اثر الكارثة التي شاهدتها قرقنة ذات ليلة من ليالي شهر رمضان الجاري … تعالت الأصوات من كل حدب وصوب محملة المسؤلية كاملة للحكومة ، خاصة من طرف بعض الأحزاب والمنظمات المعارضة والتي لا تفوت اية فرصة للبروز ومستغلين بذلك الشعبوية الطاغية التي أصبحت تحكم مصير هذا الوطن …. فبعد الثورة المباركة ، أصبح من السهل لوم الحكومات المتعاقبة وما أكثرها اثر أي مشكل أو كارثة تحدث … وهو ما أدى إلى غياب قرارات إستراتيجية واضحة كفيلة بتطوير وتحسين ظروف العيش في هذه البلاد …. لذلك لسائل أن يسأل : هل يمكن فعلا تحميل الحكومة الحالية أو اية حكومة أخرى كامل المسؤلية اثر كل مصاب جلل ؟؟؟ في الحقيقة ، لا يبدو لي الأمر كذلك ، و إن كنت لا اتفق مع هذه الحكومة في قراراتها وبرامجها …. فما حصل في قرقنة ، ليس إلا وليدا لعقود طويلة من السياسات الخاطئة والفاشلة والتي يتطلب إصلاحها عقودا أخرى من الزمن ، فمشكلة البطالة مثلا لا يمكن حلها في يوم وليلة ، فهل لعاقل إن يصدق أنه بإمكان هذه الحكومة أو أي حكومة كانت تشغيل 800 ألف عاطل عن العمل في ظرف 4 أو 5 سنوات !؟؟ وهل لعاقل إن يصدق أنه بإمكانٍ أي دولة في العالم تحسين مستوى الدخل الفردي في ظل إرتفاع كلفة اليد العاملة نتيجة إرتفاع الضريبة على الدخل والتي تستغل في معظمها لخلاص مئات الألاف من الموظفين العموميين الغير منتجين لأي قمة مضافة ، عوض استغلالها في استثمارات ومشاريع بناءة ….،؟ قطعا لا ، فنحن فقط بصدد تحميل هاته الحكومة ما لا تحتمل ، …. فمسؤلية الحكومة فيما حدث ، لا تتجاوز 4 نقاط جوهرية : 1) غض النظر عن السماسرة والمنظمين والمنتفعين والمتمعشين من هذه الظاهرة … خاصة وإن الجميع يتحدث عن تواطؤ بعض الموظفين العموميين المنتمين لأسلاك مختلفة على إرتباط وثيق بما يجري في عرض المياه الإقليمية التونسية رافعين شعار كول ووكل غير عابئين بمصير المتشبثين بالوهم الأوروبي 2)عدم القيام بمبادرات ومشاريع إستراتيجية تبعث بريقا من الأمل وسط عتمة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي تدفع معظم الشباب للهروب من هذا الواقع المرير 3) عدم إيلاء سياسة تحديد النسل ما تستحقه ، نعم ، فلا أحد يولي هذا العنصر ما ييستحقه من إهتمام …. والحال إن خطورتها وأهميتها واضحة للعيان … فمعظم الحراقة هم في الحقيقة ضحايا للظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها بين أهاليهم وعدم وجود سند عائلي يمكن التعويل عليه … فمعظمهم ينتمون لعائلة كبيرة العدد إختار أوليائهم انجاب العديد من الأبناء دون إعتبار لأي برنامج واضح لمستقبل ابنائهم ، مما يجعلهم ينقطعون عن التعليم مبكرا نظرا لإرتفاع النفقات ويتوجهون للشغل في قطاعات غير منظمة من أجل كسب لقمة العيش …..من ذلك مثلا أن أحد الضحايا هو أب ال-5 أبناء أكبرهم عمرا لا يتجاوز ألثماني سنوات … ولكم إن تتخيلوا مصير هؤلاء الأبناء في ظل اليتم والفقر … 4) غياب حملات تحسيسية تليق بمستوى هذا الخطر المحدق … خاصة وإن معظم الشعب التونسي لا يعتبر الحرقة جريمة أصلا . … فمعظم المهاجرين الغير شرعيين … تحصلوا على المبالغ المالية اللازمة للقيام بالحرقة عن طريق عائلاتهم وأصدقائهم وبمباركة بعض الأشخاص المحيطين بهم في بعض الأحيان لذلك ، فإن دور أية حكومة لا يتجاوز إصلاح النقاط المذكورة أعلاه ….إما بقية المسؤلية .. فهي حسب رأيي مسؤلية المجتمع المدني ككل سواء كانوا أفراد أو مجموعات … وذلك بتوفيرهم لبقية الظروف الملائمة من أجل القيام برحلات الموت من أجل الحياة … في الختام ، لا يمكنني إلى إن أترحم على أرواح الضحايا مع تمنياتي بإستغلال الناجين في القيام بحملات تحسيسية داخل محيطهم والمجتمع من أجل الحد من هذه الظاهرة …. فكما قال أجدادنا " إسأل مجرب وما تسألش طبيب "…