وزير التجهيز: قريبا إصدار النصوص التطبيقية لقانون البنايات المتداعية للسقوط    قيس سعيّد يشدّد على إصلاح الصناديق الاجتماعية واستعادة توازنها المالي    تجاوزات في السكن والنقل والتأمين.. موسم العمرة يبدأ بالشكوى!    أكثر من 90٪ من الصيدليات منهكة بسبب تأخر مستحقات الكنام!    تنديد بالإرتفاع المُشط في أسعار اللحوم الحمراء.. #خبر_عاجل    الديوان الوطني للصناعات التقليدية يشارك في معرض دولي بالهند من 31 جانفي الى 15 فيفري 2026    عاجل: تونس تدخل اليوم في الرّوج    بمنافس جديد.. إيلون ماسك يتحدى "ويكيبيديا"    سيميوني وبايينا يهزان الشباك وأتليتيكو يعزز سجله الخالي من الهزائم    حكم بالسجن لمغتصب فتاة من ذوي الإحتياجات الخاصة    عاجل: ''Ciné Jamil'' المنزه 6 تُغلق أبوابها نهائيًا    شنوا حكاية الخطة للوقاية من التهاب الشعيبات عند الأطفال والرضّع ؟    يا توانسة.. كل شريحة لحم تاكلها تزيد في حرارة الأرض!    "من العين إلى القلب": إكتشاف طبي جديد للتنبؤ بخطورة الأمراض    عاجل: النجم الرياضي الساحلي يرفض استقالة زبير بيّة    التعاون الثنائي والقضايا ذات الاهتمام المشترك أبرز محاور جلسة مباحثات تونسية - عراقية    عاجل: عودة الأمطار بداية نوفمبر... وتقلبات منتظرة في الأسبوع الثاني    طقس الثلاثاء: الحرارة بين 19 و30 درجة مع سحب عابرة ورياح قوية    قيس سعيد: الحلول قادمة وسيتنفّس كلّ تونسي هواء نقيّا خاليًا من كلّ أنواع التلوّث    السعودية: 54.5 مليون زائر ومعتمر بالحرمين الشريفين في شهر    إسرائيل تنشر فيديو جديد ليحيى السنوار.. وسط أنقاض الحرب    حياة الدوس تحذّر من المغالطات... وتدعو إلى توضيح رسمي بشأن تصدير زيت الزيتون إلى الصين    شنوّة معناها تفقد الشهية كي تقوم الصباح؟ خبراء التغذية يجاوبوا    محاكمة المتهمين بمضايقة زوجة الرئيس ماكرون    رئيس الجمهورية: القرارات التي يجري العمل على إعدادها لن تُخيّب آمال الشّعب    هدية شخصية من اليابان تلامس قلب ترامب    مدنين: قروض بقيمة 20 ألف دينار لتشجيع الشباب على الاستثمار في السياحة    ترامب يجدد رغبته في لقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ    ملتقى حول الشيخ الطاهر بن عاشور    أولا وأخيرا: خلاص الفاتورة في الدورة    جبنيانة ..يستدرجون ضحاياهم ل «الحرقة» ثمّ يفتكّون أموالهم    البطولة العربية للكرة الطائرة للسيدات: النادي النسائي بقرطاج يواصل التألق ويفوز على نادي سلوى الصباح الكويتي بثلاثية نظيفة    المهدية .. بمشاركة أكثر من 550 مُمرّضا من تونس والخارج ..اختتام الأيام الوطنيّة ال19 للإطارات شبه الطبيّة    اليوم وتحت شعار «روح دار الثقافة في نواديها» ...دار الثقافة سبيطلة تفتتح موسمها الثقافي الجديد    40 دينار للعلوش و32 للبقري... منظمة الدفاع عن المستهلك تدق ناقوس الخطر    الوسلاتية: ضبط شاحنة محمّلة ب21 رأس غنم مسروقة من ولاية منوبة    جندوبة: افتتاح الدورة الأولى للمهرجان الدولي للأثر البيئي بجامعة جندوبة    صدور مجلة "جيو" الفرنسية في عدد خاص بالتراث التونسي    تونس تحتضن النسخة الخامسة من رالي فينيكس الدولي    بطولة العالم للتايكوندو: إنسحاب فراس القطوسي وعائشة الزغبي من المسابقة    رئيسة جامعة النزل: قطاع النقل الجوي فوّت على القطاع السياحي عدّة فرص    عاجل/ حالة إحتقان بهذه الجهة بعد حادث مرور قاتل    قبلي: حجز واتلاف كمية من الاعلاف الحيوانية وتنظيف خزانات ومحطات تحلية المياه    تنشط بين ليبيا وتونس.. تفكيك شبكة إجرامية دولية في مجال ترويج المخدرات    عاجل/ زبيّر بيّة يستقيل من رئاسة النجم الساحلي    نابل: توقعات أولية بإنتاج القوارص في حدود 270 ألف طن ودعوة لاتخاذ إجراءات لتيسير عملية ترويج المنتوج    أحدهم كان في طريقه للجزائر.. القبض على اثنين من عصابة متحف اللوفر    عاجل : النادي الإفريقي يعلن عن تعليق فوري لعضوية محمد الشافعي بسبب بهذه التجاوزات    سليانة: تلقيح أكثر من 50 ألف رأس من الأبقار ضد الحمى القلاعية والجلد العقدي    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    كأس الكاف: قائمة الفرق المتأهلة إلى دور المجموعات    رسالة من صاحبة "أكبر شفاه في العالم"    زواج إليسا ووائل كفوري: إشاعة أم حقيقة؟    برنامج "The Voice" يعود من جديد.. ومفاجأة في تشكيلة لجنة التحكيم    كيف سيكون طقس الاثنين 27 أكتوبر؟    هجمات بمسيّرات تستهدف العاصمة الروسية.. وإغلاق مطارين    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في فهم الهجمة على مجلس نواب الشعب ورئيسه: التقاء “موضوعي” بين الشعبويّة والثورة المضادّة!
نشر في الشاهد يوم 07 - 05 - 2020

من البيّن هذه الأيّام وجود حملة ممنهجة محورها ترذيل العمل البرلماني والهجوم على رئيس مجلس نواب الشعب الأستاذ راشد الغنوشي. وبلغت هذه الحملة، التي انطلقت ملامحها منذ فترة سابقة، ذروتها بدعوات لحل مجلس نواب الشعب والانقلاب على الخيار الانتخابي الديمقراطي.
المتتبّع للتوجّهات الكبرى التي انتهت إليها هذه الحملة يُمكنه الإقرار بأنّها امتداد، أو بالأحرى إحياء لحملات عرفتها بلادنا في محطات عديدة منذ انتخابات أكتوبر 2011 والتي بلغت أوجها في اعتصام باردو 2013 والذي تبنّى صراحة مقولات رفض التأسيس الديمقراطي الناشئ حينها وانخرط في موجة عُرفت حينها بموجة الثورات المضادّة التي تميّزت بالعودة إلى الانقلابات وحكم العسكر ومظاهر مختلفة من الاحتراب الأهلي واستباحة الاقتتال والفوضى المجتمعيّة، وكانت حينها الدعوة الى اقتحام مقرات السيادة واحتلالها لافتة واستباح البعض في تصريحات موثقة إراقة الدماء وللتضحية بآلاف المواطنين لكسر شوكة الانتقال الديمقراطي أسوة بما كان يجري حينها في دول عربيّة شملتها موجة الربيع العربي.
