تونس (وات) - ليس من باب الصدفة أن تصدر عن الاديب المعروف علي دب (71 سنة) هذه الايام رواية جديدة ومتميزة في 260 صفحة من الحجم المتوسط ، فالرجل متمرس بالادب منذ سنوات طويلة ولعل مهنته قبل أن يتقاعد كاستاذ في اللغة والاداب العربية بالمعاهد الثانوية واخرها معهد فرحات حشاد برادس ، جعلته قريبا من حرفة الادب ويدل على ذلك غزارة انتاجه بالمقارنة مع نظرائه من الكتاب التونسيين..فرصيده عامر بمجموعة من الكتب هي " تعجلت الفرح"/ شعر/ و" فصول بيضاء" /شعر/ و "حبات قمح "/ مجموعة قصصية/ و" نساء الجبل"/ رواية/ و " قمر الغدران" / رواية/ و "بنات غازي"/ رواية . وله في مجال المسرح " قيطون" و"ابن خلدون" فضلا عن ثلاثية للشباب عن حياة ابن خلدون وسيناريوهات كتبها خصيصا للاذاعة والتلفزيون من بينها المسلسل التلفزي " ماطوس ". روايته الجديدة تحمل عنوان" حدائق الفجر" وتدور أحداثها بعد عشر سنوات من استقلال تونس كاشفة عن بقايا الصراع البورقيبي/ اليوسفي والتفاعلات الاجتماعية التي رافقت بناء الدولة الحديثة. في هذه الرواية تراكم اجتماعي قديم وحديث وصراعات مختلفة وفيها قصة شاب هاجر منذ الاربعينات وتنقل بين فرنسا وأمريكا أين تزوج واستقر لكنه عاد فجأة ليرى اباه العجوز وليحاول اقناعه بالانتقال الى حيث هو. ويصادف هذا الشاب الذي ادرك الكهولة وضعا اخر فقد كان يحلم بأشياء قديمة لم يجدها وشاهد بداية التحول في المجتمع ..يتعرف على امراتين شابتين وقعا معهما في قصة حب أو ما يشبه ذلك .. الرواية لها مستويات عدة ، اجتماعية وتاريخية وتراثية وهي تنطلق من اقصى الجنوب التونسي وتحاول استحضار المعالم الجمالية والتقاليد التي بدات في ذلك الوقت في التلاشي التدريجي. هذه الرواية تندرج ضمن الروايات العربية التي عالجت موضوع الهجرة من الجنوب الى الشمال على غرار رواية" موسم الهجرة الى الشمال" للطيب صالح ، وان برؤية اخرى وتقنيات مغايرة في مستوى السرد والاسلوب . من بين شخصيات رواية "حدائق الفجر" رمضان الثائر اليوسفي الذي فقد ساقه في المعركة الاخيرة ورفض أن ينسجم مع الوضع الجديد متظاهرا بالجنون .. من هذا المنظور تكتسي الرواية أهمية خاصة لاسيما بعد ثورة 14 جانفي لانها تتناول تلك المرحلة المسكوت عنها أو تكاد تكون محرمة في تاريخ تونس الحديث وما اعتراه من غموض ومظالم نتيجة الاستبداد والحكم الفردي ..ولعل الاديب علي دب اراد في هذه الرواية أن يدلي بدلوه في السجال الدائر بشان اعادة النظر في كتابة تاريخ تونس المعاصر ورد الاعتبار لصنف معين من المناضلين في اطار البحث عن حقيقة كانت مغيبة. وهنا يلتقي "حكي" الادب مع "تدبير" التاريخ بالمعنى الخلدوني للكلمة.