جميل أن أسمع منكم كلّ البلاغات التي تفتح الأمل وتقتحم مواقع الظل…جميل أن أراكم تصدّرون البيانات وتكتبون العرائض، وتبشّرون بالحرية والعدل وجمهورية تتسع لكل العباد…جميل أن أشاهدكم هنا وهناك في المنابر المسموحة والمواقع المكشوفة والأعمدة المفتوحة، تنتقدون أوضاع كل السياسات المعطوبة وتكتبون عن واقع الحال…جميل أن أسمعكم في الإذاعات وأراكم في الشاشات وأقرأكم في بعض الصحف والمجلات، تكسّرون حواجز الصمت وتُخَصِّبُونَ لغة الاختلاف والحوار… سادتي المعارضون جميل أن أشاهدكم تقودون معارك حقوقية حول رطوبة السجن وسوط السجّان…جميل أن يُحْكَى عنكم أنكم وقفتم ولا زلتم تقفون طوابير مرصوصة، لأجل نصرة حقوقيين أو إعلاميين أو محامين وقع عليهم الاعتداء في شوارع السياسة الحدباء…جميل أن تتسلل من حين لآخر بعض كتاباتكم التي تزيل اللثام عن واقع الرّعب وعن أنياب القهر المغروسة في الضمائر والأجسام…جميل أن ألمحكم هنا وهناك في بعض المحافل الدولية، والتجمّعات الحقوقية تلفتون الانتباه أنه يوجد عندنا سجونا ملآى بالمعارضين، عندنا محاكم تفتيش وجلادون ومخبرون وأنواع كثيرة من هذا القبيل…جميل أن أسمع عنكم أنكم كنتم لهذا الواقع ترفضون، وأنكم حققتم بعض المكاسب الحقوقية لبلدان يلوكها القهر وتمضغها سنوات القحط وتصفعها كل هذه الأعوام الجدباء… سادتي المعارضون جميل منكم كل هذه الأشياء الذي ذكرت وغيرها ممّا فاتني تعدادها أو ربما تلك التي نسيت، وجميل منّي أنا المواطن الذي ما عادت تستهويني الخطابات الثورية، ولا الرؤى الفضائية وما عاد يغريني تخصيب الكلام، كما لا تغريني كل الطروحات العذراء التي لا تلتحم بالأرض ولا تقترن بالأفعال، فقد علمني واقعي، علمتني تجربتي أن أومن بالفعل لا بالأقوال… سادتي المعارضون قبل الغوص في تسطير همومي المتناسلة، وقبل تفتيت ما يشغلني من قيض الكلام، ولكي لا أقتحم مجالسكم دون استئذان، استسمحكم في تقديم هوية أحزاني دون " روتوش " دون تزييف دون انتحال… فأنا سادتي المعارضون ذاك المواطن الذي يتعرّض يوميا للقصف البوليسي ولا أحد يكتب عن أحوالي، لا عرائض ولا إضرابات جوع تقام على نخبي ولا هم يحزنون…أنا المواطن الذي حوّلتني أنظمة بلادي العربية إلى " بائع مخدرات " أو إن شئتم بلغة السوق مشّردا على أرصفة الضياع في كل الأماكن التي تبيع وتشتري فواتير الموت فماذا أنتم لي تقدّمون…أنا المواطن الذي جعلت مني سياسة بلدي منفيا ممنوعا من رؤية عائلتي محروما من أطفالي بعد أن زجّ بي في مربّع التداين بالشيكات فماذا أنتم لي فاعلون…أنا المواطن الذي لا أساوي بصلة في بلدان غربية كثيرة غلا فيه شأن البصل حتى أصبحت أمنياتي "بَصْلِيَه" فأي حلّ لي تقترحون…أنا المواطن الكلب ابن الكلب كلما طالب بحقوقه الشرعية، فأيّ شيء لي تقدّمون… أنا المواطن الكادح في مصانع النسيج وكل أماكن التعب وكل مناطق الشغل التي تطحن الفقراء، والذين سحبوا مني مصدر رغيفي اليابس، وأحالوني على رصيف الجوع والحرمان فماذا أنتم لي فاعلون…أنا المواطن الفار من الاحتياج والبطالة، والمرتمي مغامرة في قوارب الموت وزوارق الخطر وبواخر العبور، وأنتم تجاه مأساتي هذه تتفرجون…أنا المواطن الذي أهان في اليوم ألف مرّة، وأنتم من أجلي لا تنتفضون… أنا المواطن الذي أصبح قدري أن أذلّ لأبسط المطالب التي يضمنها القانون…أنا المواطن المضطر دوما إلى البحث عن وسطاء من أجل استخراج جواز سفر أو وثيقة يكفلها الدستور…أنا المواطن الذي يخشى الدخول إلى مراكز الشرطة، كي أتحاشى كل ما يخدش الكرامة والشعور…أنا المواطن القابع تحت الجدران المتكوم في مقاهي الضياع ولعبة الورق، التي تنهب الأعمار وتفترس العقول…أنا المواطن "clandestin" المختبئ من البوليس، والمشرّد في العديد من البلدان الأجنبية وأنتم عن ملفي هذا صامتون…أنا المواطن الشاب الذي ضاع عمري دون