اليوم الدعوة صريحة لاستعادة مثل ذلك السيناريو فقد هدّد البعض بإراقة الدماء وبشّر آخرون بقُرب وقوع اغتيال سياسي، ولكن السياق غير السياق، فلئن كانت أجواء 2013 مُشبعة بتباشير نصرهم في مصر بمذبحة رابعة وعودة حكم العسكر في مصر، فإنّ الأجواء الآن مُغايرة، بل على النقيض تمامًا وسط الأنباء المتواترة عن هزائم يتلقّاها المتمرّد خليفة حفتر في الجارة ليبيا. فهم السياقات مهم جدا، ففي قوّتهم، الإقليميّة والمحليّة أيضا، سنة 2013 أجبروا على الانكفاء عن الأفكار الانتقاليّة والتخلّي عنها وقبلوا بالحوار والحل السياسي تحت خيمة استمرارية خيار الانتقال الديمقراطي وتعزيز أركانه بالقبول بدستور الثورة وتركيز الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتحديد موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعيّة. واليوم، وهم يُعاودون الكرّة بالكثير من الضوضاء والضجيج، فإنّهم يجرّون خلفهم خيبة العجز عن اختراق حصون طرابلس وتراجع حلفائهم تدريجيا إلى الشرق الليبي.
ولأنّها قد تكون فرصتهم الأخيرة، فقد عمدت غرف القيادة الخلفيّة التي تحرّكهم إلى محاولة الاستفادة من وهج الشعبويّة الذي بثّته انتخابات أكتوبر الماضي ساعين إلى توظيف أسلحة التباغض والفتنة والشيطنة وترذيل العمل البرلماني، والعمل السياسي المدني والسلمي عمومًا، لتحقيق ما أطلقوا عليه ثورة الحياة التي ستأتي على الأخضر واليابس.
محاصرة مقر مجلس نواب الشعب في باردو سنة 2013 بالمعتصمين والغاضبين تعويلًا على تمويلات ضخمة مشبوهة تتخّذ هذه المرّة صورة أو أسلوبًا آخر، وهو محاصرة المجلس بالأكاذيب والشائعات والشعارات الزائفة… والهدف هو نفسه تهيئة الأرضيّة لتهديم المؤسّسات، ومجلس نواب الشعب على رأسها لأنّه مركز السيادة الأصليّة لأنّه التعبير عن الإرادة الحقيقية للناخبين والفضاء الذي يُمارس فيه الشعب سيادته، وافشال المسار الديمقراطي بالدعوة صراحة إلى الفوضى والتخريب، إن لم يكن بالمعنى المادي الملموس فبتخريب المعاني الكبرى للديمقراطية والتداول السلمي على السلطة وتحكيم إرادة الشعب.
الهدف التكتيكي الراهن للانقلابيين وقوى الثورة المضادة هو استمالة فلول الشعوبيّين من الفئات الضعيفة والمفقّرة وضحايا تفشي وباء الكورونا والغاضبين على السلطة السياسية الحالية خاصة من مناصري رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد لتحقيق المقصد الاستراتيجي الأهم ألا وهو تهديم التجربة الديمقراطية وإحلال الفوضى وزرع الفتنة المجتمعيّة.
وبالنظر إلى حجم الهجمة الشرسة، والتي بلغت درجة من التلاعب بالعقول وقلب الحقائق وتزييف الوقائع بشكل فجّ وسخيف، فإنّ القائمين عليها على وعي تامّ بمكتسبات عميقة تحقّقت في استدامة نشاط مجلس نواب الشعب برغم التحدّي الخطير الذي فرضته أزمة الكورونا، فقد تمّ تأمين تواصل مختلف هياكل المجلس وتمّ اعتماد العمل عن بعد لأوّل مرّة في تاريخ العمل البرلماني التونسي والعربي والإفريقي، ممًا جعل البرلمان سبّاقا في حُسن استثمار التكنولوجيات الحديثة وتصريفها في إدارة ظرفيّة صعبة.
وبرغم المحاولات التي نفّذتها أطراف من داخل المجلس وخارجه للدفع بالعمل البرلماني إلى العطالة تحت هالة التفويض السريع والشامل للحكومة وعدم تعطيل إجراءات مكافحة وباء الكورونا فقد صمد المجلس ومرّر بأغلبيّة مريحة قرار الإجراءات الاستثنائيّة وما تبعها من إقرار لدليل العمل التشريعي ومواصلة التنسيق الكامل مع السلطة التنفيذيّة في جانبي الرقابة والتشريع.
