اليوم: آخر أجل للانتفاع بالعفو الجبائي على العقارات المبنية    مرصد المرور يُحذّر التوانسة: لا تتجاوز حدودك الليلة، حياتك وحياة الآخرين أولوية    عاجل: أوّل المدُن التي تستقبل سنة 2026    مصر تأمل في استضافة كأس أمم إفريقيا في آخر نسخة بالشكل القديم    النادي الإفريقي: مليار ونصف مهر نجم الفريق    محكمة الاستئناف تؤيّد الحكم بسجن القيادي بحركة النهضة الصحبي عتيق 15 سنة    وزراء خارجية 10 دول يعربون عن قلقهم البالغ إزاء تدهور الوضع الإنساني في غزة..    مصالح الحماية المدنية تقوم ب 427 تدخلا خلال ال 24 ساعة الماضية    شنُوّا صار؟ علاش تقرّر فرض ترخيص مسبق لكلّ طبيب قبل الظهور الإعلامي؟    مباراة ودية: الإتحاد المنستيري يفوز على نادي حمام الأنف    حصيلة أبرز الأحداث الرياضية لسنة 2025 ... (الثلاثي الرابع)    بعد تعادل المنتخب مع تنزانيا: حنبعل المجبري يعترف..    عاجل/ حجز 1.2 مليون دينار وإدراج مشتبه به في الصرافة بالسوق السوداء بالتفتيش..    عام 2026: شوف رسائل التهاني بين التوانسة    السنغال تتصدر المجموعة الرابعة بكأس الأمم الأفريقية رغم طرد كوليبالي    علاش العالم الكل ما يحتفلش برأس السنة نهار 1 جانفي؟    زهران ممداني يؤدي اليمين الدستورية عمدة لنيويورك    يهمّ التوانسة: المتحوّر ''K'' لا علاقة له بفيروس كورونا    عاجل : كل ماتحب تعرفوا على ماتش تونس ضد مالي في ثمن نهائي كان 2025    البنك المركزي يقرر التخفيض في نسبة الفائدة المديرية إلى 7 بالمائة    توقيت استثنائي لعمل الهياكل التجارية للبريد التونسي اليوم الاربعاء 31 ديسمبر 2025    ياسمين الحمامات: استعدادات مكثفة لتأمين عطلة رأس السنة وتوقعات باستقبال 12 ألف زائر    كاس امم افريقيا (المغرب 2025) : برنامج مباريات اليوم الاربعاء    لماذا تعلق الأغاني في أذهاننا؟ العلم يفسّر 'دودة الأذن'    سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك..ما القصة؟!..    وزارة الفلاحة تحذر المسافرين من نقل النباتات أو المنتجات النباتية في الأمتعة... التفاصيل    زيلينسكي مستعد للقاء بوتين "بأي شكل".. ويريد نشر قوات أمريكية ببلاده    طقس اليوم: أمطار رعدية ورياح قوية    مجلس الوزراء السعودي: نأمل أن تستجيب الإمارات لطلب اليمن خروج قواتها من البلاد خلال 24 ساعة    نهاية حقبة الرسائل الورقية.. الدنمارك أول دولة أوروبية توقف البريد العام    تركيا تستعين بألمانيا في التحقيق بتحطّم طائرة رئيس الأركان الليبي    الترفيع في السعر المرجعي لزيت الزيتون البكر الممتاز    مهرجان المسرح الكوني للطفل بباب سويقة...إقبال كبير للجمهور في الدورة 19    أخبار المال والأعمال    أولا وأخيرا .. بو كبّوس و بو برطلّة    المعهد الوطني للرصد الجوي: خريف 2025 أكثر دفئًا من المعدّل لكنه أقل حرارة مقارنة بالفصول السابقة    الليلة: أمطار مع رياح قوية بهذه الجهات    سلسلة عروض جديدة لمسرحيات "جاكراندا" و"الهاربات" و"كيما اليوم" مطلع العام الجديد    مختصّة في طبّ الشيخوخة: عزلة كبار السنّ خطر رئيسي يرفع نسب الاكتئاب والوفيات المبكرة لديهم    قابس: نسبة إشغال الوحدات السياحية بطماطة وتوجان وتمزرط تتخطّى ال90 بالمائة بمناسبة العطلة المدرسية ورأس السنة الادارية    عمادة الأطباء تشدد على ضرورة الحصول الأطباء على ترخيص مسبق قبل أي ظهور إعلامي    زغوان: حجز580 كلغ من العسل وأكثر من 700 كلغ من المرطبات    زياد دبّار: قطاع الصحافة في تونس منكوب اقتصاديّا و80 بالمائة من المؤسسات مهدّدة بالغلق    إعطاء الطفل هاتفاً قبل هذا العمر مضر جداً.. دراسة تفجرها وتكشف حقائق خطيرة..    عاجل: هذا موعد الأيام البيض لشهر رجب    عاجل/ في أول تصريح لها: والدة الطفلة التي دهستها حافلة قرب شلالات بني مطير تكشف..    