كاد جل السياسيين أن يجمعوا على انتصار يوسف الشاهد على الباجي قائد السبسي بالضربة القاضية خصوصا بعد إصرار حركة النهضة على دعمها ليوسف بتعلة الاستقرار الحكومي و بعد تواتر و تتابع الاستقالات داخل كتلة النداء و انضمامها لكتلة الشاهد و التي لم تتوقف عن التضخم. لكن أحكام السياسة تقتضي كونه لا شيء فيها ثابت و قطعي و كل شيء يمكن أن يتغير بين ليلة وضحاها. فصحيح كون الشاهد يمسك بعدة مراكز قوة تجعله الأقوى موضوعيا منها مساندة النهضة و تكوينه للكتلة الثانية داخل البرلمان و مسك السلطة التنفيذية و مبادرته بمحاربة الفساد و تحكمه في جهاز إعلامي جهنمي و قدرته على تحريك ملفات قضائية ضد خصومه من نداء تونس بتهمة الفساد و الذين في المقابل أنهكوا الحزب و أفقدوه شعبيته نتيجة حماقاتهم و نتيجة إصرار الباجي على التمسك بموقع ابنه داخل هذا الحزب. ليس هذا فقط بل ان الشاهد يتمتع بمساندة قوى دولية نافذة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية و بريطانيا و غيرها. و صحيح أيضا كون النهضة حليفة يوسف هي الحزب الأقوى على الساحة نتيجة تماسك أعضائها و نوابها و التفافهم حول قيادتهم رغم كل الإختلافات و نتيجة سيطرتها على جل مفاصل الدولة. لكن الباجي قائد السبسي رغم كل الضربات الموجعة التي تلقاها من حليفه الشيخ راشد الذي خانه ورغم خيانته أيضا من أقرب المقربين إليه حتى من داخل قصره إلا أنه يتميز على خصمه يوسف بالتجربة و الحنكة و الدهاء. فالباجي يعلم جيدا أن النهضة رغم قوتها و تماسكها إلا أن لها موطن ضعف يمكن أن تفتك بها و تخرجها بصفة نهائية من الساحة السياسية وهو ارتباطها بالإسلام السياسي و بالأخوان المسلمين و ارتباط هؤلاء بالإرهاب و تصنيف أحزابهم دوليا كحركات إرهابية. لقد استطاع الباجي اليوم في لقائه بالرئيس الفرنسي أن يحول الحرب وتنافس القوى الدولية حول من يكون له الموقع الأول و المسيطر داخل تونس من حرب خفية الى حرب معلنة فماكرون أعلن اليوم عن مساندته المطلقة للباجي و عن عدائه للظلاميين حسب تعبيره كما أعلن عن كون تونس كانت ولا تزال بلدا نموذجا للفرنكوفونية للتأكيد على كون فرنسا ستدافع عن مركزها الأول في تونس بعد ان فقدته بعد “الثورة”. الباجي لايزال قادرا اليوم على مواجهة النهضة خصوصا بعد تسرب العديد و العديد من الأدلة التي تثبت تورطها في الارهاب و في إغتيال الشهيدين بلعيد و البراهمي و تكوينها لغرف مظلمة تهدد الأمن القومي و الإقليمي بل و قادرا حتى على لعب أوراق ملف هته الحركة و الذي لايزال مودعا بالكونجرس الأمريكي كونها لاتزال مهددة بالتصنيف ضمن الحركات الإرهابية. و الباجي أيضا لايزال قادرا على مواجهة يوسف الشاهد و تدمير مواطن قوته فكتلته النيابية يمكنه حلها لأن فرصية اللجوء لحل البرلمان لاتزال قائمة خصوصا بعد أن أصبحت تونس مهددة في أمنها القومي نتيجة إختراق النهضة لجهاز الأمن. أما مساندة النهضة فقد يفقدها يوسف في كل وقت لأنها لن تجازف بوجودها من أجله وقد تعود مجددا لبيت الطاعة إن هي أحست من قريب أو من بعيد بجدية الخطر و هذا ما يبرر اصرار الشيخ راشد على تجديد مشاعر الود و الأخوة تجاه الباجي بمناسبة أو بدونها. أما الدعم الأمريكي و البريطاني فقد يفقده يوسف بمجرد أن تتظافر الأدلة على كون شريكه أو من ستعقد معه شراكة على حسب تعبير البيان الأخير لمجلس الشورى ليس سوى حركة إرهابية. و حتى نوابه الأشاوس سيتخلون عنه بمجرد مقايضتهم بين وجودهم في البرلمان و التخلي عن آلية حله و بين مساندتهم له. على كل حال الحرب بين كل هؤلاء المتنازعين لم تحسم بعد و تبقى رهينة لعبة كبرى ستتضح جل أوراقها في الأيام القليلة القادمة.