أصبحت حركة النهضة تعاني من تفاقم المشكلات وازدياد الضغوط منذ يوم الإعلان عن تشكيل حكومتيْها فاقدتيْ الكفاءة والخبرة ، وجنوحهما إلى السيطرة على مفاصل الدولة وزرع الأنصار والأتباع فيها وتمكينهم من لذّة الحكم وامتيازاته ولم يكن يُرادُ بشعار المسؤولية "تكليفا وليسا تشريفا" الذي رفعته الحركة سوى الاستعراض أمام العالم والضحك على الذقون ووهْم الجميع بسراب الإصلاح وخطوات الديموقراطية . ومع تواتر أخطاء حكومتها الأولى والثانية وتنامي جهلها بأبسط قواعد تسيير المرفق العام ، بات القَدَر يعاندها بإصرار لافت بشكل أصبحت فيه محاصرةً من جميع الجهات ، فالداخل محتقن والخارج ينتظر ويرصد ويُراقب ، فكلّما خططت حركة مونبليزير ودبّرت لتحسين صورة نظامها أو تلميع رئيسها وقادتها ، يحدث ما لم يكن فى الحسبان وينقلب السحر على الساحر فتصب تكتيكاتهم وأفعالهم فى صالح المعارضة ، وكأنّ الإرادة السماوية تأبى أن يسود الظلم أو يخفت صوت الحق ، لقد أصبحت حكومة العريض الجاثمة على أنفاس الشعب تعيش فوق صفيح ساخن ، فلا تكاد تعالج تداعيات حدثٍ ما ، حتى تفاجأ بآخر لتتحوّل من التفرغ لدور المهاجم المتسلّط لدور المتوتر والمدافع . لقد افتضحت كلّ حيل وألاعيب وتمثيليات نظام الترويكا الزّائف غير المحبوكة ، ليصيب الحكومةَ النحسُ وسوء الحظ فى كل تصرّف أو قرار ، بعد أن كانت على يقين أو هكذا تُوهم نفسها بأنّها ممسكة بزمام الأمور وبالعصى السحرية التى تمكّنها من أن تقول للشيء كن فيكون دون معارضة أو حتى مراجعة . لقد ارتفعت قوة الأصوات الرافضة لميزانية الدولة للعام القادم التي شرع التأسيسي في مناقشتها رغما عن الجميع ، ولسياسة قضم مخزون الأجيال القادمة المتأتّي من بيع جزء من حصّة الدولة في شركة اتّصالات تونس ، وازداد الحراك السياسى وتفاقمت الأزمة لتصبح الحكومة فى مأزق ووضع حرج ينبئ بانهيارها الوشيك وتحرير الشعب من قوى الظلام والاستبداد التى استباحت الأرواح والأرزاق وطغت فى البلاد ونشرت فيها الفساد فعلى مدى عاميْمن من سياسية سوء الإدارة والتحريض والتآمر ، وبعد أن تورطت حكومة الجبالي وبعدها حكومة العريض في عمليات الاغتيال السياسي ، وبعد أن غرقت في مستنقع التآمر مع التيارات الاستئصالية الإرهابية ، وبعد أن جاهر كبار رموز الحركة بعدائهم للنمط المجتمعي ومكتسبات دولة الاستقلال وانحازوا بالمطلق لعصابات أنصار الشريعة والقاعدة وتيارات التكفير الوهابية وقطعان الجهاديين القتلة ، وبعد تورط داخلية العريض في عمليتيْ اغتيال الشهيديْن بلعيد والبراهمي وانحسار العمل الاستباقي والاستخباراتي رغم تحذيرات أطراف خارجية ، في التآمر على أمن البلاد ، بعد كل هذا وجد زعيم النهضة راشد الغنّوشي نفسه وحكومته يواجهان لا فقط ردّ فعل الشعب التونسي الرافض لكلّ ما تقوم به هذه الحكومة ، بل وأيضا التهديدات بالتصفية الجسدية على أيدي من قال عنهم يوما "شيخ مونبليزير" إنهم أبنائه المبشّرين بثقافة جديدة ويذكّرونه بشبابه ، مثلما رشح هذه الأيام وعالجته داخلية بن جدّو بمزيد تكثيف الحراسة عليه إنّها الأخطاء والخطايا القاتلة لحزب تعامل مع الحكم بمنطق الغنيمة وأهواء العشيرة والقبيلة ، وَوَضَعَ نُصْب عينْيه أوّلا تطبيق شريعته وإيديولوجيّته المتلحّفة بالدين المسمّاة ب"أخْونة الدولة" التونسية وضرب كلّ قيم الوسطية والاعتدال التي قامت عليها الدولة والمجتمع في تونس نعم لقد انقلب السحر على الساحر ووجد الغنوشي نفسه مهدّدا اليوم بتجرّع ذات الكأس التي شرب منها ضحايا الاغتيال السياسي وعمليات الإرهاب في الشعانبي وسيدي علي بنعون وقبلاط وغيرها، مع الفارق أنّ ما يواجه الغنوشي أكثر شماتة وسخرية مما واجهه ضحايا الإرهاب الأعمى ، فما حدث ويحدث في تونس لا يهمّ بالنهاية إنْ أسقط نظام النهضة أو لم يسقطه مع أنّه حتمية تفرضها الأحداث والوقائع ، بقدر ما يهمّ أن شوكة زعيمها انكسرت وأنّ كرامته مُرّغت في التراب ، إذْ أنّ تراكمات الأخطاء وسوء تقدير الأمور أظهرته مجرد طبل أجوف لا يصدر منه غير الضجيج ، وعرف حجمه الحقيقي وبالتالي عليه أن ينهمك في تبرير تصرفاته وإقناع الشعب التونسي بوطنيّته قبل أن يُقنع العالم بمكانته التي وصلت للوحل … تنويه: كل ما ينشر في ركن الرأي الآخر لا يعبّر إلا عن رأي كاتبه