نص الفصل 280 من مجلة الشغل على ضرورة إنتداب العملة عن طريق مكاتب التشغيل العمومية أو مباشرة. و على أساس ذلك أكد ممثلوا الوزارة المكلفة بالتشغيل في أكثر من مناسبة خاصة من خلال البرامج التلفزية الضحلة التي عادة ما لا يحضرها العارفون بالثغرات التي يتضمنها التشريع أن خدمات الإنتداب لا زالت حكرا على الدولة. خلافا لذلك، نلاحظ أن شركات عالمية عملاقة إنتصبت ببلادنا لتسدي خدمات الانتداب و السمسرة في اليد العاملة و ذلك بمجرد إيداع تصاريح بالإستثمار لدى وكالة النهوض بالصناعة او بالاحر بالبطالة والتلبس بالالقاب و الحال أن النشاط التجاري الذي هم بصدد القيام به لم تتم الإشارة إليه ضمن الأمر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 متعلق بقائمة الأنشطة المنتفعة بالإمتيازات الجبائية ويخضع لمقتضيات المرسوم غير المفعل من قبل الفاسدين عدد 14 لسنة 1961 متعلق بمباشرة التجارة من قبل الأجانب فضلا عن ان نشاط الانتداب حكر على الدولة. فنشاط السمسرة في اليد العاملة المجرم بفرنسا منذ سنة 1848 نشاط تجاري على معنى الفصل 2 من المجلة التجارية و تبقى مباشرته من قبل الأجانب خاضعة لمقتضيات المرسوم عدد 14 لسنة 1961 متعلق بمباشرة الاجانب لانشطة تجارية. فهذه الشركات التجارية قدمت تصاريح بالاستثمار مغشوشة نصصت من خلالها على مباشرة نشاط الاستشارات و الدراسات القانونية و الإجتماعية دون التنصيص على نشاطها الحقيقي الذي يخضع لاحكام المرسوم المشار اليه اعلاه و من المفروض أن يبقى حكرا على التونسيين طالما أن نشاط انتداب و توظيف اليد العاملة لم نتفاوض بعد بشأن تحريره في إطار الإتفاقية العامة لتجارة الخدمات داخل المنظمة العالمية للتجارة أو إتفاق الشراكة مع المجموعة الأوروبية. هذه الثغرات، ذات الإنعكاسات الخطيرة على المؤسسات التونسية وعلى سوق الشغل وعلى وضعية العملة إذا أخذنا بعين الاعتبار الفراغ التشريعي المتعلق بالمناولة، ناجمة أساسا عن انعدام الرقابة وعدم الإحساس بخطورة التحرير العشوائي والوحشي لقطاع الخدمات والاهمال نتيجة الفساد الاداري غير المجرم صلب الفصل 107 من المجلة الجزائية والأخطاء الفادحة التي تضمنها الأمر الفاسد عدد 492 لسنة 1994 الذي نمى ولا زال ظاهرة استيراد البطالة والتحيل وتبييض الجرائم. فالفصول 28 و29 و30 من مجلة الشغل المتعلقة بمؤسسات اليد العاملة الثانوية لم تتناول بالتنظيم نشاط كراء اليد العاملة ووضعها على ذمة الغير لتضيع بذلك حقوق العملة. فالملاحظ خلال الفترة الاخيرة ان عددا من شركات مناولة اليد العاملة تركت عمالها يتخبطون في حيرة من امرهم على اثر تبليغ اصحابها قرارات في التوظيف الاجباري باعتبار ان اغلبهم لا يصرحون بمداخيلهم و بالاداء على القيمة المضافة. كما تركت حرفاءها في حيرة من امرهم بحكم مسؤوليتهم التضامنية تجاه العملة حسب مجلة الشغل. فحتى الاستشارة الوطنية حول التشغيل المجراة سنة 2008 والتي تناولت بالدرس مسالة ايجاد اطار قانوني لمؤسسات مناولة اليد العاملة وانتدابها لم يتمخض عن اعمالها وتوصياتها