شركة عجيل تنتدب عدّة إختصاصات: سجّل قبل 20 جانفي 2026    أفلام عربية متفوّتهاش ليلة رأس العام    كونكت تطالب وزارة التجارة بتخفيض سعر القهوة وتحذّر من سيطرة المهربين على القطاع    عاجل: شهر رمضان يتكرر للمرة الثانية في عام واحد    تونس من بين الدول المعنية به..تعرف على موعد أطول حالة ظلام دامس بالأرض خلال قرن..    راس العام في الدار؟ هذي أفلامك باش تضحك وتفتح العام الجديد بالفرحة    حضور مميز لمندوبية التربية بجندوبة في احياء الخط العربي    عاجل/ خلال لقائه وزير الفلاحة ومدير ديوان الزيت: رئيس الدولة يدعو للتصدي لهؤلاء..    ڤريب الشتاء: كيفاش تتعدى، قدّاش يدوم، ووقتاش يلزم تمشي للطبيب؟    «صاحبك راجل» في القاعات المغربية    مع الشروق .. التاريخ يبدأ من هنا    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجه الخفي لغمراسن : تراث مهدور وموروث منتهك

تعتبر البلاد التونسية من بين أثرى بلدان العالم تراثا و من أكثرها مواقع تاريخية حيث لا تكاد تخلو ولاية من ولاياتها و لا مدينة من مدنها من موقع تاريخي أو معلم أثري شهير. لعل معتمدية غمراسن بولاية تطاوين من أكثر المناطق ثراء و تنوعا إذ تتميز بتعدد المواقع الأثرية و عراقة الحضارات التي مرت بها و قدمها و تنوع الآثار و المعالم التي تتميز بالتفرد و الندرة مما يجعلنا نعتبرها دون مبالغة نموذج مصغر عن تاريخ تونس حيث نجد بها:
. مواقع الجيولوجية التي تعود لمئات ملايين السنين و التي اكتشفت بها بقايا لهياكل عظمية للدينصورات و حيوانات بحرية و نباتات متحجرة تعطينا لمحة عن تاريخ التكون الجيولوجي و فكرة عن تطور الكائنات الحية.
. رسوم جدارية داخل مغارات و ملاجئ صخرية رسمها الإنسان البدائي خلال العصور الحجرية منذ ما يقرب من 6000 سنة يجسد من خلالها مشاهد من حياته اليومية كالصيد و يعدد بها الحيوانات التي عاشت في تلك الحقب في الجنوب التونسي من زرافات و فيلة و غيرها.
. تحصينات عسكرية و ضيعات فلاحية و منشئات مائية تعود للحضارة الرومانية يعود تاريخها ل ما يزيد عن 2000 سنة و لعل أبرزها على الإطلاق بقايا حائط حدودي تتوسطه بوابة يفصل بين الأراضي المرومنة و بين القبائل غير الخاضعة للرومان و يمثل جزء من « Limes Tripolitanus » أو الحدود الجنوبية للإمبراطورية الرومانية التي تمتد من ليبيا إلى الجزائر مرورا بتونس.
. عديد القرى البربرية التي شيدها الأمازيغ على قمم الجبال منذ قرابة 1000 سنة و نحتوها في للجبل لاتخاذه سكنا و حصنا من الغزوات, لعل من أبرزها و أكثرها حفاظا على طابعها المعماري قرية قرماسة. إضافة إلى القصور الجبلية و السهلية التي بنتها القبائل العربية منذ بضعة قرون و تتميز بالعظمة و الدقة و تحدي الزمن من أجل اتخاذها كحصون و كمخازن للمنتجات الفلاحية.
كل هذا الموروث الحضاري الثري عددا و المتنوع شكلا و كيفا و الفريد نوعا يعاني من النسيان حيث أن القليل من أبناء الجهة يعلمون بتفاصيله و خاصياته و يعاني من الجهل و التجاهل من مؤسسات الدولة كما يعاني خاصة من الانتهاكات التي تعددت و تنوعت بدورها حسب نوعية التراث و حسب فئة المنتهكين إذ يمكن التمييز بين نوعين من الانتهاكات:
. النوع الأول انتهاكات قام بها مواطنون حيث ان غمراسن كبقية مدن الجمهورية و جهاتها شهدت تطورا كبيرا في عمليات البحث عن الكنوز التي كانت حكرا على بعض المتنفذين من النظام السابق و العصابات التي كانت تحتكر التنقيب و تقوم به تحت غطاء من مؤسسات الدولة و أجهزتها و الآن أصبحت في متناول الجميع شيبا و شبابا فرادى و عصابات ولم يسلم منها ولو موقع واحد كما أن التنقيب يتم بصفة عشوائية دون معرفة بطبيعة الموقع أو إمكانية احتوائه على كنوز من عدمها و ليس لها حدود حيث طالت القصور و القرى الجبلية بهدف سرقة ما بها من أدوات تراثية, و شملت المواقع الرومانية بهدف استخراج الكنوز أو منحوتات و قطع نقدية و لم تستثنى حتى حرمة الموتى في مقابرهم أو الأولياء الصالحين في زواياهم.
