في الوقت الذي ارتفعت فيه وتيرة التحديات الأمنية في الآونة الأخيرة باندلاع احداث الشعانبي، وبعد قرار وزارة الداخلية منع اي نشاط دعوي دون رخصة مسبقة، اصدر انصار الشريعة في تونس بيانا شديد اللهجة يهدد فيه زعيمهم صراحة وزارة الداخلية والحكومة بمواجهة حتمية معلنا رسميا الحرب على من اسماهم ب"الطواغيت". فهل دخل الصراع بين الحكومة والجهاديين في تونس منعرجا حاسما، وهل ستمضي الداخلية في سعيها لتطبيق القانون على الجميع ومنع الأنشطة الدعوية وتفتيش القوافل الخيرية ومنع تثبيت الرايات فوق الجوامع؟.. لقد أكد وزير الداخلية لطفي بن جدو في اكثر من مناسبة ان قانون الارهاب ما يزال ساري المفعول ويجب تطبيقه لمحاربة خطر الارهاب خصوصا ان احداث الشعانبي مثلت ناقوس الخطر بعد ان تسببت الألغام المزروعة على محيط الجبل في سقوط جرحى في صفوف قوات الأمن والجيش.. ويتزامن البيان في وقت ارتفعت فيه رسائل التهديد والوعيد المتبادلة بين الداخلية وتنظيم انصار الشريعة في تونس الممثلة للسلفية الجهادية على خلفية تدارس الداخلية لفرضية منع مؤتمر انصار الشرعية في القيروان المزمع عقده الأحد المقبل. دق طبول الحرب؟ وقال البيان الموقع من قبل الشيخ ابو عياض التونسي "إن الطواغيت المتاسلمين ارتكبوا من الحماقات ما ينذر بتعجيل المعركة. " مبينا أن " شباب تونس الذي أظهر من البطولات" -وفق تعبيره- في الذود على الاسلام في أفغانستان والشيشان والبوسنة والعراق والصومال والشام "لن يتوانى في التضحية من أجل دينه في أرض القيروان في تونس". وقال او عياض -منتقيا الفاظا وعبارات من معجم الحرب بما يشبه "نفخ النفير" والتعبئة-.. محذرا ما اسماه "التمادي في الحماقات" قائلا:" .. اذا ما قعقعت السيوف واريشت السهام وضرب النصال بالنصال فوالله إن ارواحنا ارخص من ان نحرص عليها اذا ما حورب ديننا وضيق على دعوتنا.." وذلك في اشارة الى منع الداخلية انتصاب عدد من الخيمات الدعوية وانذارها في بيان لها صدر اول امس لكل من يحاول التحريض او الاعتداء على اعوانها او مقراتها انه سبواجه بتقديم القانون بكل قوة. رسائل ابو عياض من الواضح اذن ان البيان يتضمن عديد الرسائل المكشوفة منها والمشفرة الموجهة الى عدة اطراف.. ويعكس غضبا من قبل التيار الجهادي المتشدد تجاه الحكومة والمعارضة على حد سواء، ووزارة الداخلية وقوات الأمن على وجه الخصوص.. فقد وجه لها رسائل تهديد بالكف عن ملاحقة انصاره والتضييق عليهم، والكف عن منع الخيمات الدعوية التي دأبوا على تنظيمها في كل مكان وخصوصا في الأماكن العامة وفي الأحياء والأسواق الشعبية دون استشارة احد.. فتيار انصار الشريعة لا يعترفون اصلا بحكم السلطات المنتخبة وحكم القوانين الوضعية، ويعتقدون انهم ليسوا في حاجة الى ترخيص للقيام بانشطة دعوية او لعقد اجتماعات. وهو ما اكده امس ابراهيم التونسي ممثل التيار السلفي الجهادي في تصريح للصباح نيوز. أما الرسائل الموجهة الى الشباب السلفي الجهادي فقد وردت بوضوح في الجزء الأول من البيان واستعمل عبارات لشحذ الهمم والثبات على الموقف، حين دعاهم الى الثبات وعدم التفريط في المكتسبات وعدم التراجع او حتى مجرد التفكير فيه..اذ قال :".. فكونوا رجالا وعاهدوا الله على التضحية حتى لو استؤصلنا عن بكرة ابينا.." وقد تكون رسالة ابو عياض هذه تأكيدا على استعداد التيار الجهادي في تونس الى الصمود ولم لا اتخاذ موقع الهجوم وصد ما يرونه اعتداءات وانتهاكات تمارسها الحكومة ووزارة الداخلية ضد وجودهم وحرية انشطتهم الدعوية.. وقد اكد خبراء في التيارات الجهادية وفي الأمن الشامل ارتباط ما يحدث في جبل الشعانبي بالقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي فقط، ولكن ايضا وهو الأخطر هو مرور التيارات الجهادية في تونس الى مرحلة جديدة واستعدادها لمعركة حتمية لاثبات وجودها وهو ما يفسر انفجار الألغام واصابة العديد من رجال الأمن.. تحدي في الواقع ليست هذه المرة الأولى التي يخرج فيها ابو عياض الى الراي العام ببيان يعكس وجود حالة من الصراع والتجاذب بين انصاره وبين الحكومة..