تونس – ما يزال مصير الحوار الوطني بتونس والمزمع عقده في الأيام المقبلة معلقا بسبب تباين مواقف الفرقاء السياسيين بشأن مبادرة اتحاد الشغل لحل الأزمة السياسية المستفحلة في البلاد منذ نحو شهرين. وتقدم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتمتع بنفوذ سياسي واسع بمعية منظمات أخرى في اطار لجنة رباعية بخارطة طريق جديدة. وقال حسين العباسي أمين عام اتحاد الشغل ، في مؤتمر صحفي اليوم السبت "تلقينا ردود الأحزاب ، الائتلاف الحاكم قبل بالمبادرة وليس بخارطة الطريق ، بيان حركة النهضة لم يتضمن موقفا دقيقا من بنود الخارطة". وأضاف العباسي "قبلت الحركة بنصف الحل ولم تعبر عن قبول صريح بخارطة الطريق وجاء بيانها غامضا وفيه مناورة وسعي لربح الوقت". كان الائتلاف الحاكم قد ذكر في بيانه مشترك بأنه حريص على "إنجاح الحوار من خلال التسريع بإنهاء المسار التأسيسي والتوافق حول البديل الحكومي والوصول إلى انتخابات نزيهة وشفافة في أقرب الآجال". ومن جهتها عبرت حركة النهضة التي تقود الائتلاف ، في بيان حمل توقيع رئيسها راشد الغنوشي ، عن قبولها بمبادرة رباعي الوساطة و"استعدادها التام غير المشروط للابتداء الفوري في جلسات الحوار الوطني للتوافق حول كل المسائل المطروحة". لكن لم يتم التصريح بشكل واضح عن القبول ببنود المبادرة بل تفضل الحركة على الأرجح وضع كل النقاط على طاولة الحوار دون التقيد بالتزام مسبق. وتتلخص المبادرة الجديدة في دعوة الفرقاء السياسيين إلى القبول بتشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة يتم التوافق حولها خلال اسبوع، تحل محل الحكومة الحالية التي تتعهد بتقديم استقالتها في أجل لا يتجاوز الثلاثة أسابيع مع انطلاق الحوار الوطني. وتتولى الشخصية المكلفة إجراء مشاوراتها لتشكيل الحكومة وإنهائها في أجل أقصاه أسبوعين. وحددت أشغال المجلس بأربعة أسابيع يتم خلالها إتمام الدستور بالاستعانة بخبراء وإصدار القانون الانتخابي وإنهاء تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات وتحديد المواعيد الانتخابية. وتعد هذه المبادرة هي الثانية التي يطرحها اتحاد الشغل منذ اغتيال النائب محمد البراهمي في 25 جويلية وقد تفادى هذه المرة الشرط المسبق للمعارضة بحل الحكومة المؤقتة بشكل فوري بعد فشل المشاورات التي امتدت على اسابيع في المرحلة الأولى. وقال قاسم عفية نائب امين عام اتحاد الشغل للشاهد "نعتبر ان الحد الادنى للجلوس على طاولة الحوار هو الاتفاق حول الشخصية الوطنية التي ستقود الحكومة المقبلة وتركيبتها وضبط آجال محددة للانتهاء من ذلك، غير ذلك يعتبر محاولة لربح الوقت وضرب مصداقية الحوار وبالتالي اغراق البلاد في المشاكل". وأضاف قاسم "كلما مر الوقت تعمقت الأزمة الاقتصادية أكثر وهم (الأتلاف الحاكم) يتحملون المسؤولية في ذلك. يوم بعد يوم يتضح ان لا هم لهم الا السلطة". ويبدو ان الأزمة السياسية ما تزال تراوح مكانها في ظل غياب تاريخ محدد لانطلاق الحوار الوطني الذي كان مقررا سلفا في مطلع الاسبوع بعد طرح خارطة الطريق لكن غموض موقف النهضة منها جعل هذا الحوار معلقا الآن. وقال النائب في المجلس التأسيسي عن حركة النهضة نجيب مراد "بصفتي نائب لا اعترف بمبادرة الرباعية. هذه الحكومة شرعية والمجلس التأسيسي هو الوحيد المخول للبت في مصيرها واي حكومة اخرى يجب ان يصادق عليها داخل المجلس". وأضاف مراد "ما يحدث مهزلة فيها الكثير من المغالطات ولا تتوافق مع مقومات الأزمة السياسية. ليس هناك أزمة في تونس". مع ذلك فالتداعيات الاقتصادية تزداد سوءا في تونس ، وحذر البنك المركزي في وقت سابق من الشهر الجاري من استمرار الاحتقان السياسي بين السلطة والمعارضة وتأثيره على سلامة الاقتصاد الوطني ، داعيا إلى ضرورة التوصل الى الاستقرار لدفع الاستثمار والتشغيل. وتراجع اقتصاد تونس المصنف في المرتبة الأربعين في الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2012 إلى المركز رقم 83 في الفترة من عامي 2013 و2014، وذلك وفقا لأحدث تقرير لمؤسسة دافوس الاقتصادية. وكانت الحكومة التونسية خفضت توقعاتها للنمو في العام الجاري مرتين من 5ر4 بالمئة إلى 4 بالمئة ثم إلى 6ر3 بالمئة وعزت ذلك إلى الوضع الاقتصادي الصعب وتراجع القطاع الزراعي وانخفاض معدل النمو العالمي. وتتطلع الحكومة إلى التحكم في عجز الميزانية فى حدود 5ر6 بالمئة العام القادم مقابل 5ر7 بالمئة منتظرة لهذا العام. وحذرت وداد بوشماوي رئيسة منظمة الأعراف، المسؤولة عن تشغيل أكثر من مليون و400 الف عامل في القطاع الخاص، خلال المؤتمر الصحفي اليوم ، من استمرار "الضبابية وغياب الرؤية الواضحة" وتاثير ذلك على الاقتصاد المتعثر وسمعة تونس. وقالت بوشماوي "لن يكون هناك استثمار وتشغيل في ظل عدم توفر المناخ العام الملائم. التجارة الموازية دمرت الاقتصاد والعديد من الشركات تغادر تونس". وفي ذروة النمو الاقتصادي كانت تونس تفاخر قبل الثورة بوجود طبقة متوسطة تعد الاوسع في المنطقة العربية لكن بوشماوي قالت اليوم ان "هذه الطبقة في طور الاضمحلال".