بعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والانتقال من الوضع المؤقت الذي انتقده الجميع إلى الوضع الدائم كان التونسيون يعتقدون أن كل مشاكلهم ستحل وأن الاستقرار سيحل محل الانفلات والتوتر والاحتقان وأن التنمية ستحل محل العطالة وأن الاتفاق سيحل محل الشقاق وأن الرفاهية ستحل محل الفقر والخصاصة وأن الجميع سينكب على العمل والبناء… فقد استوعب الجميع الدرس ولم يعد ممكنا الخوف على الوضع من العودة إلى ما كان عليه قبل الثورة… هذا ما كنا نسمعه ليل نهار من ممثلي الأحزاب التي كانت واقفة كالشوكة في حلق الترويكا الحاكمة وكحجر لبعثرة الضخم في مجرى الحياة الاقتصادية والسير العادي لكل مجالات الحياة تقربا بسبب عداوات إيديولوجية مقيتة ومعركة مصالح ونفوذ وسيطرة على مفاصل الدولة كادت تحرق الأخضر واليابس… لقد رأينا كيف تم وبعد لأي شديد تكليف السيد"الحبيب الصيد" بتشكيل الحكومة الجديدة الداسمة والمستقرة… ولكن وعوض أن يلاقي هذا التكليف الترحيب من كل الأطراف وخاصة تلك التي كانت تستأسد في تركيع الترويكا الحاكمة والتي عملت على الاستقواء بمراكز الضغط المختلفة في الداخل والخارج… و ببقايا التجمع المنحل الذي تشكل في ثوب جديد أطلق عليه اسم "نداء تونس" بعد تطعيمه ببعض الوجوه اليسارية .. رأينا كيف أن تلك الأطراف بالذات أصبحت اليوم في طليعة الممتعضين من ذلك التعيين.. لأنه " أي السيد الصيد" من الوجوه القديمة للنظام البائد حسب وعمهم ولأنه يمثل المنضومة الأمنية ولا ينتمي إلى الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية"؟؟؟ وكأن أغلب رموز النداء حليفهم الأكبر فيما سمي يوما ب"جبهة الإنقاذ لا تنتمون إلى نفس تلك المنظومة ثم لم يقف الامتعاض والتأفف وحتى المعارضة على من هم خارج الحزب الحاكم الجديد بل أن أطرافا منتمية إلى نفس ذلك الحزب لم تستسغ تلك التسمية وأعربت عن استغرابها من إقصاء هياكل الحزب وعدم استشارتها وتم اتهام رئيس الحزب المستقيل حديثا (بسبب تنصيبه رئيسا للدولة )من أنه أصبح ألعوبة بيد بعض الأطراف داخل الحزب وأن العصبية العائلية بدأت تفعل فعلها في الممارسة السياسية داخل الحزب هياكل الدولة؟؟؟ كما أن بعض أعضاء الحزب صرح أن هذه الحكومة التي سيشكلها "الصيد" لن تكون دائمة وإنما هي ستعمل بشكل ظرفي للقيام بمهمات محددة ثم تترك المجال لغيرها؟؟؟ كما أننا رأينا كيف تم التصدي لهيئة الحقيقة والكرامة ومنعها من القيام بمهامها وإدخالها في مهاترات وصلت حد التهديد بحلها ومحاكمة رئيستها… ثم رأينا موجات الارتفاع في أسعار بعض المواد الغذائية ورفع الدعم عن الكراس المدرسي في انتظار رفع الدعم عن العديد من المواد الغذائية الأساسية الأخرى.. كما ينتظر التونسيون الرفع في معلوم الكهرباء والماء… هذا في ظل تواصل غياب آفاق العمل … وضعف الإنتاج والاستثمار واستمرار تفشي ظاهرة الإرهاب التي لا زالت تحصد أرواح الأبرياء… كما أننا رأينا طريقة اعتقال المتهمين بذبح رجل الأمن "الشهيد محمد علي الشرعبي " من خلال الشريط الذي بثه موقع يطلق على نفسه اسم "صفحة الأمن الوطني التونسي" والذي خلنا أن مثل تلك الممارسات الممتهنة لكرامة الانسان قد ولت بدون رجعة مع انهيار نظام الفساد البائد خاصة مع ما أصبحنا نسمع به من تصريحات تؤكد على أن الأمن التونسي أصبح أمنا جمهوريا… كما رأينا كيف تم ترويج الأشرطة التي تظهر أولئك المتهمين وهم يعترفون بارتكابهم لتلك الجريمة على الفضائيات في خرق واضح للقانون وتحد للدولة حسب ما أكده ممثل النيابة العمومية السيد سفيان السليتي… لنرى بعد ذلك الأمنيين يطالبون بتمكينهم من حمل أسلحتهم خارج أوقات العمل ويشنون من أجل ذلك الوقفات الاحتجاجية والامتناع عن العمل الإداري .. مما جعل السلطة تخضع لطلباتهم وإن بشروط في هذا الظرف الدقيق والحساس الذي تمر به البلاد… وها نحن نرى الإضرابات في العديد من القطاعات والعديد من الجهات لتعود وتفرض نفسها على المشهد اليومي.. وخاصة بجهة قفصة حيث عدنا لنرى كيف يقوم الأمن بالتصدي بكل عنف للمحتجين المطالبين بحقوقهم في الترسيم وكيف تمت العودة لاستهداف مقرات الأمن بالاستباحة والحرق من طرف المواطنين الثائرين… كما أن رأينا كيف انقطعت الدروس في العديد من معاهد التعليم الثانوي بسبب التغييرات الجديدة المزمع إدخالها على مناظرة "الباكالوريا" .. إن كل ما نشاهده ونسمعه لا يزيد التونسيين إلا خوفا من المستقبل .. فالساحة السياسية لا تزال تعاني من الاستقطاب الحاد والصراع على السلطة والخطاب المتشنج والتحريضي… واستحقاقات الثورة ومطالب الشعب لا تزال مركونة على الرف لا يلتفت إليها أحد… والإرهاب لا يزال يضرب وبقوة وبدون سابق إنذار … والوضع في ليبيا الجارة الشقيقة المجاورة لا يبشر بخير… وعجلة الاقتصاد لازالت معطلة… والغلاء في ارتفاع مستمر… وأمام كل هذا نرى التخبط الذي يعاني منه الحزب الحاكم والطبقة السياسية التي لا زالت إلى اليوم لم تدرك خطورة الأوضاع وما يمكن أن تؤول إليه الأمور خاصة ونحن نرى ارتفاع العديد من الأصوات التي تنادي بإطلاق ثورة جديدة يوم 14 جانفي المقبل لإعادة الأمور إلى نقطة الصفر…. فهل نحن أمام إرهاصات ثورة جديدة على منوال سابقتها أم أن كل ما يحدث ليس إلا أمرا طبيعيا وأن قادم الأيام سيكون بداية الانطلاقة الحقيقية لتحقيق كل طموحات الشعب التونسي؟؟؟ الأيام القليلة القادمة هي وحدها الكفيلة بالإجابة عن هذه التساؤلات الذي يطرحها التونسيون وبإلحاح لكن أصواتهم تذهب للأسف أدراج الرياح وسط صمم رجال السياسة وانكبابهم على نهش بعضهم البعض من أجل الفوز بمغانم الحكم العظيمة..