تثير حملة المناشدات التي بدأت تشهد حلقاتها تصاعدا متواترا منذ الجلسة الختامية للجنة المركزية للتجمع في اوائل جويلية الفارط مسالة استغباء الشعب التونسي و سلب إرادته و الذي افرز أجيالا مذعورة مترددة خائفة على مستقبلها و هذه الحالة أشاعت مناخا من العقم و الخواء و الخصاء الفكري الفردي و الشعبي لصالح فحولة السلطة . و في هذا المناخ السلطوي المتغول افتقدت السلطة خطابها المقنع كما افتقد الخطاب الثقافي المنضوي تحت جناح السلطة مصداقيته لأنه أصبح خطابا إنشائيا و انفعاليا مغلقا على ذاته يعاني من التبعية و ترسخ شهادة الزور فيه. إن تورط عدد من المتثاقفين و السياسين و الفنانين في الدعوة لخرق الدستور من جديد هو استهتار بنضال الشعب التونسي الذي ناضل عبر حقب تاريخية متعددة من اجل دستور تونسي يضمن له حرية اختيار من يحكمه. ان هؤلاء المزايدين المدعين الطهارة و العفة يقبضون من تحت الطاولة من هذا النظام او ذاك مقابل تبرير سطوة الحاكم و تجبره. ان مثل هؤلاء ممن امضي على وثيقة العار التي تدعو إلى الاستهانة بأحقية الشعب التونسي في حرية اختيار من يحكمه عبر احترام الدستور يسهلون مأمورية النظام الاستبدادي و المتمثلة في خنق الحريات و كسر كل إرادة للتغيير و قمع أية محاولة للتجديد و السعي إلى الحيلولة بكل الأساليب و الوسائل دون نشر الفكر المستنير المتحرر الذي من شانه أن يمهد السبيل أمام التحول الديمقراطي. حملة المناشدات و التي بدأت وتيرتها تتصاعد تبشر برئاسة مدى الحياة ، تبشر بحقبة جديدة من القمع و الاستبداد و مصادرة حق الشعب التونسي في حياة ديمقراطية ، حرة يشعر فيها بإنسانيته و كرامته. وثيقة الالف هي خطوة مدروسة من السلطة الاستبدادية و اجهزة اعلامها و من والاها من جلاوزة القلم و وطاويط المعرفة ممن يقدمون للشعب اشباه حقائق و انصاف مفاهيم ليستروا عورات هذا النظام و يبرروا جرائمه و عدم شرعيته . ان مناشدة بن على للبقاء في الحكم شروع في جريمة تعديل الدستور من جديد ، و من المفروض ان تحاكم على اساسها المجموعة، هي دعوة للانقلاب على ارادة الشعب الذي من حقه اختيار من يحكمه بعيدا عن منطق الوصاية و الحسابات السياسية. ان التمديد لبن علي هو تمديد للاستبداد و القهر و الظلم ، هو استبلاه جديد للشعب التونسي رغم ما بلغه من وعي، هو قتل للامل الذي ننتظره منذ نصف قرن من اجل ان نتمتع مثل باقي شعوب المعمورة بحياة سياسية تحترم الذات الإنسانية و الحقوق الأساسية للإنسان. ان مثل هذا النظام لم يزرع في هذا الشعب إلا ثقافة اليأس و التي بدأت تتحول الى ثقافة التحدي ، تحدى الخوف الذي زرعته فينا الة القمع في سنوات الجمر و تحدي الماكينة الأمنية الرهيبة إن قناعة شعبنا أصبحت تؤمن ان المبدأ الوحيد للشرعية السياسية هي الديمقراطية و لا غير الديمقراطية فهي اضمن للنماء الاقتصادي و التطور الاجتماعي و الارتقاء الفكري و للحيلولة دون الانزلاقات و الفلتان الأمني الذي يمهد للعنف و الصراع الدموي و الإرهاب كل الأمل موكول الى شعبنا لرفض هذه المسرحيات السئية الإخراج و قدرته على المقاومة السلمية لرفض كل أشكال الوصاية و الفساد اللذان يعملان جنبا إلى جنب من اجل ضمان استمرارية الاستبداد و السعي الى تمكينه من إحكام السيطرة على المجتمع و خنق قواه الحية عبر تجريدها من كل وسائل مقاومتها المدنية و ليغدو بذلك الفساد شرطا لاستمرار الاستبداد. لا أمل لي شخصيا في المعارضات التي يحفل بها مجتمعنا ، فهي معارضات ممزقة لا تقوى على حماية صفوفها و لكن كل الأمل في الوعي الشعبي الذي بدا يلوح و بدا يفرض خياراته رغم تغول و توحش السلطة لذلك فلا سبيل إلا احترام قواعد اللعبة و ترك الشعب يمارس حرية ناضل من اجلها منذ بداية القرن العشرين، و كفي تلاعبا و استغفالا لشعب اثبت انه شعب المناسبات الكبرى،وحينها سيكون حساب الظلم عسيرا و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.