تسارعت الأحداث السياسية والعسكرية في الجارة ليبيا وأصبحت مسرح صراع مباشر بين محوري مصر والإمارات العربية المتحدة وحفتر ومحور تركيا وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا وصراعات غير مباشرة ثنائية تركية-أوروبية وفرنسية-إيطالية وروسية-أمريكية، وقد تحققت كامل شروطها منذ الرابع من أفريل تاريخ تحرك اللواء المتقاعد خليفة حفتر عسكريا نحو طرابلس للسيطرة عليها. ويُعْزَى التصعيد الأخير في الحرب الدائرة إلى عامل احتياطيات الغاز الضخمة في شرق المتوسط وقبالة سواحل ليبيا والاتفاقيتين التركية الليبية ما أجج التدخل الإقليمي الدولي. تركيا نحو إجهاض مشروع مصر والإمارات وحفتر أدى الاستقطاب الثنائي الحاد بين حكومة الوفاق الوطني وقوات حفتر لجعل ليبيا رهينة سياسة المحاور الإقليمية والدولية حيث عوّل اللواء المتقاعد في تسليح قواته على الإمدادات العسكرية المصرية الإماراتية لجعل شرق ليبيا ضمن دائرة النفوذ الرباعي الإسرائيلي – السعودي-الإماراتي-المصري، ولتكون المياه الليبية المحاذية لمصر تحت السيطرة الكاملة لقوات حفتر التي تستخدمها للتسليح وأيضا للحفاظ على مخزون الغاز الكبير فيها برعاية مصرية كاملة وبتنسيق مع إسرائيل. وهناك نوايا للتحكم فيه مستقبلا واستغلاله خاصة بعد توقيع اتفاقية تصدير الغاز من إسرائيل لمصر بقيمة 15 مليار دولار في وقت وقع الكيان الصهيوني اتفاقية مع اليونان وقبرص لإنشاء مشروع الخط البحري – ايست ميد – لتصدير الغاز إلى أوروبا. تركيا أدركت خطوات هذا المحور ولذلك سارعت لتوقيع الاتفاقية البحرية مع حكومة الوفاق وبذلك تستفيد تركيا اقتصاديا – دون الإضرار بمصلحة ليبيا- من خلال توسيع حدودها البحرية التي ستمنحها حق التنقيب على الغاز في مرحلة أولى ثم عرقلة مخطط خط الغاز البحري الذي تخطط لإنشائه إسرائيل واليونان اللتين تنسقان مع مصر في عمليات التنقيب على الغاز شرق المتوسط. أما الاتفاقية العسكرية مع حكومة الوفاق فهي لإعادة التوازن العسكري في الحرب الدائرة وضمان استمرار صمود قوات الوفاق خاصة مع ما يقدمه محور حفتر له بسخاء كبير ودون حدود ما جعله يواصل الهجوم رغم مرور تسعة أشهر عليه. وبالتوازي مع ذلك تواصل الحكومة المعترف بها دوليا الصمود سياسيا وعدم التنازل أو التراجع عن الاتفاقية البحرية. الاتحاد الأوروبي ككتلة موحدة أقلقته الخطوات التركية الأخيرة وندد بالاتفاقيتين الليبية- التركية وتضامن مع اليونان المعترضة، وذلك لأن شركتي إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وقعتا عقود تنقيب على الغاز مع قبرص اليونانية كما سيمكن الخط البحري من تنويع مصادر الغاز في الدول الأوروبية وكسر الاحتكار الروسي. ولذلك يمتعض الأوروبيون من تزايد الدور التركي العلني والواضح في ليبيا في منطقة قريبة منهم ويعتبرونها مجالهم الحيوي. وبلا شك فإنّ إعلان الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيبي بوريل زيارته طرابلس في 7 جانفي 2020 ومعه وزراء خارجية فرنساوإيطاليا وبريطانيا وألمانيا تندرج في إطار الضغط على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا لثنيها على التقارب الوثيق مع تركيا. فرنساوإيطاليا والتنازع المستمر على النفوذ في ليبيا التنازع الإيطالي الفرنسي على النفوذ في ليبيا قديم متجدد فكلا البلدين لهما استثمارات في قطاع النفط الليبي خاصة شركتا إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية ومصالحهما متناقضة كليا- عكس التقائها في شرق المتوسط- لذلك توجهت فرنسا شرقا نحو حفتر منذ مسك وزير خارجيتها جون ايف لودريان الملف الليبي مع المحافظة على علاقات عادية مع حكومة الوفاق . إيطاليا بدورها تراهن على العلاقة المتينة مع حكومة الوفاق الوطني بينما ترفض مساعدتها عسكريا وتحتفظ بتقارب مع حفتر والملاحظ أن البلدين لا يضعان بيضهما في سلة واحدة ويتنافسان على النفوذ السياسي تجلى ذلك باحتضان كليهما مؤتمرين بخصوص حل الأزمة الليبية فشلا كليا ما دفع ألمانيا للتقدم خطوة وسحب الملف منهما وعزمها إقامة مؤتمر برلين لتجنب تأثيرهما السلبي وتنافر حساباتهما السياسية والاقتصادية. الحرب الباردة تتواصل في الساحة الليبية في الصراع الليبي تعتمد روسياوالولاياتالمتحدة على استراتيجيات متضادة لمنع بعضهما البعض من الاستئثار الكلي بالملف في أروقة مجلس الأمن أو الديبلوماسية العالمية فحين تحركت الولاياتالمتحدة وساندت مشروع بيان في مجلس الأمن يطلب من حفتر وقف هجومه على طرابلس عارضته موسكو لأنها تقيم علاقات وثيقة حفتر استخباراتيا وعسكريا والخبراء الروس يدربون قواته فيما تقيم واشنطن علاقات مع حكومة الوفاق وقواتها في ملف التعاون الأمني والاستخباراتي في مراقبة تحركات التنظيمات الإرهابية. وفي مجريات الحرب الدائرة حاليا غضت موسكو الطرف عن استقدام قوات حفتر لمرتزقة فاغنر حين بدأت تتقهقر إثر خسارتها مدينة غريان الاستراتيجية في 27 جوان لتتدخل واشنطن وتمرر مشروع قانون عقوبات في الكونغرس ضد روسيا لمساعدتها في ما تقول إنه زعزعة لاستقرار ليبيا ثم تبلغ احتجاجها لحفتر حول الاستغلال الروسي للحرب وتطلب منه وقفها وفي المقابل تغض الطرف عن الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق الوطني الذي سيعدل موازين القوى مع الاكتفاء بإشارات بسيطة من قبيل القلق من التدخل الخارجي دون أن ترفع ضوء أحمر أمام أنقرة حليفتها في حلف الناتو. إن الحرب الأهلية الليبية التي أشعلها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومن ورائه مصر والإمارات العربية المتحدة سمحت لتدخلات خارجية أذكت نيران الفتنة الداخلية لتتحول ليبيا إلى حلبة صراعات دولية بين قوى إقليمية وغربية على الثروات الطبيعية والمنطقة الاستراتيجية الحيوية شرق المتوسط الغنية بالغاز ما أجج الصراع الدائر حاليا. كريم البوعلي