نعم، وألف نعم، لقد كانت نعمة ذلك الخطاب الذي ألقاه سيادة رئيس الجمهورية في المجلس الوزاري الاخير. وانشرحت له كل النفوس والصدور والقلوب والأفئدة ففاضت توسّما للخير في المستقبل. لقد كان ذاك الخطاب هو اللاقط الذي سلّ شوكة الادارة من حلق المواطن وأزاح ضبابها الكثيف من على عيون أهل الخبر اليقين مكتوبا كان أم مسموعا أم مرئيا. ذاك الضباب الدامس الذي جعل المواطن والاعلامي معا يتقاسمان عقيدة واحدة وهي «كذب الاداريون ولو صدقوا» في عديد الحالات خاصة منهم أولئك الذين نصبوا أنفسهم أنبياء لا يحملون الا رسائل التعليمات المنزّلة من فوق وهم كاذبون ولا هم لهم سوى «الدفى والعيشة». أكيد بعد هذا الخطاب ستفتح مصارع الأبواب، وسيتحول مكتب المسؤول ذاته هو نفسه مكتب العلاقة مع المواطن. أكيد أن العريضة التي يوجهها المواطن الى الادارة ستنقص عرضا وإن علاقة الادارة مع المواطن ستزداد طولا وعرضا أكيد أن قاموس الخطاب الاداري ستسقط منه عديد المفردات ك «ارجع غدوة»، و«ناقص ورقة» و«في اجتماع». و«في مهمة» و«في كونجي» «برّا روّح تونجاوبوك» و«يحال عليكم للنظر» وبعدها للحفظ. أكيد أننا سنسمع لغة جديدة في اداراتنا مدارها الحق والواجب وقضاء الشؤون. أكيد أن دُرج الادارة ستتعافى من علّة الانتفاخ. وأعراض العرائض العريضة وأكيد أنها لن تبقى خزائن الحفظ مخازن للغبار واعشاشا لتربية العنكبوت. أكيد أن المواطن سوف لن يجد أمامه «حجرة الحدادة» في هنشير الادارة. وأكيد أكثر أن الاعلامي سيشرب من العين لا من «الحاجب» في غياب السيد «ترخيص» و«مدام» تعليمات و«المعلّم» سُتات. وسيكون طلاق الثلاثة بالثلاث ومع كل هذا يبقى المسؤول مسؤولا، والمواطن مسؤولا والاعلامي مسؤولا على ألا تعود «مدام» حليمة الى عادتها القديمة ولا «ترجع غدوة».