الانتهازية كلمة واسعة الانتشار في محيطنا، ولربما في كل المحيطات الإنسانية، تنتمي إلى كل قواميسنا، السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتترابط معها، تختلط بكلمات أخرى، ولكنها تبقى وحدها التي تعبر عن نفسها من خلال أفعال مؤثرة في الأخلاق والقيم والسلوكيات وفي كل المجتمعات يكون أمهر الانتهازيين ، من يصطاد الفرصة في وقتها المناسب، ولتكن الفريسة من المقهورين أو حتى الميّتين ، من الزعماء أو الوزراء أو القياديين ، لا فرق عندهم بين هذه الفريسة أو تلك. فالانتهازية سلوك لا يفرّق بين الخاص والعام، ولا بين فقير أو غنيّ ، فهي ظاهرة قديمة جديدة ، تجلّت في كل فترات التاريخ ، وعلى كل تضاريس الجغرافيا ، ونمت وترعرعت داخل المجتمعات المتخلّفة، ولها في التاريخ أعلام وأخبار وحكايات. في الحياة العامة تتحول "الانتهازية" إلى سلوك بشري ، ترتبط بشكل خاص بشريحة من الخلق: المضللون/ المتملقون/ المحتالون/ المخادعون/ الوصوليون/ الفاسدون والفاسقون، وكل أصحاب المصالح الذين لا تهمهم الأخلاق ولا قيمها في اصطياد الفرص وانتهازها، فالانتهازية تستقطب نخبة معينة من الناس، تعوض لهم "هارموناتُ" " الانتهازية " الشعورَ بالكبت والإحباط والشعور بالسطحية والدونية وفي رأي علماء الاجتماع وعلماء السياسية والمختصين ، تنمو الانتهازية وتتناسل وتتنقل من جيل لآخر ، ومن فترة إلى فترة ، في فترات ضعف الأمم والشعوب ، وفي فترات الهوان تتوسع ، وتمتد في زمن الفساد والتخلف ، لتصبح خطرا كارثيا يهدد الشعوب في صحتها وسلامتها وأمنها بالنسبة لنا في تونس ، لم تخل مرحلة من مراحل تاريخها الطويل من وجود الانتهازية السياسية والانتهازيين ومازالت هذه الطبقة قائمة على أرض الواقع إلى اليوم ، حيث تعيش في عهد "الثورة" والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من الكلمات المشعة والعملاقة ، بالانتهازية وثقافتها، وأساليبها ومدارسها ومردوديتها . ولعلّ ما جرى في المجلس التأسيسي وفي الفضاء السياسي عموما في الأيام الأخيرة من مظاهر الارتزاق السياسي والصّخب الانتخابي بدم شهداء الثورة بعد الأحكام الصادرة في حق بعض المتّهمين من قبل القضاء العسكري في قضية ما يعرف بشهداء الثورة وجرحاها إلاّ دلالة ناصعة على أن التونسيين يتعايشون اليوم مع طبقة أخرى من الانتهازيين ، صقلت وطورت أساليبها وثقافتها، وجعلتها ملائمة لعهد "الثورة" واستحقاقاتها وأوّلها طبعا الاتّجار بدم الشهداء مصالح الانتهازية في الماضي لم تخف وجهها، فقد التحمت بالسلطة النوفمبرية البائدة ، وسيطرت على مناصب القيادة في البلاد وتجردت من كل إحساس بالمواطنة ، لكنّ الانتهازية في تونس اليوم ، طورت آلياتها ومعارفها وتجاربها، وارتدت كلّ الألبسة والأقنعة ، وتربّصت بكل مؤسسات الشأن العام والقضايا الوطنية الحارقة لتغرق البلاد في أزمات مختلفة ومتنوعة ، هددتها ومازالت تهددها "بالسكتة القلبية" فهل تستطيع تونس الجديدة ، بفقرها وبطالتها وتخلّفها وفساد إدارتها، وارتباكها الثقافي والحضاري ، مواجهة هذه الحالة ؟… كيف وبأية وسائل؟ في انتظار الجواب القادم من حصاد الزمن ، نقول لهؤلاء المرضى الانتهازيون : اتحدوا…اتحدوا في حزب للمفسدين أو في جمعية للذلقراطية فالتاريخ سيكون لكم بالمرصاد. تنويه : كل ما ينشر في ركن الراي الآخر لا يلزم إلا كاتبه