تحتفظ النيابة العامة بمدينة لاهاي بالمتهم بشير س. من مدينة زوترمير قيد الحبس منذ ثلاثة أشهر على خلفية التهمة الموجهة إليه بترك زوجته وأطفاله في تونس ضد رغبتهم، وذلك عقب قضاء عطلة ببلدهم الأم في يناير من العام 2009 . يرى بشير أن أطفاله يجب أن يتلقوا تربية إسلامية صارمة، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في بلد أوربي منفتح ومتحرر مثل هولندا. هذا ما قاله المركز المتخصص في قضايا اختطاف الأطفال بهولندا. حالة بشير (سين) وزوجته إيمان برهومة هي واحدة من عشرات الحالات التي تحدث في هولندا. الاختلاف حول تربية الأطفال في بيئة يراها أحد الأبوين مثالية يتبعها قرار بأخذ الأطفال للبلد الأصلي لتعليمهم اللغة مثلا أو تعاليم الديانة وأسس التربية كما هي في مجتمعات البلدان الأصلية. إضافة لذلك هنالك حالات الطلاق التي يقرر على إثرها احد الأبوين العودة للبلد الأصلي فيلجأ لأخذ الأطفال معه دون التشاور مع الطرف الآخر وضد إرادته في المحصلة النهائية. كل هذا يدخل في باب الاختطاف بحسب تعريف القانون الجنائي الهولندي والذي تقابله عقوبة السجن لمدة قد تصل إلى تسع سنوات. تحدث حالات اختطاف الأطفال هذه غالبا في الأسر التي يكون فيها أحد الشريكين من جنسية أخرى أو ثقافة وديانة أخرى، مثل حالة الأطفال السوريين الذين أخذهم والدهم إلى سوريا ضد رغبة أمهم الهولندية والتي كانت قد شغلت الرأي العام الهولندي وحازت على اهتمام وسائل الإعلام بشكل موسع وكبير. تختلف حالة بشير س. وزوجته إيمان في أن الزوجة مازالت في عصمته، وأنهما ينتميان لنفس الثقافة وكلاهما من أصول تونسية. كما إن الأب لم يختطف الأولاد إلى تونس كي يشرف بنفسه على تربيتهم هناك، ولكنهم تركهم مكرهين بتونس كي يعود لمواصلة حياته في هولندا. تقول الرسالة الصحفية التي أصدرها المركز المتخصص في اختطاف الأطفال إن بشير(47 عاما) قد ترك زوجته إيمان (36 عاما) في تونس ومعها أطفالها بشرى (7 سنوات) و آدم (5 سنوات) وقفل عائدا إلى هولندا “كي يجني ثمار الرخاء الهولندي” حيث يمتلك شركة للأدوات الكهربائية في مدينة زوترمير الواقعة بالقرب من لاهاي. اتصلت الأم إيمان برهومة من عنوان تواجدها بتونس بمركز اختطاف الأطفال حيث تولى المركز فتح بلاغ جنائي بالواقعة قررت النيابة العامة على أثره اعتقال بشير وأبقته قيد الحبس بانتظار تقديمه للمحاكمة حيث مثل الأسبوع الماضي أمام المحكمة. طالبت النيابة العامة بعقوبة السجن لمدة 28 شهرا منها ثمانية أشهر غير نافذة. سبقت إجراءات تقديم المتهم للمحاكمة محاولة حل الأشكال بتوقيع الأب بشير على وثيقة موافقة على عودة أسرته إلى هولندا، إلا أن بشير قد رفض التوقيع على هذه الوثيقة الأمر الذي اضطر النيابة العامة الى الاحتفاظ به قيد الحبس منذ ثلاثة أشهر. وبالرغم من أن أطفاله مولودون بهولندا ويحملون الجنسية الهولندية الا أن القانون التونسي يحظر سفرهم عائدين دون موافقة من والدهم. ولكن بعد رفع الدعوى الجنائية ضده وعقوبة السجن المحتملة التي تواجهه فإن حقه في حضانة الأطفال يتحول إلى الأم التي ستكون مسئولة عنهم مسئولية كاملة طوال الفترة التي يقضيها الوالد في السجن مما يعني سقوط حظر السفر عليهم من تونس الى هولندا. انسيلمو لوبيرا من المركز المتخصص في قضايا اختطاف الأطفال من المتابعين لقضية إيمان برهومة وهو الذي تولى تحرير البلاغ ضد بشير سين لدى الشرطة ، يقول انسيلمو: “حظر السفر على ايمان واولادها لا يسقط او يبطل بصورة تلقائية ولكن يجب تقديم طلب خاص بذلك. بحسب القانون التونسي يسقط حظر السفر إن كان الوالد بالسجن داخل تونس أو خارجها. نحن مشغولون الآن بهذا الأمر حيث ترجمنا كل الوثائق الخاصة بالقضية الى اللغة العربية والتي تثبت تواجد الاب قيد الحبس ربما لبضع سنوات ووثقناها لدى السفارة التونسية وأملنا كبير أن تقضي المحكمة التونسية برفع حظر السفر عن ايمان وأولادها”. رغم أن ظاهرة اختطاف الأطفال قد ارتبطت في أذهان الكثيرين بالقادمين من الدول العربية والإسلامية وغالبا بسبب الخلافات في أسلوب التربية بين الأبوين، إلا أن الأرقام تشير إلى أن هذه الأمر يحدث لأسر تمثل مختلف الخلفيات الاثنية والدينية. يقول انسيلمو لوبيرا بأن عدد حالات الاختطاف في هولندا تبلغ حوالي 130 حالة ، نصف هذا العدد يتعلق باختطاف أطفال من هولندا إلى دول غربية غنية أو فقيرة من العالم الثالث. هنالك حوالى 60 حالة من جملة هذا العدد تتعلق باختطاف أطفال من بلد آخر إلى هولندا. بسؤاله عن كيفية تعامل هولندا حالة اختطاف أطفال إليها من بلد آخر يقول انسيلمو لوبيرا من المركز المتخصص بقضايا اختطاف الأطفال: “في السنوات الماضية رأينا طلبات لآباء وأمهات من خارج هولندا يطالبون بأطفالهم الذين تم اختطافهم إلى هنا، إن كانت كل الوثائق متوفرة ومكتملة وتم تقديمها بالصورة المناسبة فإن هولندا تتصرف بصرامة في هذه القضايا وتعيد الأطفال المخطوفين إلى ذويهم في البلدان التي قدموا منها بناء على الحكم القضائي الصادر في القضية “. المعروف أن هولندا واحدة من 80 دولة موقعة على معاهدة لاهاي لمكافحة اختطاف الأطفال. هذه المعاهدة تسهل استعادة الأطفال المخطوفين بين هذه الدول ولكنها بالطبع لا توفر ضمانة أكيدة بأن يحدث ذلك بصورة تلقائية.