لعل الاحداث المتسارعة الاخيرة التي تعيش على وقعها البلاد في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي استغلته النقابات كورقة ضغط على الحكومة لتضيق خناقها وتمرر مطالبها بسلاسة ، لتجد الحكومة نفسها بين المطرقة والسندان ، في ظل وضع مالي واقتصادي جد حساس.. ولعل الاحتجاجات المتواصلة في مناطق إنتاج الفسفاط ، ومناطق إنتاج النفط ، وتصعيد النقابات، علاوة على استمرار أزمة قطاع التعليم، المتمثلة في حجب أعداد امتحانات مرحلة التعليم الأولي من السنة الدراسية الحالية، والتهديد ب«سنة بيضاء» بالنسبة لكل تلاميذ المرحلة الثانوية، خير دليل على الرجة المنتظرة التي ستشهدها البلاد في الاونة القريبة ، سيما في ظل اتجاه علاقة الحكومة بالاتحاد العام التونسي للشغل نحو مزيد من التوتر.. وتواصل القطاعات المحتجة في الجنوب تمسكها بمطالبها للضغط على الحكومة من أجل تنفيذ وعودها ، اذ عاد المحتجون إلى الاعتصام في «الكامور» أمام مقر ولاية تطاوين ، قبل أن يصعدوا من حدة احتجاجهم، ليدخلوا في إضراب عن الطعام تنديدا ب«تجاهل الحكومة لمطالبهم»، خاصة تلك المتعلقة بالتشغيل في الشركات البترولية. ويطالب المحتجون الحكومة بالتحرك على وجه السرعة من أجل تطبيق بنود «اتفاق الكامور»، التي بقيت منذ 16 من جوان 2017 حبرا على ورق، على حد تعبيرهم. وتتمثل ابرز هذه المطالب في تشغيل 1500 شاب في الشركات البترولية العاملة في الجهة، والتعجيل بتوظيف العاطلين في شركة البيئة والبستنة لمرحلتي 2017 و2018، إضافة إلى صرف ميزانية صندوق التنمية والاستثمار التي تقدر قيمتها ب80 مليون دينار. وقد هدد المحتجون بالرفع من وثيرة احتجاجهم وتحركاتهم في حال واصلت الحكومة سياسة المماطلة والتسويف، على حد تعبيرهم، وحذروا من انتقال عدوى الاحتجاجات إلى كامل مناطق ولاية تطاوين. وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي جمال العرفاوي في تصريح للشرق الأوسط إن «عنصر الثقة بات يؤرق كل الأطراف، بما فيها الحكومة والمحتجين ونقابة العمال»، مؤكدا أن كل الأطراف «تصطاد بعضها البعض، ولا تخوض المفاوضات بنية إيجاد حلول تدريجية، بل تسعى إلى التعطيل، ومن ثم مواصلة الاحتجاج». واعتبر العرفاوي أن مناطق إنتاج النفط والفسفاط باتت نقمة على الحكومة ، بدل أن تشكل حلولا فعالة للأزمة الاقتصادية التي تمر منها البلاد، خاصة أن الخسائر أصبحت مضاعفة بسبب توقف إنتاج الفوسفات، وهو ما نجم عنه تقلص أنشطة عدد من المؤسسات المرتبطة بمادة الفسفاط، كالمجمع الكيماوي بقابس على سبيل المثال. وعن الحلول المقترحة لحل هذه الأزمات الاجتماعية، قال العرفاوي إن كل الأطراف، سواء في مواقع إنتاج النفط أو الفسفاط أو في نقابات التعليم، باتت اليوم مدعوة إلى تغيير نمط توجهها، والتفكير في مصلحة تونس «عوض التركيز على أهداف فردية ذات طابع أناني». وتنضاف إلى كل هذا المشاكل ملف المحتجين داخل مناطق الحوض المنجمي، بعد أن قررت الحكومة تجميد خطط لتشغيل السكان في مناطق الحوض ، وذلك رداً على فشل المفاوضات مع المحتجين الممثلين لسكان المنطقة. وأعلنت الحكومة عن تجميد فوري لكل المقترحات المتعلقة بالتشغيل في مواقع إنتاج الفسفاط مما أعاد الملف الاجتماعي الشائك إلى نقطة البداية، وهو ما ينبئ بإشعال التوتر بين الطرفين.