عندما وطأت قدماي أرضًا لم تطأها منذ سنين طوال..إنتابني شعور غريب وكأنه الحنين والشوق لزمن جميل قد مضى…لم تعد الأرض هي الأرض ..كأنها تبكي حال أهلها..فقدت زخرفها بعد ان فارقنا الطيبون من أهلها ..بالأمس كنت أمازح جدتي في صغري بالقول أنها اصبحت تنافس ديوان الحبوب لوفرة محصول الشعير الذي جنته في ختام موسم الحصاد..لا أدري أين ذهب كل ذلك الخير …حقًا انفطر قلبي لما آلت إليه حال أرض الأجداد..قرقنة خاوية على عروشها…لا فلاحة بحرية ولا زراعة ..لم أجد المكان الذي كنت أعشقه في الصغر كأني غريب عنها …لم يبقى من النخيل سوى أعجازها الخاوية التي لم تمنع زحف السباخ نحو أراضيها الخصبة لتحولها لجرداء قاحلة..قد يختلف حجم الدمار البيئي من مكان إلى آخر لكنه في الآخر سيضر بالتوازن البيئي الهش للأرخبيل بأكمله..جزيرة قرقنة تتوفر على مخزون بيئي وطبيعي ثري فالنخيل هو موروث حضاري وثقافي كطابع مميز لهذه الجزيرة" الواحة" والبحر هو شريان الحياة لأهالي الجزيرة ..فالصيد التقليدي" بالشرفية" و"الدماسة" فخر البحار القرقني الأصيل الذي كان حريصا على الحفاظ على الثروة السمكية لهذه الجزيرة غير ان أيادي العابثين ضربت بهذا التوازن البيئي الفريد عرض الحائط ليقع استنزاف خيرات الجزيرة البحرية جراء الصيد" بالكركارة" حتى أن العديد من الأصناف البحرية أصبحت مهددة بال0نقراض وبالتالي أصبح مورد رزق الأجيال القادمة من سكان الجزيرة مهددا ..التلوث البحري هو أيضا من العوامل التي دمرت البيىئة البحرية في قرقنة من جراء الفضلات الصناعية لمعمل "،السياب في صفاقس" بالإضافة لإعتماد البحار على مادة البلاستيك القاتلة في صنع " الدراين" عوضا عن عراجين النخل صديقة البيئة ..للأسف لا أحد يهتم للجرائم البيئية التي ترتكب بحق هذا الأرخبيل الحالم الضارب في القدم والذي كان خزانا تجاريا هاما في العهد الروماني..قد تكون هذه الكلمات صرخة في وادي غير ذي زرع فلا السلطات قادرة على فعل الكثير لإنقاذ هذا الأرخبيل أمام عجزها عن التصدي للعابثين بقوت أبنائها ولا سكان الجزيرة مدركون للخطر الداهم الذي يهدد الحياة على جزيرتهم الحالمة..انقاذ المخزون السمكي من الانقراض رهين وعي البحار بأهمية الحفاظ على مود رزقه الوحيد من خلال تجديد المخزون السمكي عبر آلية الراحة البيولوجية وإحترام مواسم الصيد القانونية لكل صنف من الأصناف قبل فوات الأوان..بالنسبة لزحف السباخ لابد من تشجيع الأهالي على إعادة تشجير الأرخبيل وإستصلاح ما يمكن من الأراضي البور حتى تعود كما كانت في سابق عهدها جنة غناء يحلو فيها العيش ..