عاجل/ إيداع شكاية لدى محكمة الاستئناف بتونس حول تعرض جوهر بن مبارك "لجريمة تعذيب"…    صفاقس: اتحاد الأعراف يحمّل إتحاد الشغل مسؤولية ما قد يترتب عن أي إضراب غير قانوني    عاجل: ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض: وفاء محجوب تهدي تونس ميدالية فضية في الكاراتي    سيدي حسين: الاعتداء على تلميذة أمام المعهد والأمن يوقف جميع المتورطات    انتقال رئاسة النجم الساحلي الى فؤاد قاسم بعد استقالة زبير بية    توقيع برنامج تعاون ثنائي بين وزارة الشؤون الثقافية ووزارة الثقافة الرومانية    في ذكرى وفاة عبد القادر بن الحاج عامر الخبو    أولا وأخيرا .. على أكل الحشيش نعيش    بنزرت: يوم إعلامي حول السّجل الوطني للمؤسسات    من المجاهدين الأفغان إلى الجولاني ... «الجهاديون»... خدم للإمبريالية!    تستوعب 10 آلاف جندي: غزّة... قاعدة أمريكية ؟    في بيت الرواية بمدينة الثقافة .. .جلسة أدبية حول «تعالق الشعر بالسرد»    نبض الصحافة العربية والدولية ... إطلاق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزّة    المهدية: مواد خطيرة وحملة وطنية لمنع استعمالها: طلاء الأظافر الاصطناعية و«الكيراتين» مسرطنة    أنس بن سعيد تتألّق في "ذو فويس" وتعيد للأغنية التونسية بريقها    استماعات بخصوص مشروع قانون المالية    قبلي: عملية بيضاء لرفع جاهزية فرق الحماية المدنية في مجابهة حوادث المرور    الليلة: سحب قليلة والحرارة بين 10 درجات و15 درجة    العجز التجاري لتونس يبلغ 18,435.8 مليون دينار مع موفى أكتوبر 2025    وزير الدفاع يلتقي قائد القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا    عاجل/ الزهروني: "دقبونة" و"ولد العيارية" و"العروسي" في قبضة الامن    الرئيس الجزائري يوافق على طلب نظيره الألماني بالعفو عن الكاتب بوعلام صنصال    16 مركز إيواء للنساء ضحايا العنف: تونس تعزز حماية المرأة والمساواة    مشروع السدّ يتحرّك: مفاوضات جديدة لإنهاء ملف انتزاع الأراضي بجندوبة!    مباراة تونس وموريتانيا الودية : وقتاش و القناة الناقلة ؟    كاس افريقيا للامم لكرة اليد - المنتخب التونسي في المستوى الاول    عاجل/ صدور أحكام سجنية في قضية هجوم أكودة الارهابي    سليانة: انطلاق مهرجان "نظرة ما" في دورتها الثانية    مدير المركز الوطني لنقل الدم: هدفنا بلوغ 290 ألف تبرّع سنوي لتلبية حاجيات البلاد من الدم ومشتقاته دون ضغوط    مجلس الجهات والأقاليم ينتدب في هذه الخطط الإدارية..#خبر_عاجل    عاجل: 8 سنين حبس لفتاة تروّج في المخدّرات قدّام مدرسة في الجبل الأحمر!    انقلاب سيارة في جسر بنزرت..#خبر_عاجل    عاجل/ انشاء هيكل جديد لتنظيم قطاع القهوة في تونس    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يطالب بصافرة أجنبية في الكلاسيكو    الترجي الرياضي: توغاي يعود إلى تونس.. ورحة بأيام ل"بن سعيد"    نواب ينتقدون مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026: "استنساخ للسابقة واعتماد مفرط على الجباية"    عاجل/ بشرى سارة لأصحاب هذه الشهائد: 1292 انتداب جديد..    انطلاق معرض الموبيليا بمركز المعارض بالشرقية الجمعة 14 نوفمبر 2025    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    قفصة: وفاة مساعد سائق في حادث جنوح قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذا ما كشفته وثائق سرية حول اتفاق غزة..    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعم المواد الأساسية التجارب الأجنبية والأهداف الكمية والنوعية في تونس بقلم حسونة الجمعاوي
نشر في صحفيو صفاقس يوم 29 - 11 - 2014

تتبني العديد من الدول سياسات دعم المواد والخدمات الأساسية لتحقيق أهداف متنوعة ذات طابع اجتماعي ديدنها تحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف شرائح المجتمع من خلال إعادة توزيع الدخل الوطني والمحافظة على الطاقة الشرائية للفئات أصحاب الدخل الضعيف باعتماد منظومات متنوعة.