أي شيء يذكر الى حد الان. ثم لماذا لم تتحرك المصالح الادارية المعنية بنشاط انتداب اليد العاملة والسمسرة فيها وبمباشرة انشطة تجارية من قبل الاجانب على وجه غير شرعي لتفعيل القانون على الرغم من علمها بذلك وحماية سوق الشغل من المنافسة الاجنبية دون تكريس مبدا المعاملة بالمثل وكذلك تلك التي اشرفت على اعداد الفصل 2 من مجلة التشجيع على الاستثمارات او بالاحرى على نهب الموارد العمومية واستيراد البطالة وامر التطبيقي الفاسد عدد 492 لسنة 1994 لادخال التحويرات اللازمة واصلاح الأخطاء الفادحة التي تضمنها احكامها حماية لسوق الشغل ورافة ببطالينا. ان نشاط السمسرة في اليد العاملة وانتدابها مصنف تحت عدد 872 بالقائمة الملحقة بالاتفاقية العامة لتجارة الخدمات بالمنظمة العالمية للتجارة وهو معني بالتفاوض في اطار تحرير قطاع الخدمات ولا ندري على ماذا سوف نتفاوض اذا كان محررا من جراء انتهاك الاجانب لقوانيننا واحتلال ادارتنا من قبل عصابات الفساد. لماذا لم تتحرك المصالح المختلفة لوضع حد لنشاط الشركات الاجنبية المنتهكة لقوانيننا. هل يسمح للتونسيين بمباشرة تلك الانشطة بفرنسا وغيرها من البلدان الاوربية اين توضع كل العراقيل من تاشيرة وغير ذلك لثني الاجانب عن الانتصاب داخلها حماية لسوق شغلها اين وجب ان تعطى الاولوية للوطنيين. فالبلدان الاوربية تحكم اغلاق حدودها في وجه الاجانب وتضغط على البلدان غير المتطورة و التابعة لتفتح سوقها لاستيراد البطالة الاوربية. ان اول خطوة يجب القيام بها لحل مشكلة التشغيل تتمثل اساسا في حماية سوق الشغل من العمالة الاجنبية وحماية المؤسسات الناشطة في مجال الخدمات من المزاحمة الاجنبية قبل التحرير وتكريس مبدا المعاملة بالمثل خاصة اذا علمنا ان الاجانب يحكمون غلق حدودهم في وجه مهنيينا و يرغبون في تصدير الفقر والبطالة لتزيد من معاناة البلدان التي تواجه صعوبات في توفير مواطن شغل لبطاليها. هل يعقل ان يسمح للشبكات العالمية للمحاماة والمحاسبة بالانتصاب على وجه غير قانوني ببلادنا لتقطع رزق المحامين والمستشارين الجبائيين وممتهني المحاسبة من خلال الاعمال المخلة بقواعد المنافسة التي تقوم بها حيث تفرض على حرفائها بالخارج التعامل مع ممثليها دون سواهم بتونس لتسلبهم حرية الاختيار وفي مجالات محجر على ممثليهم مباشرتها مثل الاستشارة القانونية و الجبائية. هذه الشبكات لا تابه بسيادة الدول وقوانينها اذ ان لها تاريخ حافل في مجال الفضائح المالية والمحاسبية من خلال قبضها لاجور مرفعة دون احترام تعريفة الاجور المضبوطة بالنصوص التشريعية والترتيبية و كذلك من خلال الجمع بين مهام المراقبة ومهام اخرى كالتكوين والدراسات والاستشارات وغير ذلك من الخدمات وهذه التصرفات خطيرة جدا على سلامة المعاملات المالية. هل يعقل ان يسمح لعلامات تجارية اجنبية معروفة في مجال الخدمات ذات الطابع الفكري كالمحاماة والاشهار والمحاسبة والاستشارة الجبائية والقانونية وغير ذلك من الخدمات المعنية بالتحرير والتفاوض بالتواجد ببلادنا في خرق للقوانين المهنية