مجدداً يعلو نفير التحذير من الفقدان الجدّي لمصادر المياه العذبة في العالم، وإن الأمر هذه المرّة لم يعد من قبيل التحذير التقليدي الاستباقي لتفادي الكارثة قبيل وقوعها، بل بات التحذير ينطلق من قلب الكارثة نفسها بغية تدارك استفحالها، وتماديها أكثر في تهديدها للإنسان، وسائر الكائنات الحيّة على هذا الكوكب الجميل. فلقد صدر تقرير أعدّته اليونسكو، ونشر قبل أيام في أثناء افتتاح المنتدى العالمي السادس للمياه في مرسيليا الفرنسية (من الجاري إلى 17 منه) جاء فيه أن عملية استخراج المياه العذبة من الطبقات الجوفية، تضاعفت ثلاث مرّات على الأقل في الخمسين سنة الأخيرة.. وأنه مهما كانت ضخامة كميات المياه التي تحويها الخزانات الجوفية، فإنها ستنضب في النهاية، وذلك إذا لم تتمّ إدارة استخدامها بشكل علمي صحيح لأنها غير قابلة للتجدّد". وحذّر التقرير من أن النموّ السكاني العالمي والاحتباس المناخي الذي يفاقم من الفيضانات والجفاف، يهدّدان موارد المياه العذبة. ومع تجاوز عدد سكان العالم السبعة بلايين نسمة بحلول العام 2050، يتوقّع أن ترتفع الحاجات المائية والغذائية بنسبة 70%.. فضلاً عن الطلب المتزايد على المنتجات الحيوانية، التي تتطلّب بدورها كميات كبيرة من المياه وقال التقرير إن هذا الارتفاع في الطلب الغذائي سينعكس سلباً بنسبة 19% على مجمل المياه المستخدمة في القطاع الزراعي، والذي يمثّل راهناً 70% من الاستهلاك العام للمياه. وعلى مستوى الطلب على المياه للاستهلاك البشري، فقد بيّن التقرير أن الزيادة الكبيرة ستأتي من المدن بشكلٍ خاص؛ إذ إن عدد سكانها سيتضاعف ليصل إلى 6.3 مليارات نسمة بحلول العام 2050. ويشير التقرير إلى أن 80% من المياه المبتذلة في العالم لا تجمع أو تعالج، ما يفرض تكلفة عالية على الدول. ولذلك يدعو التقرير إلى إعمال مقاربة وقائية، وإشراك الأطراف الملوِّثة (من صناعيّين ومزارعين ومستهلكين وأصحاب قرار محلّيين ومسؤولين عن توزيع المياه) في خطة لإدارة سلامة المياه الصحّية. العرب في المنتدى المائي العالمي للمرّة الأولى في تاريخهم المعاصر، نجح العرب في أن يشاركوا ككتلة واحدة في المنتدى العالمي السادس للمياه في مرسيليا، وذلك بقيادة المجلس الوزاري العربي للمياه، المنبثق عن جامعة الدول العربية. وركّز الملف المشارك في المنتدى العالمي السادس للمياه على مدى فداحة الواقع المائي العربي الحالي. فالمنطقة العربية تضمّ خمسة في المائة من سكان العالم، وواحداً في المائة فقط من موارد المياه العذبة، الأمر الذي يعدّ كابحاً مخيفاً لمسار التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي وصحة الإنسان وحماية البيئة. وتوقعت وكالة الأنباء القطرية من خلال تقرير مفصل أعدّته حول الموضوع أن تأتي إشكالية حوض النيل والمأزق المصري- السوداني مع دول المنبع، على رأس الأولويات العربية المطروحة في مؤتمر مارسيليا. فثمّة قلق لدى المجموعة العربية في ما يتعلق بقضايا حوض النيل، والتوزيع العادل لحصص المياه، وسيتمّ الإعلان عنها أمام المنتدى ليتمّ الاحتكام بالأساس إلى الاتفاقيات الموقّعة بين دول النهر، وسيعمل الجانب العربي على إقرار الحقوق التي تقرّها تلك الاتفاقيات. ولنهر الأردن ومستقبله نصيبٌ وافر في المؤتمر، إذ شارف هذا النهر على الجفاف في مناطق كثيرة منه. ويقول الخبراء إن بقاء الوضع المائي الأردني على ما هو عليه، سيجعل بحلول العام 2025 النصيب السنوي للفرد في الأردن 91 متراً مكعباً. هو الآن يبلغ 150 متراً مكعباً، بينما حدّ الفقر العالمي هو 1000 متر مكعّب من المياه للفرد الواحد سنوياً، ما سيضع الأردن في مصاف البلدان الأفقر في مصادر المياه، وهو حالياً من أفقر عشر دول في العالم. أما في المغرب العربي، فتعتبر أزمة المياه ذات بعد فنّي، لأن الدول في هذه المنطقة لا تستخدم إلا ما يتراوح بين 11% إلى 53% فقط من مواردها المائية التقليدية المتجدّدة، وذلك لأن استغلالها يكلفها الكثير، إذ إن أغلبها مياه أمطار، ومياه جوفية، وتشمل هذه المنطقة ليبيا وتونس والجزائر والمغرب. أما في اليمن، الذي صُنّف مؤخراً كإحدى أربع دول هي الأشد فقراً في الموارد المائية على مستوى العالم، فقد أصبح متوسط نصيب الفرد من المياه حوالى 120 متراً مكعباً في السنة، أي بما يعادل 2% من المتوسط العالمي و14% مقارنة بمعدل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، علماً بأن الحدّ الأدنى لكمية المياه الضرورية للشرب والغذاء هي 1600 متر مكعّب في السنة. وتعاني كلّ من سوريا والعراق من شحّ الموارد السطحية، والتي تعتبر فيها مياه نهريّ دجلة والفرات إحدى أهمّ المنظومات المائية، بسبب عدم تطبيق الجانب التركي للمبادئ الأساسية في اقتسام المياه المشتركة، واتفاقيات القواعد الدولية، وخصوصاً بعدما أقدمت تركيا على إنشاء عدد كبير من السدود وشبكات الري على نهريّ دجلة والفرات في إطار "مشروع الغاب"، وهو مشروع جنوب شرق الأناضول (سد أتاتورك) ويشمل إنشاء 19 محطة لتوليد الكهرباء و22 سداً في أعالي نهر الفرات بكلفة إجمالية تقدّر ب 30 مليار دولار. أما لبنان فيعاني هو الآخر من أزمات مياه عدّة تتمثّل بتغيّر المناخ، وضياع الثروة المائية في البحر، وكذلك التلوّث الذي يصيب نهر الليطاني، وقلّة محطات تكرير الصرف الصحي، والمكبّات العشوائية الممتدّة على طول الساحل اللبناني والاستنزاف العشوائي للمياه الجوفية.