وقد اختارت الدول المتبنية لسياسة الدعم طرق مختلفة لبلوغ هذه الأهداف تمثلت بالخصوص في اعتماد ما يسمى "بالدعم الشمولي" المتمثل في دعم الأسعار من خلال تحمل كلفة مصاريف الإنتاج والتوزيع جزئيا أو كليا للمواد والخدمات وصرف الدعم مباشرة إلى مؤسسات صنع وتعليب وترويج المواد الأساسية عبر صناديق خاصة تمول بمداخيل خاصة بها أو من ميزانية الدولة وذلك على غرار ما هو معمول به في بلادنا،.
واعتمدت بعض الدول الأخرى توجيه الدعم نحو الدخل أو ما يسمى "بالدعم المباشر" للفئات المستهدفة في شكل تحمل مصاريف الطاقة للعائلات محدودة الدخل أو في شكل منح عائلية تسند مباشرة لهذه العائلات على غرار المغرب والبرازيل وإيران…
اعتمدت هذه الدول وغيرها آليات مختلفة لدعم المواد الغذائية الأساسية تراوحت بين توزيع كميات من هذه المواد على العائلات الفقيرة أو مبالغ مالية لشرائها إلى إسناد منح شهرية للعائلات محدودة الدخل خاصة إثر مراجعة أسعار هذه المواد.
ولجأت دول أخرى إلى ما سمّي "بالدعم غير المباشر" المتمثّل في تشجيع الاستثمار والبحث العلمي بالقطاعات المنتجة للمواد الأساسية بهدف تحسين الإنتاجية وحفز المنافسة لتحقيق الاكتفاء الذاتي والضغذ على الأسعار. كما اعتمد أغلب هذه البلدان بالخصوص على السياسة الجبائية للتوزيع العادل للمداخيل.
ومهما كانت السياسة المعتمدة، اختارت أغلب الدول الاهتمام بالحوكمة الرشيدة لمنظومة الدعم. فعلى سبيل الذكر، أسندت المغرب التصرف في صندوق الدعم لمؤسسة عمومية لها الاستقلالية الإدارية والمالية يسيرها مجلس إدارة يرأسه الوزير الأول ويضم كل الوزارات المعنية بالمواد المدعمة. وتعمل الحكومة المغربية حاليا، بمساندة صندوق النقد الدولي، على إصلاح المالية العمومية من خلال التخفيض في دعم الغذاء والطاقة مقابل تقديم مساعدات مباشرة للفقراء في شكل مدفوعات نقدية شهرية لحوالي مليوني أسرة فقيرة.
وقبل ذلك، بدأت التجربة البرازيلية منذ سنة 2003 بإلغاء منظومة الدعم وتعويضها ببرنامج "منحة عائلية"، بدعم من البنك الدولي، تتمثل في إسناد الأموال إلى أمهات العائلات بهدف ضمان حدّ أدنى من التنمية البشرية الشاملة والحدّ من الفقر والمساواة. ويستهدف هذا البرنامج العائلات الفقيرة جدا ويشمل 13 مليون عائلة ويرتكز على منظومة إعلامية وقاعدة بيانات شاملة ومتطورة ومحيّنة باستمرار.
وخلافا للمنظومة البرازيلية التي تشترط إسناد المنحة العائلية بالدخل الفردي وضرورة تأمين الدراسة للأطفال (ذكورا وإناثا) وضمان الحماية الصحية الضرورية من خلال إسناد المنح مباشرة إلى أمهات العائلات، فإن التجربة الإيرانية لا ترتكز على الدخل أو على أي شرط من الشروط للحصول على المنحة العائلية. وتسند المنح بمجرّد التسجيل بالمنظومة مهما كان الدخل. حيث يتحصل كل فرد من العائلة المنتفعة بما يعادل 40 دولار في الشهر مع حدّ أقصى ب6 أفراد للأسرة الواحدة (معطيات سنة 2012).