والاقتصادية مثلما هو الشان اليوم قبل التحرير و تكريس مبدا المعاملة بالمثل لنتحدث بعد ذلك عن بطالة حاملي الشهادات العليا. هل يعقل أن يقوم الأجانب بإيداع تصاريح بالاستثمار مغشوشة وغير حقيقية ليباشروا نشاط المحامي والتاجر والمحاسب والمستشار الجبائي والمستشار المالي ومهندس الفضاءات الداخلية ومخطط المدن والوكيل العقاري وغير ذلك من المهن المنظمة وغير المنظمة بقوانين وما اكثرها دون أن يتم تتبعهم وتفعيل القوانين المهنية والاقتصادية تجاههم في الوقت الذي يواجه فيه حاملوا الشهادات العليا صعوبات في الإنتصاب لحسابهم الخاص من جراء المنافسة اللاشرعية وفي الوقت الذي تحول فيه طرد الاجانب الى ورقة انتخابية داخل البلدان الاروبية التي نخص بالذكر منها فرنسا. هل يعقل ان تتمكن شركة اجنبية من مباشرة نشاط الوساطة والسمسرة في تذاكر المطاعم في خرق للمرسوم عدد 14 لسنة 1961 بعد ايداع تصريح بالاستثمار مغشوش يتعلق بصنع الورق وتوزيعه بالتشارك مع اصهار الرئيس المخلوع وتحتكر التعامل مع المؤسسات العمومية وهو ما يعد جريمة حسب المجلة الجزائية. الاتعس من كل ذلك ان تواصل المؤسسات العمومية التعامل مع تلك المؤسسة الى حد الان، الشيء الذي يثبت ان دار لقمان لا زالت على حالها وان عصابات الفساد لا زالت فاعلة. هل يعقل ان يتمكن المجرمون من اشباه المستثمرين من ايداع تصريح بالاستثمار مغشوش تحت عنوان تدقيق اداري واقتصادي وقانوني واجتماعي واستشارت ومرافقة المؤسسات وغير ذلك من التسميات التي ابتدعها الفاسدون للحصول على الاقامة لا غير او لبعث شركات على شاكلة صناديق بريد للقيام بنشاط تبييض الامول او الجرائم الجبائية محولين تونس الى جنة جبائية وعدلية. هلى يعقل ان تتمكن عشرات الجمعيات الاجنبية للمتقاعدين من مكباشرة انشطة اقتصادية على مراى ومسمع من الفاسدين الذين مكنوها من فتح حسابات بنكية منذ عشرات السنين بموافقة البنك المركزي. فلو كان بإمكان المهنيين الإشراف على مهنهم من خلال الترسيم بجدول والحصول على بطاقة مهنية مثلما هو الشأن داخل أوروبا لما أمكن للأجانب إيداع تصاريح مغشوشة لمباشرة أنشطة إقتصادية قبل التحرير وتكريس مبدأ المعاملة بالمثل حتى لا نعطيهم أسبقية في المنافسة على حساب المؤسسات التونسية و نساعدهم على قطع رزق التونسيين. ان الحديث عن التشغيل والتنمية يعد ضربا من ضروب الكذب المفضوح والضحك على الذقون، اذا لم يبادر الحكام الجدد بفتح تحقيق بخصوص وكالة النهوض بالصناعة والتجديد ومركز النهوض بالصادرات والاهمال من خلال تعطيل احكام المرسوم عدد 14 لسنة 1961 والفصل 285 من مجلة الشغل وتعطيل اعمال المجلس الوطني للخدمات منذ احداثه سنة 2006 والمكلف نظريا بمعالجة المسائل المشار اليها بهذا المقال وكذلك بوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد الذي ساهم بصفة خطيرة في اهدار المال العام ونمى ظاهرة استيراد البطالة والتحيل والجريمة المنظمة والبطالة والتخلف. الاسعد الذوادي عضو معهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا