الأسعد الذوادي نص الفصل 280 من مجلة الشغل على ضرورة انتداب العملة عن طريق مكاتب التشغيل العمومية أو مباشرة. وعلى أساس ذلك أكد ممثلو الوزارة المكلفة بالتشغيل في أكثر من مناسبة أن خدمات الإنتداب لا زالت حكرا على الدولة. خلافا لذلك، نلاحظ أن شركات عالمية عملاقة إنتصبت ببلادنا لتسدي خدمات الانتداب والسمسرة في اليد العاملة وذلك بمجرد إيداع تصاريح بالإستثمار لدى وكالة النهوض بالصناعة علما بان نشاط السمسرة باليد العاملة لم تتم الإشارة إليه ضمن الأمر عدد 492 لسنة 1994 متعلق بقائمة الأنشطة المنتفعة بالامتيازات الجبائية ويخضع لمقتضيات المرسوم عدد 14 لسنة 1961 متعلق بمباشرة التجارة من قبل الأجانب فضلا عن ان نشاط الانتداب حكر على الدولة. فنشاط السمسرة في اليد العاملة نشاط تجاري على معنى الفصل 2 من المجلة التجارية وتبقى مباشرته من قبل الأجانب خاضعة لمقتضيات المرسوم عدد 14 لسنة 1961 متعلق بمباشرة الأجانب لأنشطة تجارية. فهذه الشركات التجارية قدمت تصاريح بالاستثمار مخالفة للواقع نصصت من خلالها على مباشرة نشاط الاستشارات والدراسات القانونية والإجتماعية دون التنصيص على نشاطها الحقيقي الذي يخضع لأحكام المرسوم المشار اليه اعلاه ومن المفروض أن يبقى حكرا على التونسيين طالما أن نشاط انتداب وتوظيف اليد العاملة لم نتفاوض بعد بشأن تحريره في إطار الإتفاقية العامة لتجارة الخدمات داخل المنظمة العالمية للتجارة أو إتفاق الشراكة مع المجموعة الأوروبية. هذه الثغرات ذات الإنعكاسات الخطيرة على المؤسسات التونسية وعلى سوق الشغل وعلى وضعية العملة إذا أخذنا بعين الاعتبار الفراغ التشريعي المتعلق بالسمسرة في اليد العاملة ناجمة أساسا عن انعدام الرقابة وعن عدم الإحساس بخطورة التحرير العشوائي والوحشي لقطاع الخدمات نتيجة الأخطاء الفادحة التي تضمنها الأمر عدد 492 لسنة 1994 الذي نمى ولا زال ظاهرة استيراد البطالة. فالفصول 28 و29 و30 من مجلة الشغل المتعلقة بمؤسسات اليد العاملة الثانوية هي مقتضيات عامة تتعلق بالعمل الوقتي ولا تخص نشاط السمسرة في اليد العاملة غير المسموح به دون عقاب حسب الفصل 6 من مجلة الشغل، المجرم صلب مجلة الشغل الفرنسية، لتضيع بذلك حقوق العملة الذين وجدوا نفسهم في وضعية عبودية من نوع جديد. فالملاحظ خلال الفترة الاخيرة ان عددا من شركات السمسرة في اليد العاملة التي تحولت الى اليات للتحايل على القانون واضطهاد العملة تركت عمالها يتخبطون في حيرة من امرهم على اثر تبليغ اصحابها قرارات في التوظيف الاجباري باعتبار ان اغلبهم لا يصرحون بمداخيلهم وبالاداء على القيمة المضافة. فالبعض من باعثي شركات السمسرة في اليد العاملة اثرى بصفة فاحشة بالاداء على القيمة المضافة والضريبة على الشركات واداءات اخرى دون الحديث عن المساهمة بعنوان الضمان الاجتماعي من خلال غلق شركاتهم المدينة للخزينة العامة بمبالغ خيالية وفتح شركات جديدة دون ان تفعل ضدهم المقتضيات الجزائية المتعلقة بالتحيل الجبائي والاستحواذ على الاداء على القيمة المضافة المشار اليها بمجلة الحقوق والإجراءات الجبائية. فاصحاب هذه الشركات عادة ما لا يعرفون العمال الذين يصدرون بعنوانهم الفواتير الا من خلال القوائم التي تبعث بها الشركات المتعاملة والمتواطئة معهم في اعمالهم المضرة بالعمال ظانة عن جهل انها لا تتحمل اية مسؤولية عند التعامل مع سمسار في مجال اليد العاملة لان العمال بامكانهم مقاضاتها بصفة تضامنية والمطالبة بكل حقوقهم مقارنة بالاجراء المرسمين بتلك المؤسسات. هذه الاعمال الشنيعة جرمها المشرع الفرنسي منذ سنة 1848 حيث خصها صلب مجلة الشغل بعقوبة بالسجن لمدة سنتين وخطية بما قدره 30 الف يورو بالنسبة للاشخاص الطبيعيين و 150 الف يورو بالنسبة للاشخاص المعنويين دون الحديث عن التشهير بها عبر الصحف وحرمانها لمدة خمس سنوات من الانتفاع بالدعم العمومي وغلق المؤسسات المخالفة. فخلافا لما صرح به احد الجهلة بأحد البرامج التلفزية فان العمل الوقتي (Travail temporaire) هو المسموح به داخل فرنسا وغيرها من البلدان المتطورة التي لا يمكنها ان تسمح بالعبودية الجديدة وتعذيب الإنسان. كما ان تلك الشركات تركت حرفاءها في حيرة من امرهم بحكم مسؤوليتهم التضامنية تجاه العملة حسب الفصول 28 و 29 و 30 من مجلة الشغل. فحتى الاستشارة الوطنية حول التشغيل التي تناولت بالدرس مسالة ايجاد اطار قانوني لمؤسسات مناولة اليد العاملة وانتدابها لم يتمخض عن اعمالها وتوصياتها أي شيء يذكر الى حد الان. أما بعض مكاتب الهجرة فقد فاحت منها منذ مدة بعيدة رائحة التحيل دون ان تحرك الوزارة المعنية بالهجرة أو التشغيل ساكنا حماية للعاطلين عن العمل الذين تقطعت بهم السبل لتزيد تلك المكاتب في ماساتهم. ثم لماذا لم تتحرك المصالح الادارية المعنية بنشاط انتداب اليد العاملة والسمسرة فيها وبمباشرة انشطة تجارية من قبل الاجانب على وجه غير شرعي لتفعيل القانون على الرغم من علمها بذلك وحماية سوق الشغل من المنافسة الاجنبية دون تكريس مبدا المعاملة بالمثل وكذلك تلك التي اشرفت على اعداد الامر عدد 492 لسنة 1994 لادخال تغييرات عليه لإصلاح الأخطاء الفادحة التي تضمنها حماية لسوق الشغل ورافة ببطالينا. إن نشاط انتداب اليد العاملة والعمل الوقتي مصنف تحت عدد 872 بالقائمة الملحقة بالاتفاقية العامة لتجارة الخدمات بالمنظمة العالمية للتجارة وهو معني بالتفاوض في اطار تحرير قطاع الخدمات ولا ندري على ماذا سوف نتفاوض اذا كان محررا من جراء انتهاك الأجانب لقوانيننا. لماذا لم تتحرك المصالح المختلفة لوضع حد لنشاط الشركات الاجنبية المنتهكة لقوانيننا. هل يسمح للتونسيين بمباشرة تلك الانشطة بفرنسا وغيرها من البلدان الاوروبية اين توضع كل العراقيل من تاشيرة وغير ذلك لثني الاجانب عن الانتصاب داخلها حماية لسوق شغلها؟ ان اول خطوة يجب القيام بها لحل مشكلة التشغيل تتمثل أساسا في حماية سوق الشغل من العمالة الأجنبية وحماية المؤسسات الناشطة في مجال الخدمات من المزاحمة الأجنبية قبل التحرير وتكريس مبدأ المعاملة بالمثل خاصة اذا علمنا ان الاجانب يحكمون غلق حدودهم في وجه مهنيينا ويرغبون في تصدير الفقر والبطالة لتزيد من معاناة البلدان التي تواجه صعوبات في توفير مواطن شغل لبطاليها . فلو كان بإمكان المهنيين الإشراف على مهنهم من خلال الترسيم بجدول والحصول على بطاقة مهنية مثلما هو الشأن داخل أوروبا لما أمكن للأجانب إيداع تصاريح مغشوشة لمباشرة أنشطة إقتصادية ولما اعطيناهم أسبقية في المنافسة على حساب المؤسسات التونسية.