واعتمدت الدول الغربية سياسة الدعم غير المباشر المذكورة أعلاه،وإلى جانب ذلك، ترتكز سياسة الدعم في فرنسا على تحويلات الضمان الاجتماعي و/أو السياسة الجبائية لمختلف فئات المجتمع حسب عدد أفراد العائلة (famille nombreuse) والأسر المتقدّمة في السنّ ذات الدخل الضعيف.
وفي كل الحالات تحرص الدول والحكومات على تجقيق أهداف كمية ونوعية محدّدة مسبقا تتماشى مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي لكل بلد وذلك في إطار تدعيم الحوكمة لميزانيات الدعم والتحويلات الاجتماعية.
وفي ما يلي، نتطرق، ضمن المحور الأول، إلى تحليل الأهداف الكمية في تونس، ونستعرض بعد ذلك الأهداف النوعية التي تمّ من أجلها تبنّي سياسة الدعم ثمّ ننهي باستنتاجات حول المنظومة الحالية.
I. الأهداف الكمية لسياسة للدعم في تونس:
تبنت تونس سياسة الدعم منذ سنة 1941، حيث تمّ، بموجب الفصل 9 من الأمر العلي المؤرخ في 17 أفريل 1941، إقرار تخصيص موارد مالية من ميزانية الدولة لدعم أسعار الفرينة والسميد. وفي نفس السنة أُحدث صندوق تعويض لتعديل الأسعار وتيسير عمليات التزويد. وتتالت الأوامر الخاصة بالتعويض إلى أواخر سنة 1970 التي شهدت إحداث الصندوق العام للتعويض بموجب الفصل 48 من قانون المالية لسنة 1971 المعمول به إلى حدّ الآن.
وارتكزت سياسة الدعم في بلادنا منذ ذلك التاريخ على أهداف كمية في شكل نسب قصوى يتمّ تقديرها، في مرحلة أولى، لمدة خمس سنوات، ضمن المخططات الخماسية للتنمية، وفي مرحلة ثانية، يتمّ تحيينها سنويا في إطار الميزان الاقتصادي.
وبالتوازي مع ذلك، يتمّ ضبط نفقات الدعم ضمن الميزانية العامة للدولة في مستوى لا يمس بالتوازنات المالية والإقتصادية للبلاد. وتتولى المصالح المعنية تنفيذ الميزانية والمتابعة الدقيقة والقيام بالتعديلات اللازمة بالزيادة أو بالنقصان حسب حاجيات الدعم وفي بعض الحالات حسب التغيير الهيكلي أو الظرفي لسياسة الدعم على غرار ما حدث في سنة 1984 لما اعتمدت تونس محاولة لرفع الدعم على بعض المواد وسنة 2008 لما تمّ اعتماد سياسة إصلاح لمقضومة الدعم مصحوبة بالضغط على الكميات المستهلكة وكذلك في 14 جانفي 2011 لما تمّ التخفيض في أسعار أغلب المواد الأسايسية.
وعلى هذا الأساس، تمّ ضبط الأهداف الكمية ضمن تقديرات المخطط التاسع (1997-2001) في مستوى 1% من الناتج المحلي الاجمالي وبنسبة 0.7% ضمن المخطط العاشر (2002-2006) و0.7% ضمن المخطط الحادي عشر (2007-2011) وذلك بالتوازي مع إجراءات عملية تهدف بالخصوص إلى التحكم في نفقات الدعم من خلال التعديل الدوري لأسعار المواد المدعمة ومواصلة الترفيع السنوي في الأجور للمحافظة على الطاقة الشرائية للمواطن.