وقد نجد لهذه الممارسات تفسيرا و لكنه قطعا ليس تبريرا يتمثل في الطمع و الرغبة في الثراء السريع و عدم الوعي بالقيمة التاريخية و الحضارية لهذه المواقع. لكن ما لا يمكن تفسيره و لا قبوله هو ما يتناهى إلى مسامعنا و ما خلصنا إليه بحكم تجربتنا في جمعية صيانة التراث بغمراسن من تهاون من السلط المحلية و الجهوية في مقاومة هذه الظاهرة و هو تهاون يصل في بعض الحالات حد التواطؤ و المشاركة.
. أما النوع الثاني من الانتهاكات فهي انتهاكات لطالما قامت بها الدولة بنفسها من خلال المؤسسات العمومية و لازالت تقوم بها إلى حد الآن حيث لم يكفها التقصير في حماية التراث و صيانته و استغلاله في التنمية السياحية و الثقافية بل تجاوزت إلى انتهاك المعالم من أجل إقامة مشاريع عمومية في بعض الأحيان غير ذات جدوى أصلا و الأمثلة على ذلك عديدة :
– في الثمانينات من القرن الماضي إقامة محطة للإرسال الإذاعي تحتوى حاملا ضخما للهوائيات " Pylône " يتجاوز 80 متر ارتفاعا في ساحة القصر الأثري بالرصفة و قد تم إزالة بعض الغرف لأجل بنائه.
– في أواخر التسعينات إزالة حي أثري بأكمله يحتوي مئات من الغرف و الغيران السكنية و معاصر الزيتون ويقع في سفح جبل ابن عرفة ضمن قصر بوغالي الذي يعود تاريخه لما يقارب 1000 سنة حيث قامت البلدية آنذاك بسحقها بالآلات الجارفة " Beldozeur " من أجل إقامة مشروع منتزه وهمي لم يرى النور إلى اليوم.
– في شهر ماي 2016 إزالة غرف و معصرة زيتون في حي زغدان في نفس الموقع من قبل مقاول أشغال عامة من أجل بناء مدرج يصعد إلى قمة الجبل حيث جامع الإمام ابن عرفة الورغمي فالهدف من المشروع تثمين الموقع الأثري لكن و يا للمفارقة فالوسيلة هي هدم جزء من نفس الموقع و كل هذا ضمن مشروع التنمية المندمجة الذي تشرف عليه مصالح وزارة التنمية بالجهة بتمويل منها.
– في شهر نوفمبر 2016 إزالة جزء من البوابة التي تمثل جزءا من حدود الإمبراطورية الرومانية و ذلك من أجل تعبيد طريق فلاحية و رفع الحجارة المكونة للحائط من طرف المقاول و ذلك تحت أنظار و بعلم من إدارة التجهيز و الإسكان و دون أي تدخل منها.
– في نوفمبر 2016 إزالة غرف أثرية في قلب قصر بغالي من قبل بعض المواطنين لإقامة و حدات سكنية عصرية و ذلك بتمويل في إطار المساكن الاجتماعية بعلم من المعتمدية و البلدية التي أصدرت قرار هدم لكنها تتلكأ في تنفيذه بحجة الحالة الاجتماعية الصعبة للمنتهكين مما يشجع المواطنين على احتلال الغرف و هدمها و بناء مساكن عصرية مكانها.
لئن كان النوع الأول من الانتهاكات يعبر عن جهل المنتهكين و جشعهم فان النوع الثاني يدل على لامبالاة و استهتار السلط الجهوية و الإدارات العمومية و القائمين عليها بالتراث و الآثار و عدم كفاءتهم و عدم حرصهم على احترام اثار تونس و موروثها و الحضارات المكونة لهويتنا و مصدر فخرنا و اعتزازنا و تميزنا.
أمام هذه الانتهاكات التي ترقى إلى حدود الجرائم في حق تونس و حضارتها لم تقف جمعية صيانة التراث بغمراسن مكتوفة الأيادي بل قامت بتوثيق هذه الانتهاكات و الاحتجاج لدى السلط المحلية و الجهوية من أجل حثها على التدخل و وضع حد لها و محاسبة مرتكبيها و ووضع برامج و إيجاد تمويلات من اجل صيانتها و حمايتها إلا أنها كانت في كل مرة تلقى وعودا و تطمينات و تظاهرا بالاهتمام و القلق لكن و كما قال الشاعر: قد أسمعت إن ناديت حيا لكن لاحياة لمن تنادي.
عمر غراب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.