المنستير (وات)" من قضايا الكتابة عند المسعدي " هو محور الندوة الفكرية التي نظمتها موءخرا المندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير في إطار الاحتفال بمائوية المناضل والأديب محمود المسعدي (ولد بتازركة يوم 28 جانفي 1911- وتوفي الخميس 12 ديسمبر 2004 ) بمشاركة ثلة من الأدباء والجامعيين. تطرق الأستاذ عمر الإمام الذي ترأس الجلسة الأولى في مداخلة له بعنوان"الشكل تحديثا في إنتاج محمود المسعدي " إلى الدور الريادي للمسعدي في عملية التحديث الإبداعية للأدب العربي حيث " شكل إنشاؤه ظاهرة فنية متفردة وجسمت كتاباته أحداثا أدبية متميزة في أشكالها التعبيرية والمضمونية جامعة". وأشار إلى أنٌ المسعدي توصل إلى سبل فنية مستحدثة بفضل تجربته الإبداعية المتفردة المتأصلة في ثقافتها العربية الإسلامية والمنفتحة على الأدوات الفنية لأشكال الإبداع الإنساني قديمها وحديثها ومعاناة ذاته الناحتة لكيانها. وأثار الأستاذ منصف الوهايبي في مداخلة بعنوان " محمود المسعدي أو تأسيس قصيدة النثر: شاعر ضلٌ طريقه إلى النثر، من أيام عمران أنموذجا " إلى صعوبة البحث في لغة المسعدي التي يتواصل فيها القديم والحديث جنبا إلى جنب بحيث لا يتواني المسعدي عن تعقيد اللٌغة كلما نزع إلى التجريد . ولاحظ أنٌ القاعدة في المستحدث اللغوي " هي الحفاظ على التقليد وخرقه في آن، وما يفضي إليه ذلك من مراوحة بين الوظيفة المرجعية المنوطة بمحتوي الخطاب والفكر الذي يحيل عليه، والوظيفة الجمالية حيث اللٌغة غاية في حدٌ ذاتها أو هي تقول اللٌغة". واستعرض عدٌة أمثلة حول مراوحة المسعدي في مؤلفه " من أيام عمران " بين الجمالي والمرجعي في أداء الصورة والفكرة حيث تحتفظ اللغة بقدرتها على التمثيل والتبليغ علاوة على المراوحة بين النظام الاستعاري والكنائي حيث يمكن استكشاف إنشائية الإيقاع لدى المسعدي. وبيٌن أن ما يعدٌه شعرا عند المسعدي " إنٌما هو تحويل شكل لغوي إلى شكل من أشكال حياة اللٌغة، وتحويل شكل من أشكال الحياة إلى شكل لغوي. ولكن في سياق التعارض بين اللٌغة العادية واللٌغة الشعرية وليس بين الشعر والنثر". وتعرض الأستاذ محمٌد آيت ميهوب في مداخلة بعنوان " قراءة السدٌ بين طه حسين ومحمود المسعدي الخلفيات والدلالات " إلى الجدال النقدي الذي دار بين الأديبين سنة 1957 حول " السد " وإلى خلفية طه حسين في قراءة هذا المؤلف والأدوات التحليلية التي اعتمدها وإلى الأسس التي قام عليها رد المسعدي. وأوضح أن هذا الجدال النقدي هو أبرز لحظات اللقاء بين المسعدي الذي بعث رسائل عدٌة إلى طه حسين فلم يوليها أي اهتمام مؤكدا أنٌ هذا الجدال مهمٌ بين الرجلين فكلاهما تلقي تعليما دينيا وغربيا وكان له مشروعا تعليميا. وقال أنٌ طه حسين في مقاله حول السدٌ الذي نشر في جريدة الجمهورية المصرية في 27 فيفري 1957 تعامل تعاملا انطباعيا سطحيا مع نص المسعدي ولم يقترب منه ولم يحلله انطلاقا من عينات لغوية محددة واكتفى " بعبارات لا تخرج عن الانطباع ونقل التأثر النفسي إلى القارئ جملة لا تفصيلا وتقريرا لا تحليلا " وارتبك في تحديد الجنس الأدبي لكتاب " السدٌ " فهو بين الفلسفة والشعر. وبيٌن آيت ميهوب أنٌ تعامل طه حسين مع نص " السدٌ " يكشف أنٌه يعتبر المعنى جوهرا مكتملا محسوما أمره في ذهن المؤلف ينتهي عند الفراغ من الكتابة وربما قبلها وما القراءة إلا رحلة استنطاق للدلالات وكشف عنها وبيان ولا شأن للقارئ بإنشاء المعنى وصياغته وخلقه مشيرا إلى أنٌ هذا التصوٌر مرتبط بنظرية البيان في النقد العربي القديم. واعتبر أنٌ طه حسين قد قصïر عن فهم التجربة الأدبية البكر للمسعدي . وبين أنٌ المسعدي ذكر في رده على مقال طه حسين والذي نشر في مجلة الفكر في شهر ماي 1957 إلى أنٌه يعتبر الأثر الأدبي متي كتب ونشر يصبح ملكا أدبيا مشاعا بين كلٌ من يقرأه وأنٌ لكلٌ قارئ الحق في تحديد معناه وتأويله وفق تجربته الخاصة وأنٌ النصوص الجيٌدة هي التي تتمنع فيها الدلالة عن التحدد والانحسار ويتكاتف فيها جهدا المؤلف والقارئ معا في إنشاء المعنى فضاء رحبا حرٌا للتواصل بين لحظة الكتابة ولحظة القراءة. وتعرضت الأستاذة آمنة الرميلي الوسلاتي في مداخلة بعنوان " التجربة الدينية في " حدث أبو هريرة قال .. الصياغة والدلالات "إلى التجربة الدينية في حدث أبو هريرة مشيرة إلى الخصائص الفنية لهذه التجربة من لغة السرد حيث حاول المسعدي بناء خطاب مختلف في تجربة الحس لأبي هريرة عن خطاب التجربة الدينية . وأكد الأستاذ محمٌد الناصر العجيمي الذي ترأس الجلسة الثانية بأنٌ مواصلة الاحتفاء بمحمود المسعدي هذا العلم التونسي يدل على ما يحظي به من قيمة أدبية كبيرة. وذكر الأستاذ فرج لحوار أنٌ المسعدي يعتبر مؤسسة لا يمكن أن نستوفيه حقه في هذه الندوة ملاحظا ان النص الأدبي لهذا الأديب يبقي نصا بكرا وهو عصي عن الإيديولوجيا فهو يتنزل في الفكر الإنساني وفي هذه الظاهرة يكمن نبوغ المسعدي وقيمة عمله. وبينت الأستاذة آمنة الرميلي الوسلاتي أنٌ المسعدي هو رمز من رموز الحداثة في تونس ويمثل صورة للذات التونسية الحديثة وأدب المسعدي هو ضد ثقافة الإنغلاق وهو مع الهوية الكونية. وتطرق الأستاذ مصطفي الكيلاني في مداخلة حول " محمود المسعدي فيلسوفا بالحكاية والشعر " إلى مسألة مراجع ثقافة الكتابة عند محمود المسعدي التي لها صلة بثلة من أدباء الفلسفة والأدب الإنساني مشيرا إلى أنٌه أقرب إلى شوبنهاور منه إلى المرجع النيتشي ،مبينا أن مفهوم الإرادة لدى أبو هريرة أشبه ما يكون بحياة شوبنهاور ولكن هناك محاولة للتجاوز. واعتبر المسعدي أديبا فيلسوفا أو هو فيلسوف أديب متأثر ولكنه لا يكتفي بالتأثير. وأوضح أنٌ فلسفلة الذات والإرادة وتحديث المعني وتفعيل الوجود مقاصد شبه ثابتة لدى المسعدي. وقد نشرت المندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير كتابا حول وقائع هذه الندوة جاء في 184 صفحة. وتضمن الكتاب علاوة على مداخلات الأساتذة التي تم تقديمها خلال هذه الندوة نصا للأستاذ محمٌد سعد برغل بعنوان " المسعدي حديث الجسد برٌحته الروح " واختتم بنص للأستاذ فرح لحوار بعنوان " ولكم في التٌدافع دولة يا أولي الألباب". يذكر أن وزارة الثقافة كانت قد نشرت الأعمال الكاملة لمحمود المسعدي بدار الجنوب للنشر سنة 2002 .