ولئن سجلت ميزانية دعم المواد الغذائية الأساسية نسبا مقبولة خلال سنوات المخطط العاشر (2002-2006) بلغت حوالي 0.7% من الناتج الداخلي الخام، أي في حدود التقديرات، فقد سجلت بداية من سنة 2007 مستويات مرتفعة أقصاها سجّل سنة 2008 (2.3%) بسبب اضطراب الأسواق العالمية أدى إلى ارتفاع غير مسبوق لأسعار المواد الأولية وبالخصوص الطاقة والحبوب والزيوت النباتية. وهو ما حتّم التوجه نحو إعداد وتنفيذ برنامج إصلاح شامل لمنظومة الدعم يهدف إلى مزيد التحكم في حجم الدعم من خلال الحرص على توجيهه نحو مستحقيه والضغط على الكميات المستهلكة خاصة فيما يتعلق بالفرينة المعدة لصنع الخبز والزيت النباتي الموجه للاستهلاك العائلي.
وأفضت النتائج الأولية لبرنامج الإصلاح إلى التحكم النسبي في حجم الدعم لتبلغ سنة 2010 حوالي 0.9% من الناتج الداخلي الخام، غير أن المصالح المعنية لم تتمكن من مواصلة تطبيق ما جاء بهذا البرنامج نظرا للظروف التي شهدتها البلاد بعد الثورة لتعود، بداية من سنة 2011، إلى مستوى ما قبل الإصلاح حيث ارتفعت النسبة إلى قرابة 1.9% في أواخر سنة 2012 وبلغ المعدل السنوي لنفقات ميزانية الصندوق العام للتعويض لدعم المواد الغذائية نسبة 1.2% من الناتج الداخلي الخام خلال الفترة المتراوحة بين 2002 و2012.
وتزامن ارتفاع هذه النسب بعد 14 جانفي 2011، مع زيادة في نسق استهلاك المنتوجات المدعمة بسبب دخول عدد كبير من الليبيين إثر الوضع بهذا البلد الشقيق إلى جانب تسجيل حالات تبذير وتهريب غير مسبوقة بالتوازي مع عدم إجراء التعديل التدريجي لأسعار المواد المدعمة طبقا لما تمّ إقراره ضمن مخططات التنمية السابقة والميزان الاقتصادي وكذلك ضمن برنامج إصلاح منظومة الدعم لسنة 2008.
وبالتوازي مع ذلك، شهدت أسعار بعض المواد الأساسية منذ 14 جانفي 2011 تخفيضات في أسعارها أفضت إلى عودة بعض المواد تحت غطاء الدعم مثل العجين الغذائي والكسكسي، السكر، الحليب الطازج نصف الدسم ومعجون الطماطم، تحمّل أعباءها الصندوق العام للتعويض إلى يومنا هذا باستثناء مادة الطماطم التي تخلت الدولة عن دعمها في أواخر سنة 2012.
كما تأثرت ميزانية الدعم، بعد 14 جانفي 2011، إلى جانب ما تمّ ذكره، بارتفاع هام في كلفة توريد الحبوب والزيت النباتي بنسبة تراوحت بين 50 و61% بين 2010 و20120.
وقد أفضت هذه الظروف، الزيادة في نسق الاستهلاك وتنامي التهريب وحالات التبذير والتراجع عن التعديل التدريجي لأسعار المواد المدعمة والتخفيض في الأسعار إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الأولية الموردة، إلى تضاعف نفقات الدعم مما جعلها تصبح عبئا كبيرا على ميزانية الدولة فاق الميزانية المرصودة للتنمية. وهو ما يحتّم التفكير في إيجاد حلول عميقة هي الآن محلّ دراسة كانت من أهم النقاط التى طرحت على المنتدى الاقتصادي الوطني.
II. الأهداف النوعية للدعم في تونس
تعتبر الأهداف الكمية للدعم ترجمة لتحقيق جملة من الأهداف النوعية التي يتمّ ضبطها حسب الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وطبقا لسياسات الدخل المعتمدة. وعلى عكس الأهداف الكمية التي لها طابع اقتصادي تنموي فإن الأهداف النوعية تأخذ طابعا أكثر شمولية لتشمل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية وذلك حسب الأهداف التي ترتكز عليها.
