عندما ترى دماء الأبرياء تسفك أمام أنظار العالم والجميع يتفرج بدم بارد… عندما ترى أشلاء الأطفال والشابات والشبان تتطاير في الفضاء والعالم ساكن .. عندما ترى المنازل والمدارس والمستشفيات تتحول إلى مقابر جماعية ولا أحد يتحرك ولا أحد يرف له جفن… عندما ترى مخلوقات تشبه الآدميين وهي تتلذذ بتسوية مدن بأسرها بكل سكانها بالأرض باسم الدفاع عن الوطن ؟؟؟ وترى نفس تلك المخلوقات وهي تنتشي وهي تنزل ألوانا من العذاب بأطفال وشيوخ ونساء ولا من مغيث … عندما ترى كائنات تشبه الآدميين وهي تتباهى بقطع الرؤوس وبقر البطون والأكل من الأكباد والقلوب بزعم إعلاء القيم وإقامة الدين ؟؟؟ فاعلم أنك في عالم الوحوش… عالم قد نزع كل صلة له بعالم القيم والحضارة والإنسانية والمثل ..عالم ساد فيه الشر والطمع والغرور والهمجية.. إنه عالم مصاصي الدماء… ولسائل أن يسأل: ما هي فائدة كل ذلك الذي يطلق عليه تقدم تكنولوجي وعلمي و"حضاري"… ونحن نرى كيف تستباح الذات البشرية بذلك الشكل البشع من طرف تلك الآلات والاختراعات التي تعد الأكثر تقدما وأكثرا تطورا من الناحية التقنية والهندسية والتكنولوجية ؟؟؟ طائرات وغواصات وصواريخ ورادارات وأجهزة تنصت ومناظير ليلية وأقمار صناعية وقنابل حرارية وكيميائية وفسفورية وانشطارية وفراغية وذرية…. ولم كل هذا ؟؟؟ إنها كلها من أجل تدمير الإنسان والإنسانية وبسط هيمنة مصاصي الدماء على العالم وإخضاع لكل شيء لمصلحتهم … إنه لو طلب من نفس تلك الدول التي تنفق كل تلك المليارات على القتل والتدمير وسفك الدماء أن تقوم بتقديم كل تلك الأموال أحتى جزء منها لمساعدة المعدمين والمستضعفين في الأرض ممن لا يجدون حتى ما يسدون به الرمق.. لرأيت نفس تلك الجهات والدول تتحدث عن الكساد الاقتصادي والضائقة المالية والعجز عن تقديم أي عون مهما كان بسيطا ومتواضعا للفقراء … أما عندما يتعلق الأمر بالتقتيل والتدمير وسفك الدماء فإن الموارد تصبح متوفرة وترى المليارات بل البليارات تنفق بسخاء وعن طيب خاطر من أجل نشر الموت والفناء ومحو مدن ودول بأسرها من الوجود… فعن أي تقدم وعن أي تطور وعن أي حضارة تتكلمون ؟؟؟ الغريب أن العالم كل العالم بديمقراطياته العريقة؟؟؟ ودوله المتحضرة؟؟؟ وعالمه المتقدم؟؟؟ وأممه المتحدة وحتى غير المتحدة؟؟؟ يريد أن يفهمنا أنه عاجز عن وقف تلك المجازر وتلك المذابح في حق الأبرياء ؟؟؟ و نحن هنا لا نتحدث ولا نسمح لأنفسنا بالتحدث عن تلك "الدويلات" الهامشية التي لا وزن ولا قيمة لها في تشكيل النظام العالمي وتحديد صوره .. وإنما نحن نتحدث عن الدول المهيمنة والمسيطرة والتي تقدم نفسها على أنها حامية الإنسانية وحقوقها والساهرة على صيانة كرامة البشر وضمان السلم والأمن والرفاه في العالم والمبشرة بقيمها التي تعتبرها قمة التفوق الحضاري للكائن البشري عبر كل الأزمان…إنهم حقا في منتهى الدناءة والوحشية وانعدام الأخلاق والقيم… إنهم يقتلون القتيل ويمشون في جنازته… إنهم يريدون إقناعنا بأنهم يبذلون كل ما في وسعهم لإيجاد حل لتلك المجزرة المروعة… ثم يوهمون العالم أو هكذا هم يعتقدون من خلال