زواج دون بيت دون مستقبل ودون بنين… أنا المواطن البحّار الذي ما عاد يمكنه اصطياد الأسماك في الشواطئ والبحار التي دمّرها التلوث وأنتم عن هذا الملف الحسّاس غافلون…أنا المواطن الريفي الذي يحاصرني الجفاف، ويجتاحني التصحّر وتلتهمني الديون، فماذا أنتم لي فاعلون…أنا المواطن الذي لا رأي له في الملفات الكبيرة ولا صوت له في التلفاز وضمن نشرات الغبار…أنا المواطن الذي يفترسه الخوف كلما أراد السفر عبر الميناء أو عبر المطار…أنا المواطن الذي لا يجرؤ على الاعتراض على مظاهر الانحلال، وعدم الحياء السياسي وكل أنواع الفجور فأي شيء وأي علاج تقترحون…أنا المواطن الذين يضطروني للوقوف على أرصفة الشوارع من أجل التصفيق والهتاف ، كلما زارنا أحد الرؤساء أو كبار المسئولين…أنا المواطن الذي يُبْرِمُونَ باسمي كل المعاهدات والصفقات والمواثيق، ويصدّرون نيابة عني برقيات تدمّر أعصابي حين يقولون حكومة وشعبا وأنا من المحرومين…أنا ذاك المواطن الذي لا أحد منكم يسمع بأحزاني، فلست معروفا عند المنظمات لست مشهورا هنا وهناك، ليست معي شهائد ولا ديبلومات، لست أتقن فن الخطابة ولا أعرف اللغات، ولكني ربما أستطيع يوما تغيير المعادلات… سادتي المعارضون أنا مواطن لا تهمني انشقاقاتكم، لا تهمني كثيرا اختلافاتكم، لا تهمني خصوماتكم، ولكن تهمني إنجازاتكم…فأرجوكم سادتي المعارضون انزلوا من مواقعكم انزلوا إلى الأرض واجعلوني في صلب اهتماماتكم فأنا المواطن الجماهير، أنا المواطن الشعب… قدّموا برامجكم قدموا مشاريعكم واتركوني الفيصل بينكم وبين جدوى إنجازاتكم، لا تتحدثوا نيابة عني ّ، لا تعالجوا همومي بالتبنّي، لا تضمّدوا شروخي بالتمنّي… سادتي المعارضون مرّة أخرى لا تهمني تحليلاتكم، لا تهمني معارككم لا تهمني كثيرا مربعات " انترناتكم "، فأنا مواطن لا يفقه لغة الكمبيوتر، لا يفقه لغة الإبحار في المواقع، بل يفقه لغة ارتفاع الأسعار، يفقه لغة ثمن حليب الأطفال، يفقه أحوال الناس وواقع الأجور وانخفاض الدينار، يفقه أسعار السوق وغلاء المعيشة وفواتير الإيجار، يفقه معنى الحرمان أمام بائعي الفواكه والخضار… سادتي المعارضون أنا ذاك المواطن الذي ما عاد يؤمن كثيرا بالخطب العصماء، ما عاد يؤمن بالوعود والأمنيات وكل الكلمات المحلقة في الفضاء، ما عاد يؤمن بغير الواقع دون تزو يق ودون طلاء… سادتي المعارضون لا تحدثوني بالأرقام، لا تكلموني بالمفردات الصعبة وكل الجمل التي تستدعي مني معاجم للتحليل والاستقراء، والتنظير والتنوير والتفسير وما شابه هذا الكلام، بل حدّثوني بلغة واقع الحال، أم أحدثكم أنا من قلب معاركي اليومية، من فقه الواقع الأرضي،ّ من جدول يوميات مواطن عادي، كيف أصارع وأشقى من أجل قوتي اليوميّ… سادتي المعارضون أعترف لكم أني لا أدرك مفردات العولمة، ولا مصطلحات الشرق أوسطية، ولكني أدرك أن إنتاجي وبضائعي صارت عملة قديمة، فأيّ علاج لهذا العطب تقدّمون… سادتي المعارضون لا تهمني سادتي تبريراتكم لا تهمني تفسيراتكم لا تعنيني مقولاتكم، فأنا مواطن يعنيني تنفيذ التزاماتكم…. سادتي المعارضون باختصار الكلام أنا مواطن المقاهي والملاعب، أنا مواطن الأرياف والمزارع، أنا مواطن الأسواق والشوارع أنا مواطن الجامعات والمعاهد، أنا مواطن البطالة والمناجم، أنا مواطن الحانات والمراقص، أنا مواطن المكتبات والمساجد، أنا مواطن الخصاصة والحضائر، أنا مواطن الوظيفة والمكاتب، أنا مواطن الحقول والمعامل أنا مواطن الداخل والخارج أعطوني نصيبي من الاهتمام أعطيكم انتفاضة تحطم القيود وتكسّر الأغلال… ▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪▪ نُشِرَ في : ◙ جريدة القدس العربي ← / 10 – 3 – 2004 ◙ جريدة لزمان← 11 – 3 – 2004 ◙ جريدة الموقف ← / 12- 3 – 2004 ◙ مجلة مرايا ◙ تونس نيوز ←/ 15 – 3 – 2004 ◙ تونس استيقظ ← /17 – 3 – 2004