تعافى الجهاز الأمني «شنّج» التنظيمات الجهادية وجعلها تحاول تشتيت المجهودات الأمنية في السيطرة علي الجريمة بكل أشكالها وإعادة الطمأنينة الى المواطن، هذه التنظيمات قد تكون دخلت في مواجهة مع الجهاز الأمني. تونس (الشروق) كنّا ذكرنا في عدد أول أمس من «الشروق» بأن تنظيم «القاعدة» والتيارات الموالية له «غاضها» كثيرا نجاح الدولة في تأمين احتفالات اليهود بالغريبة في جربة، ومردّ هذا «الغضب» هو أن هذه التيارات تتحرّك بصفة شبه دائمة زمن تركيز الدولة على ضمان انطلاقة جيدة للموسم السياحي، لما يوفره هذا القطاع من سيولة لازمة من العملة الصعبة وهو كذلك جزء من آليات تحريك عجلة الاقتصاد والانتاج في البلاد وهو ما تسعى التيارات المتشدّدة دينيا الى «ضربه»، لعدّة أسباب من أهمّها أن نجاح السياحة يحمل عدّة معان إيجابية ومؤثرة، وهي أن الجهاز الأمني بدأ يتعافى من علل أصابته بعد 14 جانفي 2011، كما أن عجلة الاقتصاد بدأت تتحرّك، وهو ما يبتغيه المواطن في كل الحالات، كما أن المناخ السياسي بدأ في الخروج من «قمقم» العنف اللفظي بدوره، وآمن بأن مصلحة البلاد تبقى فوق كل عبادها. ثمار حيادية الجهاز الأمني وفي قراءة موضوعية للوضع الأمني بالبلاد، فإن هناك شبه إجماع على أنه وهذا ليس شخصنة منذ اضطلاع السيد لطفي بن جدّو بمقاليد الوزارة برزت عديد مؤشرات تحييد هذا الجهاز الحسّاس، فالتحويرات التي أدخلت على المنظومة الأمنية ورغم بعض نقائصها التقنية، إلا أنها أعطت مناخا من الثقة لدى الأمنيين بأن هناك توجّها نحو إعادة اعتبار افتكّته منهم أطراف سياسية من اليمين الى اليسار، ولذلك شاهدنا ارتفاعا واضحا وملموسا في مقاومة الجريمة والانحراف، والتصدّي الى ظاهرة التهريب، وهذا التصدّي هو «حافز» لأجهزة المراقبة للنزول الى الميدان وضبط المخالفين، بما يعود بالنفع على «جيب» المواطن، كما أن مقاومة مظاهر الجريمة والانحراف تشجّع المواطن على التنقل وتعطيه ثقة في جهازه الأمني الساهر على حمايته، وبالتالي تغيير صورة البلاد شيئا فشيئا وإعادتها الى ما عرفت عليه بأنها بلد آمن. تحديد مخابئ الأسلحة وحسب معطيات متوفرة ل«الشروق» فإن الجهاز الأمني مع بداية تعافيه، وبفضل التحويرات المدخلة عليه مؤخرا، فإن «عموده الفقري» وهو جهاز الاستعلامات بدأ يعود شيئا فشيئا الى نجاعته، وعمله الوقائي في حماية أمن البلاد، وحسب ذات المعطيات، فإن الأجهزة المختصة تمكّنت وفي كنف السرية التامة من «حصر» جلّ أماكن مخابئ الأسلحة، وخاصة في المدن الكبرى والعاصمة. وستحتفظ هذه الأجهزة بمعلومات خطيرة للغاية حول كميات تلك الأسلحة ومن يقف وراء إدخالها الى البلاد، ليس من ليبيا فقط، بل ومن نقاط حدودية معروفة على غرار الموانئ البحرية والجوية كذلك. وتفيد معطيات متوفرة ل«الشروق» أن الجهاز الأمني مرّ بالفعل الى مرحلة العمل الوقائي من التنظيمات المتشدّدة دينيا، فبدأ بمنع ما يعرف بالخيمات الدعوية، ولا يعرف الى ماذا تدعو تحديدا، ومنع وضع رايات تعوّض راية الدولة ورمزيتها وهو العلم الوطني. كما أن هناك خطّة جاهزة لاستعادة الدولة سيطرتها على جميع المساجد والجوامع بالبلاد ومراقبة لما يحصل داخل الرياض القرآنية. وكذلك فتح ملفات «الجمعيات الخيرية» ومصادر تمويلها. وحسب المعطيات المتوفرة فإن هذه الخطوات التي قام بها الجهاز الأمني «شنّجت» التنظيمات الجهادية التي على ما يبدو «ضاق» عليها هامش التحرّك فتحوّلت الى مرحلة محاولة «تشتيت» جهود الأمنيين وبثّ البلبلة والفوضى في الشارع، لعدة أسباب، أهمها العمل على «تغيير» أماكن إخفاء الأسلحة، وهذا ما تعيه جيدا الأجهزة الأمنية التي لم تتراجع الى الوراء، باعتبارها قرّرت بدورها الدخول في ساعة الحسم مع هذه التيارات المتشدّدة، لا سيّما أن الجهاز الأمني نجح في استعادة ثقة المواطن، وضمن مساندة شعبية هائلة له في تحرّكه، كما أن الأطراف السياسية التي عملت على وضع يدها عليه، بدأت في التراجع عن منهجها بسبب ضغوطات داخلية وخارجية سلّطت عليها، وهي تعلم جيدا أن الأمنيين بدورهم بدأوا ينفرون ممّن مدّ يده الى هذه الأطراف السياسية ووضع نفسه موضع الخادم الأمين على مصالحها. وعموما، فإن العارفين بالواقع الأمني للبلاد، مقتنعون تمام الاقتناع، بأن الجهاز الأمني لن يتراجع الى الوراء في مواجهة «انتشار» التيارات الجهادية، التي ترفض بدورها وجود «ثلاثية» معروفة، وهي تعافي الجهاز الأمني، وتحريك عجلة الاقتصاد، وانتعاش قدرة المواطن الشرائية لأنها وللأسف لا تتعايش إلا مع انتشار الجريمة وتفشي البطالة والفقر لا غير.