في الوقت الذي توشك فيه العطلة الصيفية على الانتهاء … وفي الوقت الذي بدأ الجميع فيه يستعدون للعودة المدرسية وسط عدم وضوح الرؤية وانتظار لانفراج الأوضاع… خاصة بين نقابة التعليم الابتدائي ووزارة التربية… يخرج علينا الوزير جلول بقرار خصم 20 يوما من مرتبات مديري المدارس الابتدائية كإجراء عقابي لهم على انضباطهم لقرارات نقابتهم العامة التي أقرت الإضراب الإداري في نهاية السنة الدراسية الفارطة…… فبعد أن سدد الوزير طعنته السابقة بخصم 5 أيام دفعة واحدة من مرتبات كل المربين بما في ذلك مديرو المدارس الابتدائية في عز شهر رمضان الفارط … وبعد تمكنه من تمرير مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية إن بشكل أو بآخر وبعد إقرار المحكمة بما اتخذه من إجراءات لعبور كل تلاميذ المدارس الابتدائية إلى المستوى الموالي آليا… اعتقد الوزير أنه أصبح مسيطرا على الوضع بما يخوله مواصلة التشفي واعتماد سياسة الإرهاب والإذلال لرجال التربية لذلك قرر تسديد طعنته الأخيرة والقاضية والتي اعتقد أنها ستجعل الجميع يرضخ لإرادته ويعودون صاغرين إلى العمل خوفا من جبروت هذا الوزير المتجبر…. نقابة التعليم الأساسي تجد اليوم نفسها محشورة في الزاوية في غياب شبه تام للخيارات أو طرف جدي للتفاوض… فالوزير لم يترك لها أي مجال لتتحرك داخله… فهو يسد جميع المنافذ ..بل أكثر من ذلك إنه لا ينفك يصدر القرارات الأحادية الجانب … و لا يتورع عن اتخاذ الإجراءات الانتقامية الاستعراضية التي زادت من الاحتقان وباتت تهدد بانفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة… فالوزير بات شبه متأكد من أن المربين أصبحوا أمام الأمر المقضي.. ولم يعد أمامهم من حل سوى الرضوخ لإملاءاته أو التعرض للطرد من العمل و للتجويع والتنكيل… وما كان للوزير أن يسير في هذا الدرب لولا المساندة الكبيرة التي وجدها من الحكومة وخاصة من رئيسها الحبيب الصيد مع ما حظي به من دعم حزبي ومن مساندة من العديد من الأولياء الغير واعين بما يحدث فعلا في قطاع التربية العمومية من تخريب وتدمير… كما أن غياب الحزم من الجانب المقابل (أي الجانب النقابي) خاصة من طرف المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل الذي أعطى انطباعا أن المربين يخوضون نضالاتهم بشكل منفرد ويتلقون الضربات بمفردهم دون وجود ظهر قوي يستندون إليه… بل إن العديد من المواقف والتصريحات من الأمين العام ومن أعضاء المكتب التنفيذي أكدت تخاذل قيادات الإتحاد عن دعم قواعدها وأحد أهم نقاباتها القطاعية (حتى لا نستعمل عبارات أشد وقعا وأقرب للحقيقة) والتي راحت تتحدث عن التضحيات التي يجب أن يقدمها المربون وعن صعوبة الأوضاع في البلاد وعن ضرورة شد الحجر على البطون… في غياب لأي تلويح بتفعيل التضامن النقابي أو تهديد باللجوء إلى الإضرابات العامة الجهوية أو العامة التي كانت السلاح المشرع دائما في وجه حكومة الترويكا… ملخص القول أن الوضع اليوم في البلاد بصفة عامة وفي قطاع التربية الشديد الحساسية بات يسير من سيئ إلى أسوء وبات مهددا بالانفجار… فمحاولات جلول المكشوفة لتفتيت القطاع وتشتيت مكوناته عبر مناوراته التي أصبحت مفضوحة للجميع والتي تستهدف تارة أساتذة التعليم الابتدائي وطورا المديرين ولا ندري من ستشمل في المستقبل لم تعد تنطلي على أحد… وواهم من يعتقد أن المربين سيرضخون بهذه السهولة لهذا الابتزاز الرخيص…. إنني أعتقد جازما أن حشر المربين في الزاوية اليوم لن يزيدهم إلا لحمة وتكتلا.. وسيكشف وبما لا يدعو مجالا للشك النوايا الخبيثة والإجرامية لهذا الوزير الذي لم يعد له من شغل سوى النيل من كرامة المربين ومحاولة تمريغ كبرياءهم في التراب… ولكن هيهات… قديما قيل " إن قطع الأرزاق من قطع الأعناق" وواهم هذا الوزير من يقفون وراءه أن يتوهموا أنه من اليسير قطع أعناق ما يربو عن ال60 ألف مربي بجرة قلم وكل من هم في كفالتهم … إن هذا الوزير لم يعد له مكان على رأس وزارة التربية… فقد تمادى في غيه إلى درجة يعجز عنها كل وصف… أنا أحد المربين الذين يعربون عن استعدادهم التام إلى العودة إلى العمل والتنازل عن كل المطالب مقابل شيء واحد فقط وهو إقالة هذا الوزير الكارثة على التربية والتعليم والبلاد…. لكن إن لم يكن الأمر كذلك فإن في جراب المربين الكثير من الأساليب النضالية التي ستؤكد للجميع أن المربي ليس مهيض الجناح وليس "قطعة حبل جايبها الواد"… ولن يرهبنا قانون الطوارئ ولا حظر التجوال والتهديد بالطرد أو بالسجن أو حتى ما هو أعظم من ذلك… فنحن لا نستحق أن نحمل لقب المربين إن كنا أول من يجبن عن المطالبة بحقه وأن نرضخ للذل والظلم ونحن أحفاد الشابي القائل: من لا يروم صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر وأحفاد ابن شداد القائل: لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ = بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