالسياحة الحزبية عنوان بارز له. فالجميع يعرف تجاوز الصلاحيات وخرق للدستور وغيرها. لنتأمل فقط في سياحات السيد خالد شوكات ورحلات العديد من مناضلي ما كان يسمى بالحزب الديمقراطي التقدمي وتجوال نواب العريضة الشعبية وتنقلات نواب نداء تونس في مجلس الشعب،وغيره كثير. أما في مجال السلطة التنفيذية فسوف اقتصر على مثالين. يتمثل الأول في الحكومة، إذ من البديهيات أن تقاد الحكومات بمبادئ التضامن الحكومي الذي يعني التزام أعضاء الحكومة بجماعية القرار والانخراط في التنفيذ. والجميع يعرف أنّ ما يميّز الحكومة الحالية هو الانفراد بالوزارة وإدارتها كجزيرة معزولة عن غيرها وحتى في علاقة تنافسية مع غيره من الوزراء، والأمثلة عديدة نذكر منها وزراء التربية والصحة والإستثمار الخارجي التجارة. ولا وجود لاحترام القيادة الحكومية أو المصلحة العامة وغيرها. الأمر الثاني يتعلق بمبدئ خوصصة مجالات الاختصاص التي ينصّ عليها الدستور وما نتج عنه من تجاوز وخروقات واضحة، منها أن رئيس الدولة اعاد صياغة سلطة الرئاسة حتى تناسب طريقته في الحكم واهدافه الخاصة . فرغم الخرق الواضح لا يزال رئيس الجمهورية يعين رئيس الحكومة ويعزله، ويترأس حزبا بطريقة غير مباشرة وغيره وهو نوع من أنواع الإنتصاب الفوضوي من قبل رئلسة الجمهورية في فضاءات غير مرخصلها فيها، وإنما حوّلتها إلى فضاءات خاصة، عائلية أحيانا وحزبية وسياسية أحيانا أخرى.
أما على مستوى الحراك الإحتجاجي والسياسة التي تقدم نفسها على أساس أنها بديلة، فمن الملفت أن نتأمل في الحزيْبات وإعادة تفكيكها وتوزيعها ممّا لا يخضع إلاّ إلى متطلبات الشخصنة والتذييت، فهي جميعها غير ديمقراطية بمعنى أنّ القيادات غير منتخبة وقواعدها غير واضحة وقد لا تكون موجودة أصلا. فمن من التونسيين لا يسمي الأحزاب بأسماء رؤسائها أو شخصيات بارزة فيها: حزب المرزوقي وحزب محسن مرزوق وحزب سامية عبو وحزب الهاشمي الحامدي الخ. ولا تختلف في ذلك الأحزاب المكوّنة للجبهة الشعبية عن غيرها، فعوض اتخاذ النضال الجماهيري الواسع والعمل على التجميع حصرت سلطتها في مجالس وتجمعات لأشخاص تقلّ تمثيليتهم ويتناقص التصاقهم بهموم الناس يوما بعد يوم. أمّا حركة النهضة والتي اشتركت مع غيرها من الأحزاب في سلعنة السياسة فقد أضافت إلى ذلك التخصّص، ممّا جعل الدين في حدّ ذاته يتحوّل إلى ملكية خاصة تتصرّف فيها الحركة كما تشاء و"تصرفه" في أسواق الخليج العربي حينا وفي أمريكا أحيانا أخرى...
أما فيما يخص الشأن العام فالظاهرةالأبرز هي خوصصة الفضاء العام، من احتلال الأماكن المخصّصة للمارة من طرف الباعة إلى البناء الفوضوي، مما أصبح القاعدة لا الإستثناء عبر جميع مدن البلاد وقراها. كما حوّل العديد الشوارع إلى مرابض للسيارات والشواطئ إلى مسابح خاصة. حتى أنّ استعمال الطريق مثلا أصبح يشبه الاعتداء على الملكية الخاصة لمن رأى في نفسة القدرة والقوة على "افتكاك" الأولوية أو مساحة أكبر من غيره....
والمسألة ليست كلهاّ سلبية، حسب ما قد يتبادر إلى الذهن. فالعديد من المبادرات والتحرّكات الإيجابية التي أثّرت في تونس بعد الثورة يقف خلفها أفراد آمنوا بقدرة الفرد على التأثير نظرا للانفتاح النسبي لمجالات القرار والفعل. والأمثلة على ذلك كثيرة وقد ساهم الإعلام المفتوح وخاصة وسائل الاتصال في العالم الافتراضي في إبرازها وتفعيلها. دائلولكن المبادرة الشخصية لا تصنع دولا ولا بدائل لنمط اجتماعي بأسره.
خوصصة الضمائر هي إذن جزء من مسار عام غابت فيه جماعية القرار ومؤسساتية السلطة ولم تجد ما يعوّضها. وبما أنّ الضمائر لم تسلم من قدرة النظام السلطوي على تخريب الوعي الفردي وإفساده فقد تركّزت الخوصصة في المعنى السلعي الذي يخضع إلى قوانين السوق دون سواها فأصبح الضمير، كغيره، بضاعة خاصة للتبادل الحر وأصبح للضمائر أثمانها وفي شرائها وبيعها يتنافس المتنافسون.
** أستاذ بجامعة اكسفورد بالمملكة المتحدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.