سناريوهاتهم الهليودية المتقنة الإخراج أن يظهروا للعالم أنهم برءاء من كل ما يحدث وأنهم يقومون بما هو مطلوب من أجل المساعدة… اجتماعات وزيارات ووساطات وتصريحات واتفاقيات ومفاوضات وقف إطلاق نار وهدنات ومشاورات ومحادثات وتوافقات تنقل وقائعها عبر شاشات العالم ويتجند لترويجها الآلاف من الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة … ووفود تروح ووفود تأتي… تهديد ووعيد… ترهيب وترغيب… ولكن وفي نهاية المطاف لا شيء يحدث على الأرض… فكل ذلك الهرج والمرج والضوضاء ليست سوى مسرحية من أجل تزييف حقيقة ما يحدث وحقيقة ما يخطط له وما تم الاتفاق عليه بين قادة وزعماء العالم من وراء عدسات الكميرا من حيث لا يسمح لأحد بأن يطلع عليه.. إن حقيقة اتفاقهم هو الرقص على أشلاء الأبرياء… والشرب من دمائهم حتى الثمالة من أجل أن يستمر مصاصوا الدماء في البقاء والهيمنة والخلود إلى الأبد… فمصاصوا الدماء هو من جنس أرقى من بقية الأجناس إنه من جنس المخلدين… بينما الآخرون فإنهم مجرد فرائس من جنس الفانين … أرض حلب أصبحت مفروشة بالأشلاء ومروية بالدماء… والكبار "كبار العالم وأسياده" يواصلون شحذ سكاكينهم فمازال موسم الحصاد مستمرا عندهم وما زال هناك الكثير لجنييه… بينما الأغبياء والجهلة والحمقى عندنا وعند من يشبهوننا يتنازعون… ويصطفون… ويتشيعون… ويتحيزون … في غباء منقطع النظير… إما لهذا الطرف أو لذاك الطرف .. ويصل بهم الأمر حد العداوة والسباب والعراك والاقتتال… – من حق الدولة أن تدافع عن وجودها من أجل بقائها… ومن حق الجيش أن يحارب الغزاة… – من حق الشعب يثور على النظام الفاسد… ومن حقه أن يحمل السلاح في وجده الحاكم المستبد إذا ما استخدم العنف والقمع ضده … إنه من حق الشعب المظلوم أن يحارب النظام… . – ولكن ألا تريان أن الأبرياء من المدنيين هم من يدفعون الثمن من دمائهم وأرواحهم وأن المعركة لم تعد اليوم معركتهم ؟؟؟ – كل حرب لا بد أن تكون لها خسائر جانبية… – أنا في هذه أتفق معك… – يا لكما من وحشين مجرمين أتعتبرون موت مئات الآلاف من الأبرياء وتشريد الملايين وتدمير حياتهم خسائر جانبية… حقا أنتما وجهان لعملة واحدة؟؟؟ الكل يتقاتل في سوريا اليوم … والخارج هو من يسلح ويجيش ويؤجج نيران الحرب .. والكل يتحدث على أنه المنتصر… ولكن الضحية الوحيدة هي الشعب السوري الذي أغلقت في وجهه كل الأبواب… حتى أبواب الهروب من الجحيم الذي فرض عليه ليجبر على الموت إما تحت البراميل المتفجرة أو تحت الصواريخ الروسية أو بفصل رأسه عن جسده بحد السيف… وكأن الجميع متفق اليوم على أن الحل في سوريا هو بإبادة الشعب السوري وتدمير بلده وبذلك تنتهي المشكلة… الأكيد أن تدمير سوريا ليس سوى حلقة في مسلسل طويل من التدمير في المنطقة … لأن كل المؤشرات تؤكد على أن موسم الحصاد عندهم مازال مستمرا وأن رؤوسنا وأوطاننا هي محصولهم وغلتهم… فلا تتخاصموا ولا تتعاركوا يا أنصار الدمى من هنا وهناك ..على هوية المجرم والضحية في تلك المذبحة التي تعيشها بلاد الشام والتي تستباح فيها الإنسانية… فإن الدور قادم عليكم .. وإن غدا لناظره قريب…