وقد مثلت الأهداف النوعية للدعم في تونس أهمّ ركائز سياسة التنمية وارتكزت على العناصر التالية:
– المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن من خلال تحمل الدعم لكلفة الإنتاج والتحويل والتوزيع للمواد الأساسية بصفة جزئية أو كلية،
– الحدّ من تأثير تقلبات الاقتصاد العالمي وأسعار المواد الأولية الموردة على أسعار البيع للمستهلك،
– المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع الدخل الوطني.
– تحسين الوضعية الغذائية والصحية للعائلات محدودة الدخل والرفع من مستوى عيشها.
1) المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن: ساهم دعم المواد الأساسية في الحدّ من ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي للمواد التي تدخل تحت غطاء الدعم طيلة سنوات عديدة. فبالرغم من التقلبات التي شهدتها أسعار المواد الأولية بالأسواق العالمية، منذ سنة 2007، لم يتأثر مؤشر أسعار المواد الأساسية وخاصة منها المواد غير الخاضعة لحرية الأسعار، حيث بقي المنحى العام لمؤشر هذه المواد في استقرار (في حدود %3 ,5) و ساهم في الضغط على المؤشر العام للاستهلاك العائلي.
2) الحدّ من تقلبات السوق العالمية عند توريد المواد الأولية التي تدخل ضمن صنع المواد المدعمة. حيث تمّ خلال سنة 2012 دعم 65% من كلفة توريد القنطار الواحد من القمح الصلب وحوالي 71 %من كلفة توريد القنطار الواحد من القمح اللين. وفاق معدل تعويض توريد الزيت النباتي المعد للاستهلاك العائلي 67% للطن الواحد خلال نفس السنة.
2010 – 2011 – 2012
القمح الصلب 48,0 % – 66,4 % – 64,7 %
القمح اللين 39,1 % – 69.1 % – 71,1 %
الزيت النباتي 52.9 % – 63.6 % – 67,2 %
3) المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع الدخل الوطني. وفي هذا الإطار تفيد معطيات المعهد الوطني للإحصاء أن مجمل منظومة الدعم بما فيها التحويلات الاجتماعية الأخرى ساهمت سنة 2011 في توفير دخل إضافي من الدعم ب 441,230 دينار للعائلة الواحدة.
كما لعب الدعم دورا أساسيا في التخفيض من نسبة الفقر، حيث تبين من خلال المعهد الوطني للاستهلاك، أن التخلي عن الصندوق العام للتعويض سيزيد من نسبة الفقراء ب3,6% ليصبح 19,1% ويجعل الفوارق الاجتماعية والتفاوت الجهوي يزداد أكثر فأكثر.
4) وفي ما يتعلق بتحسين الوضعية الغذائية والصحية للمواطن، فإن مؤشرات عمليات المسح الوطني حول إنفاق الأسر واستهلاكها التي يجريها المعهد الوطني للإحصاء كل خمس سنوات، أكدت أن النظام الغذائي في تونس لا يزال مبنيا بالأساس على الحبوب ومشتقاته، إذ أن متوسط الاستهلاك السنوي للفرد سنة 2012 يقارب 181 كلغ (أعلى مستوى عالميا) مسجلا فارقا هاما بين الوسط البلدي وغير البلدي ب41 كلغ في السنة وتراجعا ملحوظا من خماسية إلى أخرى.
ونفس الملاحظة بالنسبة للزيت النباتي، حيث يختلف نمط الاستهلاك أيضا حسب وسط الإقامة (16.4 كلغ للفرد بالوسط البلدي و18.5 كلغ للفرد بالوسط غير البلدي) وكذلك الحليب (على التوالي 110.8 كلغ و61.2 كلغ).
تدل هذه المؤشرات أن المواد المدعمة تستهلك بنسبة أكبر من طرف الفئات المتوسطة ومحدودة الدخل التي تقطن أكبر نسبة منها بالمناطق الريفية. كما تفيد بعض المؤشرات الأخرى أن منظومة الدعم ساهمت في تحسين الوضعية الغذائية للمواطن بصفة كبيرة. حيث أشارت نتائج المسح إلى أن الحبوب تؤمن أكثر من نصف السعيرات الحرارية ب 51.7% من مجموع السعيرات للمواطن التونسي. وتصل النسبة إلى 57.5% بالوسط غير البلدي. ويؤمن الزيت النباتي نسبة 14.4% (15.7% بالوسط غير البلدي). ويلي هاتين المادتين الحليب ومشتقاته والبيض بنسبة 9%.
