قامت السلطات منذ يوم أول أمس، باعتقال عدد من الأشخاص المعروفين لدى الرأي العام والذين تحوم حولهم شبهات كبيرة بالضلوع في الفساد والتهريب والاقتصاد الموازي. وقد تمّت هذه الاعتقالات وسط حالة غموض بسبب عدم صدور أي توضيح من الحكومة ولا من الجهات التي نفّذت هذه الاعتقالات ممّا فتح الباب واسعا للإشاعات والتأويلات. ويهمّ الجبهة الشعبية أن تتوجّه إلى الرأي العام بما يلي: 1 إنّ آفة الفساد المستشري في زمن النظام السابق كانت من بين العوامل الأساسية الكامنة وراء قيام ثورة الشعب التونسي وهو ما جعل من مقاومة هذه الآفة المدمّرة للاقتصاد والمجتمع والدولة والسياسة والأمن والثقافة والأخلاق، استحقاقا من استحقاقات الثورة لتغيير أوضاع بلادنا وإصلاحها إصلاحا جذريا، غير أنه في غياب أية إرادة سياسية فقد استمرّ الفساد بعد سقوط الدكتاتورية وتفاقم وربط خيوطه بالإرهاب وأصبح يمثل خطرا جديا على حاضر البلاد ومستقبلها. 2 ومن هذا المنطلق فقد جعلت الجبهة الشعبية من مقاومة الفساد بندا أساسيا ودائما من بنود برنامجها ومحورا رئيسيا من محاور نضالها ونشاطها في مجلس نواب الشعب وخارجه، بمفردها أو بالتنسيق مع القوى الديمقراطية الأخرى، السياسية والاجتماعية والمدنية، وتصدّت في هذا السياق، وما تزال، لقانون المصالحة الاقتصادية والمالية المقدّم من رئاسة الجمهورية باعتباره مشروع تصالح مع منظومة الاستبداد والفساد وطالبت بسحبه وباحترام مسار العدالة الانتقالية الذي يضبط شروط المصالحة. 3 والجبهة الشعبية إذ تسجّل ما أقدمت عليه الحكومة أخيرا وبعد تلكّؤ وإثر ضغوط كثيرة داخلية وخارجية، من إيقافات لعدد من المشتبه بهم، فإنّها تؤكّد أن الحرب على الفساد الذي استشرى مع كل الحكومات المتعاقبة بما في ذلك الائتلاف الحاكم الحالي وأصبح ينخر كافة مفاصل الدولة والمجتمع، ينبغي أن تستند إلى استراتيجية وطنية، شاملة وواضحة، تتعامل مع الفساد كمنظومة متشابكة وذات ارتباط بالمناخات السياسية وبالاختيارت الاقتصادية، و ينبغي أن تتوفّر لها الإرادة السياسية وكافة الإمكانات القانونية والمادية والبشرية حتى لا تكون مجرّد عملية معزولة لتوجيه الرأي العام في ظلّ احتقان اجتماعي واسع وتأزّم سياسي كبير وفشل رسمي ذريع في إدارة البلاد. 4 وفي هذا السياق فإن الجبهة الشعبية تؤكّد أنّ مكافحة الفساد لن تحقق هدفها إلاّ إذا كانت شاملة وعميقة، ومسّت كل القطاعات الحيوية التي طالها الفساد كالأراضي الدولية والفلاحة عامة والصناعة والبنوك والتجارة والسياحة والإعلام والسياسة والبرلمان والإدارة والقضاء والأمن والديوانة، وذهبت فعليا حتى النهاية ودون استثناءات لأي اعتبار وارتبطت بالمحور الرئيسي لنضال شعبنا من أجل الشغل والحرية والعدالة الاجتماعية وأدرجت ضمن المهام الأصلية للسلطة القضائية المطالبة بالإسراع في البت في الملفات المنشورة لديها. كل ذلك في كنف احترام الدستور والقانون باعتبار أن المحاكمات العادلة والشفافة شرط أساسي من شروط مكافحة الفساد. 5 إن الجبهة الشعبية تعتبر أنّ مقاومة الفساد وهي اليوم مطلب أساسي للقوى الديمقراطية والشعبية، تمثل عنصرا من عناصر معالجة الأزمة التي تمرّ بها بلادنا وليست كلّها ومن هذا المنطلق فإنّ مقاومة الفساد لا ينبغي أن تلهي عن مواصلة النضال في مختلف الواجهات الأخرى أو تستعمل غطاء لضرب الحريات العامة والفردية أو تجريم التحركات الاجتماعية المشروعة وتشويهها وصرف الأنظار عنها ومواصلة تكريس نفس الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي تفتح الباب باستمرار أمام إعادة إنتاج ظاهرة الفساد (النيوليبرالية المتوحشة، الاقتصاد الموازي، الخوصصة الخ...) 6 إن الجبهة الشعبية ستتابع بانتباه كل الخطوات والإجراءات التي ستتخذها الحكومة في القادم من الأيام وهي تدعو كلّ القوى الديمقراطية والتقدمية السياسية والاجتماعية والمدنية إلى مواصلة النضال والتعبئة من أجل مقاومة جدية وشاملة للفساد وتفكيك منظومته في كافة المستويات ومحاسبة جميع الفاسدين في كل القطاعات والتصدّي لكافة محاولات حصر مقاومة الفساد في بعض الأشخاص والقطاعات. كما أنها تدعو إلى مواصلة النضال والضغط من أجل إسقاط قانون المصالحة الاقتصادية والمالية لتعارضه مع مكافحة الفساد.