الأستاذ الشيخ محمد الحبيب السلامي كرموه في سهرة يوم الإربعاء 14 جوان 2017، وليت المكرَّم يجمع إبداعه المتنوّع والخصب والممتدّ في الزمن مشفوعا بُطرَفِه الهادفة والذكيّة. وذاكرته نشطة وتغالب فعل الزمن. أيّها السادة والسيدات، أحييكم شاكرًا، ويسعدني أن أكون بينكم مكبِرًا ومُجِلاً من كان وما يزال قطبا فكريّا وثريّا وعميقا ومتنوع المعارف. إنْ إرتجل أبدع وأقنع وأفاد، وإن كتب وبحث أفصح وأبان وهدَى وأرْشد. صلتي به (أمدَّ الله في أنفاسه) تتجاوز العقود. لقد جمعتني به نشاطات ثقافية عديدة ومتنوِّعة. كنتُ وإياه نرعى أسبوعيا نشاط نادي القصّة والشعر بمدينة صفاقس، ونذيع كل أسبوع ما عرفَتْه تلكم المدينة من ألوان ثقافية. والتعريف بالكتب كان قاسِمًا مشتركًا بيننا، وقد جمعت بيننا عضوية اللجنة الجهوية للثقافة بصفاقس. ولاجتهاداتنا الجادّة والمنتظمة والمتنوّعة التفت حولنا مجموعة طيّبة من الشبان والشابات، والمؤلم أن البَعْض ممن جمعتنا بهم الكلمة الهادفة الرشيدة أصبح يتجاهلُنا الآن، لكن الأخيار منهم مازالوا يلقوننا بالتحيّة وباستحضار الماضي الجميل. ما بَاح به قلمُ الأستاذ لا يقوّم بالحجم أو بالوزن أو بالعدِّ إنما بالثراء والتنوع، وكتبه وغيرها مما أذيع أو نشر أصدق شاهد على ذلك، إنتاجه الغزير يُقوّم بالخصوبة والموضوعية والرشاد وعمق القِيم. شدتني وتشدني إليه ذاكرتُه النشطة والمعْطاء، إن عالج قلمُه قيَما دينيّة يزيدها السلاسَة والنّبْل والجدوى والوُضُوح.. بالاستفادة من الجلوس إليه مصغيا ومحاورًا تألّفت وتعمّقت العشرة بين الأُسرتين. إنّ ثراء معارفه وتنوّعها وتجذّرها.. جعلته أفضل من صادفْتُ حتّى بات مرجعا أعود إليه مسترشدا عن مسائل ومعارف قد غابت عنِّي أو راودني الشك في الإلمام بها. كنت استفتيه في الكثير من القضايا التي قد لا أثق في صحتها إلا بعد أنْ أراجعَه فيها. وكم كانت مكتبتُه الخاصة متنوعة، ولثرائها كانت مقصدي فألوذ بها باحثا عن موقف عن معلومة. وكثيرًا ما يُعيرني منها مرجعا يستنير به فكري ويُجْلِي ما أبحثُ عنه. الفضل كل الفضل لسعيه الجاد والمخلص والبعيد عن حب الظهور والريبة والشك في دعمه –عقودًا- لجمعية القاصرين عن الحركة العضوية بصفاقس فقد رعاهَا وما يزال. وإن كتَب أو أذاع أو حاور فغَايَتُه أن يحقق ما رسمه وسعى إليه. ولثقته ووفائه أحَبّه من عرفوه وآمنوا بصدق وبنبل مواقفه فاستجابوا لدعم مساعيه. الجرأة والإصْرار على إنجاز ما عزم عليه قولا أو فعلا… كم عرَّضَاه لأذى الحاقدين عليه ولوم اللائمين الحاسدين، ومهما فعلوا وأذاعوا وأعدوا من دسائس ومكائد فإنه يظل شامخا مردّدا قول الحق العليم : "يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم" (سورة المائدة الآية 54). وما نسيت ولن أنسى جدوى دوره التربوي الذي دام عقودًا.. فكم قدّم المعرفة الرصينة لتلاميذه في مجال اختصاصه، وختم تلك الرسالةَ التي اضطلع بها وأداها بنجاح ليصبح متفقدًا لأساتذة التربية وكان موفّقا في كل الأدوار التي أسندت إليه. هذه النشاطات العسيرة والشاقة ما شغلته أو ألْهَتْه عن الكتابة للنشر وللإذاعة.. ومنها ومن غيرها ألف الكتب ونشر الكثير منها ولا أحسبه إلا مُواصلا لما أحبّه ودأبَ عليه، ومهما أضنته تلك الأدوار فإن دعمه لجمعية القاصرين عن الحركة العضوية التي مازالت تتفيّأ بظلاله.. وقلمُه مازَال مَبْرِيًّا ومستعدًا (للنضال الفكري، وللإبداع). وبصدق وصراحة ونزاهة وموضوعية قد سعدت بالاشتراك معه في إصدار كتاب (أعلام من مجلة مكارم الأخلاق) وقد صدر عن دنيا للنشر والتوزيع بصفاقس في الثلاثية الرابعة من سنة 2010. وقلمه السّلس واللين والمسؤول والجريء مازال كريما ومعطاءً. وآخر ما وصلني منه –رعاه الله- ما صدر له بمناسبة صفاقس عاصمة الثقافة العربية. وحتى يجمعني به موقف أو رأي أو إنتاج جديد أتمنى له الصحة والسلامة ليواصل رسالته السامية والهادفة. إنّ نجاحات المحتفَى به وتكريمه يعود لإقباله المتواصل على كسب المعرفة وإثراء حصاد فكره وصَرير قلمه، وحوله كتابٌ وصحيفة وقلّ أن يغيبا عنه، ووارد أن تكونا أكثر. وزوجته الكريمة المصون تشد أزره وتدعمه وتؤنسه بالحضور مستجيبة لقولهم: (وطن المرأة زوجُها) ويقول الآخر: (كل شيء حسن وجميل حولي، هو من صُنع زوجتي) وأخالها تُردِّد سرًا قول لورالس: (المرأة هي الجسر الذي يعبر عليه الرجل، ليصل إلى مستقبله). ويدعم مسيرتَه بعد زوجته الكريمة أربعة أبناء كرام بررة يشرفون به، ويُبادلهم بالمحبة وبدعاء الخير ويُسعده وزوجته أن يعيشا أفراح لأحفاد. وحلمي أن تظل الكلمة الهادفة تجمعنا.