وسط بلدي غير بلدي معدل وطني
الحبوب 48,8 – 57,5 – 51.7
الزيوت النباتية 13,8 – 15,7 – 14.4
الحليب ومشتقاته والبيض 10,5 – 6,1 – 9.0
السكر والكريات 3,8 – 4,3 – 3,9
اللحوم 8,1 – 5,1 – 7,1
الخضر 5,6 – 5,1 – 5,4
الغلال 3,5 – 2,4 – 3,1
البقول والتوابل 2,3 – 1,9 – 2,2
مواد أخرى 3.6 – 1.9 – 3.2
المجموع 100.0% – 100.0% – 100.0%
استنتاجات المنظومة الحالية:
لئن مكنت سياسة الدعم من تسجيل نتائج معتبرة لتحقيق مختلف الأهداف المذكورة غير أنها كانت مكلفة وشكلت عبئا كبيرا على ميزانية الدولة على حساب ميزانية التنمية واستحوذت على نسب مرتفعة من الناتج الداخلي الخام وساهمت في الرفع من عجز ميزانية الدولة.
واتسمت الطريقة المعتمدة للتعويض بالشمولية لتمسّ جميع شرائح المجتمع دون الأخذ بعين الاعتبار ذوي الدخل المحدود، الفئة الأساسية التي من أجلها تركزت عليها سياسة الدعم.
وفي هذا الإطار، يستنتج من خلال نتائج المسح الوطني أنه لما ارتفع دخل الفرد ومستوى إنفاقه زاد استهلاكه من المواد المدعمة. حيث تمتعت الشريحة الأقل دخلا، والتي تمثل 30% من مجموع السكان، بنسبة 24.4% من من نفقات الدعم سنة 2012. وتمتعت الشريحة التي لها أفضل مستوى إنفاقا، والتي تمثل 20% من مجموع السكان، بنسبة 24.2% من نفقات الدعم. وهو ما يؤكد أن الدعم توجه أكثر فأكثر إلى الفئات الأرفع دخلا.
وما يؤكد أن منظومة الدعم الحالية غير عادلة، جراء الطابع الشمولي لها، ما أفرزته نتائج الدراسة التي أنجزها المعهد الوطني للإحصاء ومركز البحوث والدراسات بالتعاون مع البنك الإفريقي للتنمية. حيث أن الفقراء الذين يمثلون قرابة 15.5% من مجموع السكان لا يستفيدون إلاّ ب12% من جملة النفقات المرصودة للدعم سنة 2011 (64 دينارا مقابل 87 دينار لفائدة المواطن المنتمي للطبقة المتوسطة أو الميسورة).
ومن جهة أخرى، أفرزت نتائج الدراسة المذكورة ونتائج المسح الوطني حول إنفاق الأسر واستهلاكها أن حوالي ربع نفقات الدعم يتمّ استعماله في الأغراض غير المخصصة لها من خلال التهريب والاستعمالات الصناعية أو التجارية.
وتجدر الإشارة إلى أن سياسة الدعم الشمولية تعتبر عائقا كبيرا لتحفيز المنافسة وتحقيق النجاعة الاقتصادية في القطاعات التي تدخل تحت غطاء الدعم. كما أكدت التجارب أن التعويض لا يؤدي في جميع الحالات إلى الجودة العالية التي أصبحت من أهم العناصر التي ترتكز عليها تنافسية المنتوج عند التصدير.
وتبعا لما تمّ بيانه، أصبح تعديل سياسة الدعم أمرا ضروريا من خلال التفكير في طرق تمكن من تحقيق الأهداف التي من أجلها تركز الدعم. ويمكن، في هذا المجال الاستئناس بالتجارب الأجنبية. وهو موضوع طرح على المنتدى الاقتصادي الوطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.