قد تستغربون لأنكم سمعتم هذا المثل أو هذه المقولة … وقد تتساءلون لماذا بدأت بها هذا المقال ؟؟ هل المعلم كالشمعة ؟؟؟ هل نحترق ليضيء الآخرين؟؟؟ الكائن الحي يمثل دورة الحياة وهو سيدها، ومن يقودها ويحركها وغير منصف من يمر مرور الكرام عندما يسمع كلمة معلم وغير مدرك لأهمية وفعل المعلم ودوره في الحياة كلنا لولا المعلم ما كنا ولما صرنا كما نحن فالمعلم هو اصل الاشياء المفيدة في الحياة هو حامل العلم وناقل المعرفة ومعلم المعلومة لولاه ما كان الطبيب ولا كان المهندس ولا الوزير ولا الصحفي ولا المعلم ولا المدير كم واحدا منا يفاخر بمعلمه ويحني ظهره عندما يلتقيه وكم من وزير او طبيب اوعالم يخشع عندما يكون بحضرة معلمه الذي يعتبره صاحب الفضل فيما وصل اليه من علم ودرجات جعلته في اعلى الاعالي. هذا هو المعلم الشمعة الذي يعمل ويخلص فيعمل بصمت راجيا من الله الأجر والثواب … يربي ويُعلم ويَعمل ويَعلم بأن ناتج ما سوف يقوم به من أعمال سيراه ناتجا ايجابيا بوطنه وبالتالي فالعائد من عمله سيعود عليه وعلى أبنائه وهذا المعلم الذي يحقق من عمله ما يبتغيه الوطن فقم للمعلم أو لا تقم للمعلم فالمعلم يستحق ما هو أكثر من مجرد القيام له والمعلمون سئموا من قيام التلاميذ وقعودهم دون أن يغير ذلك من الوضع شيئا تماما مثلما سئموا من سماع قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي الشهيرة "قم للمعلم وفِّه التبجيلا"، بعد أن ظل الجميع يرددها منذ أن قالها قبل أكثر من سبعة عقود وحتى اليوم دون أن يتحول هذا التبجيل إلى فعل على أرض الواقع رغم قيام وقعود التلاميذ لهم كل يوم فلا أوضاع المعلم المادية تغيرت بينما أوضاعه المعنوية آخذة في التدهور مع تسليم الجميع بأهمية التعليم وبدور المعلم في العملية التعليمية من قمة الهرم إلى قاعدته . لا يختلف اثنان على أن التقدير المعنوي ضروري ومطلوب ومهم لكنه لا يمكن أن يكون هو الطريقة الوحيدة لتبجيل المعلم ورفع روحه المعنوية إزاء ما يواجهه من ضغوط الحياة ومن مشاق مهنة التعليم التي تحتاج مواصفات خاصة يجب أن تتوفر في شخصية المعلم لا ليتمكن فقط من إيصال المعلومة إلى الطالب بيسر وسهولة وإنما ليكون مثالا وقدوة له في الأخلاق والسلوك والتعامل مع شؤون الحياة كافة، لأنه كما قال عنه شوقي في قصيدته "يبني وينشئ أنفسا وعقولا". وإذا كنا نشترط في من يتصدى لبناء بيت أن تتوفر فيه صفات، أهمها الأمانة والمهارة ونظافة اليد، فكيف بمن يتصدى لبناء أنفس وعقول أبنائنا . أن تردي أوضاع العاملين في قطاع التعليم والمعلمين بشكل خاص ليس أمرا طارئا وإنما هو مسألة ممتدة تضرب بجذورها عميقا في قوانين المهنة والموارد البشرية التي ولدت وهي تحمل بذور المشكلة لأنها تفرق بين الوضع المعنوي للمعلم الذي ندعو إلى القيام له كي نوفيه التبجيل الذي يستحقه وبين الوضع المادي الذي يضعه في درجة أقل أو يساوي بينه وبين أي موظف آخر لا يحمل العبء الذي يحمله المعلم، مع احترامنا وتقديرنا لكل الوظائف ذلك أن المعلم يحمل عبء بناء وتنشئة نفوس وعقول فلذات أكبادنا الي جانب قيامهم بالتدريس في المدارس الابتدائية فهم مدعون إلى المشاركة في مجالس الأقسام و في سير الامتحانات و المشاركة في الاجتماعات ذات الصبغة البيداغوجية و في الأشغال و الدراسات و الملتقيات و الدروس النموذجية الرامية إلى تحسين مستوى التعليم و بناء على ما تقدم فان مشمولات المعلمين تقتصر على الجانب البيداغوجي لا غير الا انه مع اقتراب موعد الامتحانات فالي جانب إعداد الامتحانات و إصلاحها و هذا من مشمولاتهم فهم مطالبون بإعداد دفاتر المراسلة الخاصة بالمتعلمين و تعمير البطاقات الشخصية لكل متعلم و بطاقات الأقسام و هذه الأعمال هي أعمال إدارية و تعبر من مشمولات مدير المدرسة بالأساس الذي يتقاضي من اجلها منحة الإدارة . التبجيل الذي نريده للمعلم ذو شقين لا ينفصل أحدهما عن الآخر شق معنوي هو الذي تحدث عنه وطالب به شوقي قبل أكثر من سبعين عاما. ورغم قبول المعلمين به دهرا إلا أن هذا التبجيل أخذ في التراجع، فلم تعد للمعلم تلك الهيبة والمكانة التي كانت له أيام شوقي على الأقل.ويعود جزء من هذا التراجع إلى عدم حصول المعلم على الشق الثاني من التبجيل وهو الشق المادي الذي لم ينل منه المعلم حقه إذ ظلت قوانين الخدمة تضع لرواتب المعلمين سقوفا لا يمكن لهم أن يحدثوا ثقبا فيها،حتى لو تجاوزت سنوات خدمتهم ربع قرن بينما أصبح أي تلميذ من تلاميذهم يتقاضى بمجرد تخرجه، أضعاف ما يتقاضاه المعلم الذي أفنى عمره في تعليم هذا التلميذ، وبناء النفوس والعقول للأجيال التي كانت قبله، وسيبقى يؤدي مهمته لإعداد الأجيال التي ستأتي بعده. بات التوتّر يميّز المشهد التربوي في تونس منذ سنوات نتيجة لمشاكل بقيت عالقة بين نقابة التعليم التي تتمسك بمطالب مهنية، ووزارة التربية التي لم تتفهم تلك المطالب أزمة لم يتحمّل تبعاتها السلبية سوى التلميذ