لقد أثار بعض الناس الذين يسمّون أنفسهم قرآنيين أن السنة ليست مصدراً للتشريع ، وقالوا : إن أمامنا القرآن ، نُحِل حلاله ، ونُحرم حرامه … يظنون أن الحلال يؤخذ من القرآن فقط ، وأن الحرام يؤخذ من القرآن فقط ، إذا قلت لهم عن أمر إنه حرام ، قالوا لك : أعطنا آية في القرآن تذكر هذا، ( كمن طلب آية تصرّح بتحرم الخمر ، وآية تحرّم الزنا بلفظ صريح ) إخوتي الكرام : هذا الذي نتحدث عنه تنبأ به النبيّ صلى الله عليه وسلم حيث أخبر أن أناساً من أمته سيأتون بعده يقولون بيني وبينك القرآن، أما كتب البخاري أو مسلم فهي لا تلزمنا … اسمعوا هذا الحديث العظيم لرَسُولُ اللَّهِ ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثِي فَيَقُولُ : بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلالا اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَمْنَاهُ ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ). إن ما يخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه حرام، فالله هو الذي جعله حراما لأنه عليه الصلاة والسلام لا يأتي بتشريع من عنده، وإنما كل شيء من الله رب العالمين، يقول سبحانه: (إن هو إلا وحي يوحى) (النجم4) فرسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى إليه الله بأن يحرم أموراً لم تُذكر في القرآن، وأوحى إليه بأن يفصّل أموراً لم يرد تفصيلها في القرآن… فلولا السنة لم يعرف المسلمون عدد ركعات الصلوات وصفاتها ، ولم يعرفوا تفصيل أحكام الصيام والزكاة، والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يعرفوا تفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات، وما أوجب الله من حدود وعقوبات … لهذا تنبهوا أيها الناس من أن نقع في هذا الخطر العظيم الذي يقع فيه بعض الناس اليوم : إذا قُلت له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرفض منك ذلك ، ولا يرضى إلا بآية من القرآن … يفرّق بين طاعة الله وطاعة رسوله … اسمعوا وأنصتوا ماذا يقول الله تعالى في القرآن العظيم: يقول تعالى في سورة آل عمران: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ، ويقول في سورة النساء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ويقول تعالى في سورة النساء أيضا: ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وكيف تمكن طاعته صلى الله عليه وسلم ورَدُّ ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله، إذا كانت سنته لا يُحتج بها… وقال عز وجل في سورة الحشر: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) … والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على ترابط الكتاب والسنة ، فهما أصلان متماسكان … وقد تعددت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب طاعته، واتباع ما جاء به، وتحريم معصيته، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:(من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله) عباد الله: هؤلاء الذين يدّعون أنهم قرآنيون، ليسوا بقرآنيين، أبدا، لأن القرآن أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يقرب من مائة آية واعتبر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله عز وجل ونفى الإيمان عمن رفض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقبل حكمه فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً (النساء 65)… أيها المؤمنون : يظن كثيرٍ من المسلمين أنَّك إذا سألت عالِمًا فأجابك، فإن المسؤولية بين يدي الله تكون على ذلك العالم لا عليك ، لأنك وضعتها في رقبته كما يقولون … وهو اعتِقاد باطل فقد حذر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من إجابة أولئك الذين يُضِلُّون الناس، فيُحِلُّون ما حرَّم الله، أو يُحَرِّمون ما أَحَلَّ الله ، ويكون مصير من اتبعهم جهنم والعياذ بالله ، قال صلَّى الله عليه وسلَّم : (مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها)… ثم يفصح عنهم فيقول: (هم من جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا) …هم يَعِيشون بيننا ، ويُفسِدون علينا ديننا، هم الذين يُفتُون فيما يعرِفون وما لا يعرِفون، هم الذين يؤوّلون الدين حسب أهوائهم ، ويمارسون حريتهم التي يفتخرون بها على حساب الدين … يرتدون رداء الحرية فيعتدون بالعنف القولي والفكري على هوية الأمة، ويشككون في ثوابت الشعب المسلم ، بدعوى استعمال العقل في فهم القرآن … نسأل الله السلامة والثبات والصدق والسداد … الخطبة الثانية : قال تعالى في كتابه العزيز: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور:19) حَرَص الإسلام أشد الحرص على مُحَاصَرة الفواحش بكل أنواعها، وعلى منْع إشاعتها، وإغلاق كل السُّبُل المؤدِّية إليها… كما حرص على تجفيف منابع الفاحشة ، حتى لا تراها عين، ولا تسمعها أذن، ولا يَتَحَدَّث بها لسان ، وشدد على الذين يروجون للفواحش في المجتمع المسلم ، ويزينونها في عيون الناس، لتكون عاديّة لديهم … وليس أخطر على المجتمع من التعود على الشرِّ وقبوله … فوسائل الإعلام التي جعل أكثرها من تزيين الفاحشة هدفًا، تُعدُّ من أجله البرامج والمسلسلات ، وتسلط الضوء على بعض الظواهر الخاصة لتبدو وكأنها صورة للمجتمع كله ، فتسوء سمعة مجتمعنا… تطرح المواضيع بجرأة وتعرِضها بطريقة مثيرة، وأحيانًا مغرية، فتصبح دعايةً للدّاء، وإعلانًا له، بدل أن تنفِّرَ منه وتصرِف الشبابَ عن الوقوع فيه… فماذا ستكون نتيجة ذلك ؟ وماذا سيفعل هؤلاء الشباب وهم يسمعون فيها من يحلل الخمر والبغاء ، ويرفض أحكام الشريعة ، ويقول إنّ الحرية ديني ؟… ونتساءل بعد هذا :" لِمَ كثُرَ الفساد والانحراف والانحلال في مجتمعنا ؟" !! … عباد الله: كان أهل الجاهلية إذا امتلك أحدهم أمة أرسلها تزني لتجلب له المال، فلما جاء الإسلام نهى اللّه المؤمنين عن ذلك قائلا : ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا …﴾ … وها نحن نرى هؤلاء يزعمون أن البغاء حلال وهو مهنة مثلُ بقية المهن ، شرط أن لا يقع بالإكراه … في حين أنه تعالى نهى عنه فقال:( ولا تقربوا الزنا ) ، والمعلوم أنه إذا قيل للناس لا تقربوا كذا ، فهذا آكد من أن يقال لهم :لا تفعلوه ، خاصة وقد وصفه الله بأنه فاحشة وساء سبيلا … أيّها المؤمنون الكرام: القضية تَمَسُّنا جميعًا ، وإن ما يحصل يندرج ضمن مشروع خطير ، يهدف لتشويه الاسلام ، وإشاعة الفاحشة بين الناس … وقد تكون خطة لصرف الناس عن التشبث بدينهم ، وإلهائهم عن قضايا هم الحقيقية (الثروات المنهوبة ، وتفشي البطالة ، وملفات الفساد …) ولكن قوى الإفساد مهما عملت فلن تستطيع إطفاء نور الله الذي قال:(يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره …)(التوبة32)