رأسان، أحدهما ذو شعر أسود بدأ الصّلع يأكله وآخر اشتعلفيه الشيب بكامله. بينهما يظهر وجه القاضي بسمرته الخفيفة وملامحه الصارمة، تقابله عيون الزوجات و الأبناء، حائرات، تكاد تنطق دمعا. المتهمون في هذه القضية، المحالة أمام الدائرة الجنائية للمحكمة الإبتدائية بتونس، ثلاثة : زين العابدين ولد الحاج حمدة بن علي (الهارب طبعا)، خالد القبي (في حالة إيقاف) و والي بن عروس السابق (بحالة سراح) لتهمة مؤسسة على أساس أحكام الفصل 96 من المجلة الجزائية، يكون بموجبها المتهمان الأول و الثالث فاعلان أصليان لاستغلال صفتهما ضمن مؤسسات الدولة لاستخلاص فائدة لصالح رجل الأعمال المعروف. وتعود الوقائع إلى سنة 2005 و بعد أن اعتزم السيد القبي إنشاء مشروع ضخم بمنطقة المحمدية من ولاية بن عروس، اشترى أرضا تبلغ مساحتها مائة هكتار تقريبا و أراد تغيير صبغتها من فلاحية إلى صناعية. تقدّم حينها بطلب في ذلك إلى الإدارات المعنية و جوبه طلبه بالرفض. فراسل المعني بالأمر وزارة الفلاحة التي كونت في 2007 فريقا لمعاينة الأرض و يصدر تقريرا مفاده أن الأرض لا يمكن أن تصبح صناعية لما لها من مردودية فلاحية عالية من جهة و لما لها من تأثير على مخزون المياه من جهة أخرى. استنادا على هذا التقرير أصدر السيد محمد الحبيب الحداد وزير الفلاحة حينها قرارا برفض تغيير صبغة الأرض. فتوجه على إثر ذلك إلى وزارة الصناعة وقابل السيد عفيف شلبي، الذي كان على رأسها حينها، ليصدر في جانفي 2008 أمر عن رئيس الدولة باقتراح من وزير الفلاحة، يقضي بتغيير صبغة الأرض و كان من بين الشكليات الضرورية أن يمضي الوالي الوثائق المتعلقة باجراءات إتمام هذه العملية. "عبد العزيز بن ضياء أفاد أنه تدخل لفائدتك لدى وزير الفلاحة سنة 2007، كذلك أكد المنجي صفرة على الحظوة التي كنت تتمتع بها لدى الرئيس، ما ردّك على هذا الكلام؟" سأل القاضي المتهم خالد القبي. "لو كان هذا الكلام صحيحا سيدي القاضي لما بقيت كل هذه المدّة للوصول إلى مرادي ؟ " ثم توجه القاضي بالسؤال إلى المتهم الآخر بنبرة تهكمية :" لماذا أمضيت على قرار تمكين القبي من الأرض؟ كنت تخاف أن تخسر منصب الوالي ؟" فأجابه بصوت مرتبك :" نعم، وزيرة التجهيز كانت تسلط علي ضغوطات و تهددني دائما بخصوص هذا الملف" المحامون كانوا قد تجاوزوا العشرة، أغلبهم متطوعون للدفاع عن المتهم خالد القبي. المرافعة دامت ما يقارب ثمانية ساعات أو اكثر تطرق فيها الدفاع لمختلف التفاصيل و الحيثيات التي يمكن أن تؤسس منفذا نحو براءة لم يجد لها طريقا سوى الوالي السابق لبن عروس الذي حكم في حقه بعدم سماع الدعوى أما المتهمان الآخران فقد حكم على بن علي بخمس سنوات سجنا و على خالد القبي بعامين مع خطية ستة ملايين دينار لكل منهما. حكم لا يبقى لخالد القبي بموجبه سوى بضعة أشهر أخرى يقضيها في السجن ثم يرى نور الحرية مجددا، فقد كان محتجزا لمدّة قاربت عاما و وتسعة أشهر .