فالتمهيد للمواجهة او للمعركة بين الطرفين بدأت فصولها من عدة اشهر وكانت جلية في سبتمبر من العام الماضي حين تحدى ابو عياض وزير الداخلية انذاك علي العريض، والقى خطبة الجمعة في جامع ابو الفتح امام انصاره رغم انه كان مطلوبا ومفتشا عنه امنيا لضلوعه في احداث السفارة الأمريكية، لكنه نجح في الفرار بسهولة غريبة طرحت نقاط استفهام، ومنذ ذلك الوقت وهو حر طليق.. لكن الأجهزة الأمنية نجحت في الأثناء في فك عدة خلايا لجمع الأسلحة وتخزينها وقد تكون احداث دوار هيشر التي كانت مسرحا للمواجهات بين التيار السلفي الجهادي وقوات الأمن شوطا من اشواط الكر والفر بين الطرفين.. وقد تكون ايضا حادثة مقتل زوجة احد المطلوبين أمنيا حين داهمته قوات خاصة ليلا القطرة التي فاضت الكاس بالنسبة للتيار السلفي الجهادي... مواجهة حتمية كل تلك المؤشرات تؤكد أن المواجهة بين الداخلية والتيار الجهادي باتت حتمية.. خصوصا ان الحكومة باتت امام امرين اما المضي قدما في مهادنة هذا التيار وهو امر كلفها الكثير وخصوصا لحركة النهضة التي وجدت نفسها في موقف محرج تجاه احداث الشعانبي وما خلفته من تساؤلات حول تغلغل الارهاب في بلادنا ومدى الاستعدادات الأمنية لمواجهتها وموقف الحكومة والأحزاب منه.. فكان ان اعلنت النهضة -على غرار معظم الأحزاب والمنظمات الوطنية - موقفها المدين لتفجيرات الشعانبي ودعت الى تطبيق القانون ضد كل من يحمل السلاح ضد السلطة. جدير بالذكر ان الأسبوع المنقضي شهد مواجهات عنيفة بين انصار التيار السلفي الجهادي وبين وزارة الداخلية بعد ان أصرت بعض المجموعات الدينية المتشدّدة على ممارسة نشاطها مما أفضى الى مواجهات تدخلت خلالها الوحدات الأمنية باستعمال الغاز. وبعد السيجومي والمنيهلة بالعاصمة تدخلت قوات الأمن في تطاوين اول أمس وطالبت مجموعة من السلفيين ومجموعة من المعطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا بإزالة خيمتين تابعتين لهما من أمام مقر الولاية في الجهة. رفض وتصعيد وفي ظل التحذيرات التي أطلقتها وزارة الداخلية هدّدت بعض المجموعات المنتمية للتيار السلفي بالتصعيد وعدم قبول الشروط التي يرونها بمثابة تضييق الخناق على نشاطهم الدعوي وتحرّكاتهم . ونظم عدد من السلفيين في ولاية مدنين اول أمس وقفة احتجاجية ضد المضايقات التي يتعرضون إليها بساحة الشهداء. ورفع المشاركون فيها شعارات مثل «لا أجندات أمريكية في محاربة الإسلام» و»وزارة الداخلية وزارة إرهابية» و»بن علي في السعودية والداخلية هي هي» و»جيش محمد سيعود». وفي سياق متصل دعا الناطق الرسمي لحزب التحرير رضا بلحاج وزير الداخلية لطفي بن جدو للاستقالة. وانتقد منع السلطات في مدينة طبلبة من ولاية المنستير تنظيم نقطة حوارية للحزب. حرب مفتوحة وتعليقا على التطورات التي شهدتها الايام الأخيرة قال الشيخ خميس الماجري ل»الصباح الاسبوعي» ان ما يجري يمثل حلقة أخرى من حلقات الحرب المفتوحة المفروضة و»المشروطة والإرضائيّة»، التي شنّتها حكومة التّرويكا منذ بعد ما يسمّى الانتخابات على التيار السلفي على حد تعبيره. وقال:"أحسب أنّ هذه الحرب في هذه الجولة ستطفح الكيل، حيث أنّ نظام الحكم لم يحسب لها حسابا صحيحا،لأنّها ستعمّق الشّرّ في البلاد وستكون هذه الحرب هذه المرّة وبالا عليهم.." تحديد مخابئ الأسلحة لم يعد خافيا ان الوضع الأمني في البلاد شهد تحسنا ملموسا منذ اضطلاع السيد لطفي بن جدّو بمقاليد الوزارة خاصة بعد التحويرات الجزئية التي أدخلت على المنظومة الأمنية، وقد اعيد رسم خطط عملية من اجل مقاومة الجريمة والانحراف، والتصدّي لظاهرة التهريب.. كما تمكنت الأجهزة المختصة من كشف مخابئ عديدة للأسلحة، وخاصة في المدن الكبرى والعاصمة..تزامنا مع مداهمات عديدة نفذت ضد معاقل متشددين ومهربين ضبطت بحوزهتم اسلحة..كما تظهر العمليات النوعية الأمنية المتواترة التي كشف فيها عن مخابئ اسلحة وتفكيك خلايا ارهابية خصوصا في مناطق الشمال الغربي دخول الأجهزة الأمنية مرحلة العمل الوقائي من التنظيمات الاجرامية والارهابية..