كالعادة انبرى أذيال وأبواق السلطة لتبرير ما لا يبرر وتلميع كل ما هو البشع وقبيح وتسويق كل ما هو رديء .. وذلك بالعب على أنغام الوطنية ومصلحة البلاد وضرورة تقديم التضحيات.. والدعوة للحمة الوطنية لمجابهة الإرهاب والتصدي للخطر المحدق بالبلاد… بعد ذلك القرار الذي سبب صدمة لكل التونسيين والذي لم يكن أحد يتوقع أنه سيتم اتخاذه بذلك الشكل الاعتباطي… نعم يجب التحلي بروج المسؤولية…و لا بد من تغليب مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.. ولا بد من احترام القانون…و لا بد من التضحية ….كلام جميل لكنه مليء بالكذب والمغالطة والمخاتلة… إنه خطاب حق لا يراد به إلا باطل. لقد كان قرار الباجي قائد السبسي وحكومته مفاجئا للجميع وجاء في ظرف لم يكن أحد يعتقد أن البلد في حاجة إلى اتخاذ مثل هذا القرار الخطير (بإعلان حالة الطوارئ في البلاد) .. ثم إن القرار كان أحادي الجانب … ولكن الغريب أننا نسمع بعد ذلك من سي الباجي أنه يطلب من كل القوى الوطنية أن تلتف حول هذا القرار ؟؟؟ و يصرح بعد ذلك أن غير الوطنيين فقط هم من يمكن أن يعترضوا عليه؟؟؟ وهنا نرى كيف أن هذه الحكومة لا زالت تتعامل مع المعارضة والقوى الوطنية والشعب على أنهم مجموعة من القصر أو الأغبياء فهي تقرر ما تريد دون أن تستشير أحدا ثم تطلب من الجميع بالالتزام بما قررته وإن كانت تلك القرارات سخيفة أو خطيرة مثل هذا القرار الأخير وإلا فإنها ترميه بالخيانة والعمالة والإرهاب؟؟؟ ثم إن هذه الحكومة لم تقدم شيئا سوى التهجم على كل من يخالفها الرأي لتبرير أو تفسير أو توضيح ما أقدمت عليه وهو ليس بالقرار الهين ولا يخص الحكومة فقط وإنما يخص كل التونسيين وحاضر ومستقبل بلد بأسره وكان عليها إن أرادت أن يحظى قرارها بالقبول ويلتف حوله الجميع أن توسع من دائرة التشاور لا أن تضع الجميع أمام الأمر الواقع … هذه الحكومة تريد منا أن نسير خلفها مغمضي الأعين حتى وإن كانت تقودنا إلى الهاوية (وهي في الحقيقة لا تفعل سوى ذلك ) هي أعلنت فشلها وإفلاسها منذ توليها مقاليد السلطة.. لقد كان كل ما تجيده قبل تولي الحكم هو الكذب والتزييف وتقسيم التونسيين واللعب على تشويه وشيطنة الأطراف الأخرى واستغلت أبشع ما يكون الاستغلال مخاوف شرائح كبيرة من التونسيين من التطرف والانفلات…إذ لم يكن لهذه الحكومة (الحزب الحاكم) من برنامج سوى السب والشتم والكذب وزرع الفتن … ولما وصلت إلى الحكم وجدت نفسها في مأزق كبير وهو حتمية التحالف مع من وصلت الحكم نتيجة تشويههم وشيطنتهم وطرح نفسها بديلا ونقيضا لهم… ثم هي خانت كل من تحالف معها قبل الانتخابات وألقت بهم إلى سلة المهملات … ثم راحت تخبط خبط عشواء.. لتجني الفشل تلو الفشل والكارثة وراء الكارثة على كل الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والتربوية والخارجية والسياحية…. فشل يتلوه فشل… وهي تكابر وتلقي باللائمة على الآخرين… ولذلك لم يعد من خيار لهذه الحكومة للاستمرار في الحكم سوى اللجوء إلى القوة.. وقد هدد "الحبيب الصيد" عند تقديمه لبرنامج حكومته أمام مجلس النواب بمناسبة مرور ال 100 يوم على توليها السلطة بأنه ليس لديه ما يقدمه للشعب سوى العصا وبأن الحكومة ستكون صارمة وستطبق القانون وستضرب بيد من حديد ؟؟؟ ويبدو أن هذا القرار الأخير بإعلان حالة الطوارئ يندرج في نفس هذا السياق وهو ما يزيد من شكوك التونسيين وخوفهم من عودة نظام القمع والاستبداد… إن مثل هذا التصرف يذكرنا بما كنا نعيشه في الصغر عندما يلح الطفل الصغير في طلب شيء من أبيه ولكن أمام عجز الأب عن تلبية حاجة الابن وأمام إصرار هذا الأخير على التمسك بذلك الطلب يلجأ الأب لصفع ابنه وتعنيفه حتى يرغمه على التوقف عن الاستمرار في المطالبة ثم يجبره بعد ذلك على التألم في صمت والقبول بالأمر الواقع حتى لا يتصدع رأس الأب من البكاء. إن الحكومة التي لا تحترم شعبها لا تستحق أن يحترمها الشعب… إن نجاح أي حزب في الانتخابات لا يمنحه الحرية المطلقة في أن يفعل بالبلاد وبالناس ما يريد دون حسيب أو رقيب… ونحن لم نر من هذه الحكومة سوى المماطلة والتسويف والتخبط وقلة الوضوح… فلا تنمية ؟؟ ولا محاسبة؟؟ ولا مشاركة؟؟؟ ولا أمن؟؟ ولا عمل ولا برامج؟؟؟ ولا محاربة للفساد والمفسدين؟؟؟ ولا إصلاح؟؟ بل على العكس نحن نرى أن بلادنا يسير يوما عن يوم إلى الوراء.. الانفلات يعم البلاد.. الجريمة تتفشى في المجتمع.. الاقتصاد يغرق والبلد يرزح تحت الديون ويرتهن للأجنبي… البلد يصبح مرتعا للجواسيس وجنة لتبييض الأموال والتهريب… الفقير يزيد فقرا والغني يزيد غنا… لا شغل ولا حرية ولا كرامة…المساجد تغلق وجمعيات الشذوذ تبعث وتمول من المال العام…. لذلك أعلنت حالة الطوارئ.. أنها تهدف لإرغام الشعب على القبول بالأمر الواقع.. القبول بالفشل.. القبول بالفساد.. طي ملفات المحاسبة… القبول ببيع البلد للأجنبي.. ثم نرى عبر إعلامنا المنحاز جوقة المطبلين والمهللين من المنافقين والمتسلقين وهم يشيدون بالقرار التاريخي الذي يسلب المواطنين حرياتهم ويطلق يد القمع تفعل بهم ما تشاء… دولة يتم إغراء المواطنين فيها على ممارسة مهنة الوشاية بمقابل.. ويتم تخوين كل المعارضين فيه وتهديدهم بسحب الجنسية وبالقتل..ويتم تقسيم المواطنين فيه وبث العداوة والشقاق بين مختلف فئاته… ويتم فيه أخذ قرار فرض حالة الطوارئ بكل ارتجالية .. ماذا سيكون مستقبله؟؟؟