بعد سبع حكومات لم تنجح حكومة الشاهد هي الاخرى في ايجاد صيغة للتوافق ولم شمل الفرقاء السياسيين على قاعدة نص وثيقة قرطاج، وكان التناحر على السلطة العنوان الابرز الذي خيم على المشهد السياسي منذ ثورة 14 جانفي . وغلبت الصراعات والحسابات السياسية والاديولوجية من اجل الصراع على الكرسي وهو ما انعكس سلبيا على اقتصاد البلاد بعد اتساع الفجوة بين الداعميين لوثيقة قرطاج واتساع رقعة الانسحابات السياسية مع اعلان الاتحاد الاوروبي تصنيف تونس ضمن القائمة السوداء قبل ان يعلن الاخير عن تراجعه واقرار تصنيفه ضمن القائمة الرمادية. والملاحظ في الشأن السياسي ان مصلحة البلاد مجرد جبة يرتديها كل السياسيين لتبرير مواقفهم في حين ان التكالب والتناحر السياسي يقود البلاد نحو الهاوية في وقت يحذر فيه مراقبون للشأن السياسي والاقتصادي من ان تونس يمكن ان تشهد أسوأ فترة سياسية واقتصادية في ظل الصراع الاديولوجي الذي وصل الى مراحل الدعوة الى الى تقسيم البلاد بين الجنوب والشمال بعد فشل الحكومات المتعاقبة في بناء نسيج صناعي واقتصادي وتعويلها على خيارات السياحية التي تراجعت بعد احداث الفوضى والارهاب التي عشتها البلاد. وبقيت سفينة الانتقال الديمقراطي تواجه عاصفة الازمات السياسية والاقتصادية وسط صراع كل الفرقاء السياسيين على المواقع والحقائب الوزارية في حين ظلت الاهداف التي رسمتها وثيقة قرطاج مجرد حبر على ورق بوصف عديد الاحزاب المنسحبة. ويرى مراقبون في الشأن السياسي أن الارث الصعب والدعوات والمطالب المبالغ فيها تحرج الحكومة باستعجال الانجاز معتبرين ان المعارضة استغلت بعض مشاريع القوانين لاحداث الفوضى والتخريب وهو ما ينعكس سلبا على تعطيل دوران العجلة الاقتصادية . في هذا السياق، قال الاعلامي والمحلل السياسي عبد الجبار المدوري في تصريح ل"الشاهد" إن "المشهد عموما لم تطرأ عليه تحولات سياسية واقتصادية تذكر رغم تعدد الحكومات، لانها حافظت على نفس المنوال الاقتصادي الذي اثبت فشله وثار عليه الشعب زمن الاستبداد ". وأضاف أن "هذا الاصرار على اتباع المنهج الاقتصادي والتداين من الخارج يعود اساسا الى أن المتحكمين في اللعبة الاقتصادية والسياسية هي الطبقة الراسمالية الفاشلة" . وقدّر أن لا يتشكل اي مشهد سياسي جديد ينهي فترة حكومة الشاهد و سيستمر التوافق بين الشركاء في الحكم ولن تؤثر الانسحابات على طبيعة ذلك التحالف السياسي. وكان حزب آفاق تونس أعلن انسحابه من حكومة الوحدة الوطنية وقرر طرد وزرائه فيها من الحزب، بعد أن رفضوا دعوات رئيس الحزب ياسين ابراهيم الى مغادرتها، ودعا آفاق تونس إلى "القطع مع المنظومة السياسية الحالية المنبثقة عن وثيقة قرطاج؛ لحيادها عن الأهداف التي وضعت من أجلها إذ تم إفراغها من محتواها منتقدا في ذلك سياسة توافق حزبي حركة النهضة ونداء تونس. كما أعلن الحزب الجمهوري انسحابه من الحكومة بعد أكثر من سنة من مشاركته في التحالف الحكومي الذي تفكك لاحقا، بسبب ما اعتبره الحزب «ضغوط مارسها حزب نداء تونس على الناطق باسم الحكومة، القيادي في الحزب الجمهوري إياد الدهماني». وأضاف الناطق الرسمي باسم الجمهوري عصام الشابي لدى اعلانه الانسحاب إن من بين أسباب انسحابهم من الحكومة هي ممارسات «نداء تونس» ومديره حافظ قائد السبسي تجاه حزبه وتخيير الوزير الناطق باسم الحكومة، القيادي إياد الدهماني بين عضوية الحزب أو موقعه في الحكومة. يأتي ذلك بعد أن أعلن ممثله الوحيد في الحكومة، إياد الدهماني الاستقالة من الحزب، مخيرا الحفاظ على منصبه في الحكومة. هذا وأعلن مؤخرا حزب مشروع تونس انسحابه، بصفة رسمية، من "اتفاق وثيقة قرطاج"، وسحب دعمه ومساندته للحكومة، مطالبا ب"تغييرها بتركيبة أخرى تضمن الاستقرار في البلاد". كما باتت سياسة التوافق بين الحزبين الأولين في البلاد، والتي يؤكد مراقبون أنها جنبت البلاد الكثير من الويلات قاب قوسين من الانتهاء، خاصة أن دوائر مقربة من النهضة ذكرت ل"الشاهد"، أن مغادرة الحركة للحكومة أصبح مسألة مطروحة ومتداولة داخل مكاتب الحركة وفِي دوائر صنع القرار داخلها لعدة أسباب أهمها أن النهضة تحملت وحملت فوق طاقتها دائما رغم ان رؤس السلطة في تونس هم من نداء تونس الا ان النهضة دائما ما تتحمل المسؤلية وتجد نفسها في كثير من الأحيان تدافع عن الحكومة والدولة منفردة مثلما حصل في الأزمة الاخيرة من الاحتجاجات . وحسب ذات المصادر فإن هذه الإمكانية للخروج تعززها تصرفات النداء لكن منعها لحد الان الخوف على استقرار البلاد لكنها تظل ممكنة ليتحمل الجميع مسؤليته. جدير بالذكر ان 9 أحزاب وثلاث منظمات وطنية وقعت على هذه الوثيقة غير أن التطورات السياسية التي عرفتها البلاد، تسببت في انسحاب ثلاثة أحزاب منها، هي حزب آفاق تونس، والحزب الجمهوري، لتنضم اليهم حركة مشروع تونس.