أفرزت انتخابات 2014 مشهدا سياسيا وصف بالمتوازن، بحزبين كبيرين في المرتبة الأولى والثانية من حيث عدد نواب البرلمان، هما حزب نداء تونس وحركة النهضة. وترأس نداء تونس، بصفته الحزب الأول في البلاد، رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان. ولعب التوافق بين النداء وحركة النهضة دورا هاما في تهدئة الوضع العام واستقرار النبض السياسي للبلاد، وهذا ما أكده رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي سابقا، حيث أثنى على دور حركة النهضة وحسها المسؤول وتنازلاتها لفائدة الصالح العام. في المقابل، أفرزت انتخابات 2014 أحزابا معارضة، كالجبهة الشعبية والمسار والتيار الديمقراطي وحركة الشعب… وان وجود قوة معارضة في الأنظمة البرلمانية يعتبر داعما رئيسيا لمبدأ الرقابة من داخل السلطة، وتحقيقا لعنصر التوازن. لكن دور الأحزاب المعارضة خلال هذه المرحلة لم يحقّق المستوى المطلوب، فقد غابت الحلول البديلة والمبادرات التي من شأنها تحسين وضع البلاد اقتصاديا واجتماعيا. ففي الوقت الذي تشهد السّاحة تغيّرا على مستوى الخارطة الجيوسياسيّة، يتمّ تشكيل ملامحها تحت قبّة البرلمان، من خلال تشكيل تحالفات برلمانيّة بغاية الوصول إلى نقطة ال109، لتحقيق الأغلبيّة النيابيّة، تعاني الأحزاب المعارضة ركودا غير طبيعي، مواقف سلبية و لا حلول تذكر، وفي جل المحطات السياسية نكاد نستبق مواقفهم الرّافضة، رغم الدور الموكول إليهم من مراقبة السلطة وتقديم الحلول المناسبة للصالح العام. ويبدو أنّ المعارضة تركت الساحة السياسية للأحزاب الحاكمة مكتفية بمتابعة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية أو اتهام حزبي نداء تونس والنهضة بالتسبب في تفاقمها، دون تقديم حلول تذكر فتشكر، وتعتبر مشاركة المعارضة في الحكومات المتعاقبة شحيحة جدّا بالمقارنة بلامحدوديّة مطالبهم داخل البرلمان. والغريب في الأمر أنّنا نكاد لا نرى طموح المعارضة للوصول إلى الحكم، ومانراه يقتصر على طموح بعض قيادات الأحزاب المعارضة كحمّة الهمامي وسامية عبو، للوصول إلى السّلطة لكن بدون استراتيجيا واضحة ولا خطاب قريب من المنطق السياسي. لكن تراجع مستوى الأحزاب لم يقتصر على الاحزاب المعارضة فقط، فقد تراجع نداء تونس بعد أزمته الأخيرة، حيث شهد النداء موجة استقالات كبيرة، مما أنتج واقعا جديدا تراجع فيه النداء من الحزب الأوّل بعد انتخابات 2014 إلى الحزب الثّالث قبل انتخابات 2019 بأشهر قليلة. انّ قرار نداء تونس، الخروج من الحكم والدّخول في صراعات مع رئيس الحكومة أدّت إلى تجميد عضويّته من الحزب، جرّاء خلاف عائلي داخلي، سيكون له انعكاسات أكبر من التي شهدناها، خلال الأيّام القليلة القادمة، وهذا ما عبّر عنه محلّلون بأنّ النّداء انتهى وأصبح خارج المعادلة السياسيّة بسبب المواقف غير الموفّقة. في المقابل، تمكنت كتلة الائتلاف الوطني المتكونة من نواب مستقيلين من نداء تونس وآفاق تونس ومشروع تونس ونواب مستقلين، من تحقيق توازن سياسي عبر التحالف مع حركة النهضة ومشروع تونس، وتوفير حزام سياسي داعم لحكومة الشاهد، ولعل جلسة منح الثقة للتحوير الوزاري كان أول امتحان لهذه الكتلة الناشئة. وقد كشفت ليلى الشتاوي، النائبة عن كتلة الائتلاف، أن الكتلة ستتحول إلى مشروع حزبي سيتم الاعلان عنه في غضون شهر، وأنّه سيتم تجميع العائلة الديمقراطية الوسطية في هذا الحزب الكبير، حسب تعبيرها، للاعداد لانتخابات 2019. وتبقى حركة النهضة، حسب التحليلات السياسية، الحزب الاكثر تماسكا في الساحة السياسية حيث لم تشهد كتلتها البرلمانية استقالات أو اضافات. وقد يصبح تمسك حركة النهضة بمبدأ الاستقرار الحكومي الورقة الرابحة للعبور إلى انتخابات 2019. في اطار الخارطة الجيوسياسية الجديدة، تبقى انتخابات 2019، سباقا صعب، لا يمكن خوضه دون مراجعات وانجازات وتطور على مستوى الخطاب والفعل والسياسات.