تونس بعد الثورة، الإدارات العمومية، و الجملة الشهيرة ''أرجع غدوة '' ليست مصطلحات فضفاضة و لا هي تبلّي على آلاف الموظفين في القطاع العمومي. مجرد سؤال أحد المواطنين في محيط أي مؤسسة عمومية عن جودة الخدمات و الإجابة تأتيك مباشرة عبر تقاسيم وجهه المنهكة و حالة حذائه المتعب و الذي زار ذلك المكان مرات و مرات ليتلقّّى في كل مرة ردا قاسيا، ''أرجع غدوة، المسؤول في كونجي، ستنى مدام هالة شوية، أطلع للسانكايام، أهبط للتروازيام، أطبع بطاقة التعريف و عاود شد الصف، ماشي نفطر، نجيب قهوة و نجي ستنّى...'' كلها عبارات إعتدنا عليها و لكن، الرواية مخالفة اليوم، روايتنا تأتيكم من داخل جدران كنام مونبليزير، الثامنة صباحا، خوذ نومرو و شد الصف، نومروك 127، ستنى.... 127 شباك رقم 3... بربي جاني SMS، عندي موافقة على دواء خاص، ''أي مدام موجودة الموافقة، أماl'imprimante ما تخدمش... أطلع المدام هالة في التروازيام. في الطابق الثالث، السكون يخيم على المكان، أبواب مغلقة، جدران باردة، لا حياة لمن تنادي، مدام هالة غير موجودة، تسأل فيجيبونك ''ستناها تو تجي ''، تنتظر و تنتظر و يطول الإنتظار، تجد مكتبا وحيدا يتيما مغلقا، داخله موظف تطلب منه و بكل لطف أن ينسخ لك الورقة، و أنها مسألة حياة أو موت و أن وراك تلك الورقة بصيص أمل في الحياة لإنسان قدر له أن يولد في ''تونس '' فيجيبك بكل برود، ''ما يجيونا كان المرضى يا مدام ''!!! ثم يتظاهر بالمحاولة و يكرر المحاولة و يتأسف لك قائلا،''ما عنديش acces ''، زميله الذي بجانبه يتطوع ليرافقك إلى الشباك رقم 3 أين يقبع ''صابر '' ليطلب منه و بكل لطف إستخراج الورقة للسيدة التي طال إنتظارها، ليمتعض صابر و يكفهر وجهه و ينظر إليها شزرا و يقول ''ماني قلتلها ... ما تخدمش، مكسرة و الله مكسرة '' أبعثها للتروزيام، مدام هالة و إلا السنكيام مدام ساسية و إلا و إلا..'' كلهم في إجازات، عطلة و رأس سنة ميلادية... و المواطن؟؟؟ له الله أو فليأتي بطابعة معه. نهاية الحكاية سعيدة، فمخرجها أبى إلّا أن تعود السيدة أدراجها و الورقة معها، موظفة فاضلة، إشتغلت طابعتها فجأة و نفضت عنها غبارها و بقدرة قادر و بعد سويعات من الإنتظار خرجت الوثيقة و إستلمتها فرحة مسرورة... كيفاش قلتولي عاد... بلادي وإن جارت على عزيزة ..