وسياسيًا كان مجلس نواب الشعب في صدارة المؤسّسات التي رفّعت من درجة الوعي بخطورة وباء الكورونا فكانت جلسة 16 مارس 2020 والتي ضمّت مكتب المجلس ورؤساء الكتل النيابية المنعرج في اتجاه تثبيت الوحدة الوطنيّة والانطلاق الفعلي في اقرار إجراءات حاسمة في مجابهة الوضع الوبائي حيث تمّت الدعوة إلى حظر التجوّل ومنع التجمّعات وغلق الحدود.
هذا النجاح والإصرار على حسن الاضطلاع بالمهمّة وتحقيق التناغم والانسجام بين مجلس النواب والسلطة التشريعيّة بعيدا عن فتنة تنازع الصلاحيات، جعل أنظار مناوئي الانتقال الديمقراطي تتّجه رأسا إلى محاولة تهميش المجلس بالأكاذيب والإشاعات وافتعال المعارك والتقليل من العمل المنجز في أروقة البرلمان واشتغال مختلف الهياكل ومنها على وجه الخصوص خلية الأزمة واللجان البرلمانيّة.
وقد ضاعفت أنشطة رئيس مجلس نواب الشعب من شدّة احتقان “أعداء البرلمان”، فلا يكاد يمرّ يوم دون تسجيل نشاط لرئيس المجلس في علاقة بمختلف الملفات الوطنيّة المطروحة فتمّ التواصل مع الحكومة أكثر من مرّة وانعقدت لقاءات مع قوى مجتمعية ومهنية ونقابية وسياسية مختلفة ذهبت إلى الاستماع إلى مشاغل قطاعية هامّة وتشخيص للوضع الاقتصادي والاجتماعي وبلغت في نهايتها تدارس استباقي لمرحلة ما بعد الكورونا محليًا وإقليما أيضا عبر الانفتاح والتواصل والتنسيق مع البرلمانات الشقيقة والصديقة والمضي على وجه الخصوص في جُهد تفعيل مجلس الشورى المغاربي وتقريب وجهات النظر بين مختلف البرلمانات المغاربيّة استعدادا لعقد اجتماع المجلس مباشرة اثر انتهاء الأزمة الراهنة وذلك بعد أن استحال عقده في تونس خلال شهر أفريل نظرًا للظرف الصحي الطارئ.
لهذا يُهاجم مجلس نواب الشعب، ولهذا تحديدًا يقع استهداف رئيسه المتمّسك باستمرارية عمل أحد أبرز مؤسّسات الدولة والعماد الأوّل للتجربة الديمقراطية في تونس وتحقيق انسجامها مع سائر مؤسّسات الحكم في حسن تسيير دواليب الدولة وابعادها عن كلّ مظاهر الاضطراب أو التردّد وتكريس التواصل مع مختلف القوى المجتمعيّة والاقتصاديّة ومكونات المجتمع المدني على اعتباره مركز السلطة الأصلية والفعلية ولسيادة الشعب التي يُمارسها، وفق الدستور، عبر مُمثليه لمجلس نواب الشعب.
حجم الهجمة ومداها، والالتقاء الموضوعي الكبير بين قوى الثورة المضادة والقوى الشعبويّة، في مناكفة مجلس نواب الشعب ورئيسه، هو الدليل على أنّ المنجز البرلماني كان فارقًا ومحدّدا في استمرار التجربة ومحافظة النظام السياسي على مرتكزاته الدستوريّة ورفض أي انفلات أو تلاعب أو استثمار الركوب على موجة التخويف من “كارثة مزعومة مفترضة” لتحطيم لبنات باتت صلبة في منظومة حكم منسجمة وثابتة في عناصرها بين قرطاج وباردو والقصبة.
محمد الأمين الهادفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.